الكذب الأبيض في الإسلام
الكذب المباح في الإسلام
– لا يختلف مفهوم الكذب عند الأشخاص المختلفين أو في بيئات مختلفة، فهو مفهوم شامل لدى الجميع ويشير إلى تزوير الحقيقة والقول بالعكس منها، ويمكن أن يصدر الكذب عن أي شخص، سواء كان كبيرا أو صغيرا، رجلا أو امرأة، ولا يرتبط هذا الصفة بالعمر أو الجنس، والكذب صفة مذمومة في جميع الأديان والمجتمعات، ويعلم الأطفال في كل مجتمع أن الكذب سوء الأخلاق.
هذا مثال للكذب في القرآن الكريم، إن الذين لا يؤمنون بآيات الله يفترون الكذب، وهؤلاء هم الكاذبون، وبالنسبة للحديث النبوي الشريف، فالكذب يؤدي إلى الفجور، والفجور يؤدي إلى النار، وقد يكذب الإنسان ويسعى لترويج الكذب حتى يسجل عنده عند الله ككاذب
ينتشر بين الناس مفهوم ما يسمى بالكذب الأبيض، وهو مصطلح يستخدم لبعض أنواع الكذب، ويصفونه بأنه أقل خطورة وتأثيرا من الكذب العادي، وأحيانا يتعلق بالهدف أو الغاية المرجوة، ويتساءلون عن حقيقة هذا النوع من الكذب وعلاقته بالدين وإذا ما كان له أشكال وحالات متنوعة، ويمكن توضيح موقف الدين الإسلامي من الكذب بشكل عام ومن الكذب الأبيض بشكل خاص
يصنف الكذب في الإسلام كذنب قبيح ويعتبر من أسوأ الأعمال والتصرفات، ومن الأحاديث التي تناولت هذا الموضوع الحديث الذي نقله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، والذي يشير إلى أن الصدق يفتح الباب أمام الخير بأنواعه المختلفة، وأن الخير يهيئ الطريق إلى الجنة، وأن الصادقين يكتبون عند الله، بينما الكذب يفتح الباب أمام الفجور والشر، وأن الفجور يهيئ الطريق إلى النار، وأن الشخص الذي يتعمد الكذب سيكتب عند ربه ككاذب. هذا هو نص الحديث المروي عن البخاري.
وكما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها (لم يكن هناك خلق أكره إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الكذب، وكان الرجل يكذب أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذا يظل يشعر بالذنب حتى يدرك أنه ارتكب توبة) ورد هذا في “المسند” لأحمد
يتعرف الكذب الأبيض بأنه الكذب الذي يستخدمه الناس لإصلاح العلاقات بينهم، ولتأليف قلوبهم، ورأب الخلاف بينهم. وتعرضت الأدلة الشرعية لهذا النوع من الكذب للدليل الشرعي، ومن هذه الأدلة حديث أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها، حيث سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيرا وينمي خيرا)، ورواه مسلم. ويتضح من هذا الحديث أن الشخص الذي يكذب من أجل إصلاح العلاقات بين الناس وتحسينها، فإنه لا يعتبر كذابا.
كما أن قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه (إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ) رواه البخاري ومسلم، يوضح حقيقة قبول الكذب في حالة الحرب.
يتضح من ما سبق أن الإسلام لا يعتبر الكذب بين الأشياء البيضاء والسوداء وإنما يعتبره ذنبا وخطيئة، مع وجود بعض الاستثناءات لحالات محددة وقليلة. ولا يمكن اعتبار التسمية المستخدمة للكذب صحيحة، لأنها لا تتفق مع مفهوم الدين عن الكذب. وهناك حاجة للتنبيه على أن الكذب يؤدي إلى نتائج سيئة، ويمكن تلخيص الأحوال التي يجوز فيها الكذب بعد استعراض الآيات والأحاديث السابقة
- يستخدم الكذب للصلح بين المتخاصمين، ويمكن تطبيق ذلك على الصلح بين الأفراد بشكل عام وبين الزوجين أيضًا.
- الكذب بين الزوجين في التعبير عن المشاعر العاطفية حتى وإن كانت غير صحيحة يجعل الله يتصالح بينهما
- يعتبر الكذب في حرب العدو أو لحماية زملائه من الأسر ضروريًا.
- الكذب الذي لا يسبب ضرراً ويعيد حقًا مسلوبًا.
هل يجوز الكذب عند الضرورة
الكذب محرم، ولا يوجد مبرر له إلا في الحالات التي سبق الإشارة إليها. وروى الإمام مالك أنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما إذا كان المؤمن جبانا، فأجاب: نعم. ثم سئل عما إذا كان المؤمن بخيلا، فأجاب: نعم. ثم سئل عما إذا كان المؤمن كاذبا، فأجاب: لا. وبذلك يتأكد مبدأ عدم جواز الكذب، ولكن هناك ضروريات أحيانا تستدعي الكذب وتدخل الناس في حالة حيرة، خاصة إذا كانت تتعلق بجوانب دينية.
ولا يجوز لك الكذب لتحصيل مصلحة دنيوية، يمكن الوصول لها بغير الكذب، إلا إذا كان هناك سبب ديني يخشى المرء على نفسه وعلى دينه، مثل من يضطر ليكذب حتى لا يقع في منكر، أو كبيرة، أو فاحشة، فيمكن هنا اللجوء إلى ما يسمى بالتورية، أو ما يعتبر من معاريض الكلام بعيداً عن القول الكذب.
وذلك عن طريق قول شيء يعبر عن نفس المعنى، على سبيل المثال، أو الإشارة إليه، أو قول أمر يمكن أن يفهم بمعاني متعددة، وإذا لم يتمكن الشخص من تجنب الفعل السيئ أو عدم القيام بالواجب إلا بالكذب، فإنه يمكنه ذلك بناء على الضرورة. على سبيل المثال، إذا عاش شخص في بلد أجنبي حيث لا يسمح بأداء الصلاة في أوقات العمل، يمكنه أن يقول أنه ذاهب لأمر هام، أو أنه قد يتعرض للأذى إذا لم يسمح له بالانصراف لبضع دقائق. وهذا ليس محرما.
يشير الإمام النووي في هذا الخط إلى أنه إذا كان بإمكان الشخص تحقيق شيء ما دون الكذب فإن الكذب في ذلك الأمر يصبح حراما ما لم يكن الأمر محرما أو فرضا، وإذا كان التحقيق لا يمكن تحقيقه إلا بالكذب، فإن الكذب في هذه الحالة جائز، وإذا كان الأمر المطلوب مباحا، فإن الكذب في هذه الحالة مباح، وإذا كان الأمر المطلوب واجبا، فإن الكذب في هذه الحالة واجب
هل يجوز الكذب لإخفاء سر
الكذب من الأعمال الشريرة والمنكرة، وذكر في الأدب المفرد للبخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنه قائلا: `إن في المعاريض مندوحة عن الكذب` والمقصود به هو الابتعاد عن الكذب وتجنب العمل بأي أمر آخر يقارب الكذب. ولكن قد يكون للإنسان سر لا يجوز كشفه وعليه أن يحتفظ به ويختلف الأمر إذا كان السر يتطلب حفظه وإبقاؤه، أو إذا كان السر لا يجوز الكشف عنه والتعرف عليه.
إذا كان هناك سر لا يجوز كشفه، فيجب الاكتفاء بالتلميح والتعبير عنه بشكل غير مباشر وتحويل انتباه الحاضر إلى موضوع آخر، ولكن إذا كان السر يتضمن كشف ستر أو كشف خطيئة، فيجوز الكذب به في هذه الحالة، وخاصة إذا كان الحافظ على السر يحمل ذنبا، فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من إظهار المعاصي والتحدث عنها والتوبة منها
ويفضل عدم الكذب الصريح، مثل من يسأل عن ذنب زنا ارتكبه، يجب هنا ستر نفسه، فعليه أن يقول لا يقوم بتلك الفاحشة سوى الفجار، هل تراني فاجر، هنا هو أقر بعظمة الذنب ولم يقل أنه وقع فيه، وكذلك لم يقل أنه لم يقع فيه، وستر نفسه، وأوحى للسائل بأنه لا يأتي بفعل مثل ذلك، دون الكذب الصريح.
حكم الكذب خوفاً من المشاكل
في تساؤل للفقهاء حول الكذب لدرء المشاكل، ومنعها، عدة تفصيلات يذكر منها الكذب لمنع المشاكل بين الناس وتأليف قلوبهم، وهو ليس بالكذب المكروه بل هو ما يطلق عليه الناس الكذب الأبيض، أما الكذب لمنع المشاكل عن الشخص نفسه، فلابد من التأكد من عدم وقوع اذى أو ضرر حاصل بهذا الكذب على الغير.
على سبيل المثال، إذا كان الابن يمتلك مالًا خاصًا به من عمله وكبر ولديه زوجة، وقد تغيرت رغباتها واشترت شيئًا بقيمة ألف دولار من ماله الخاص، يمكن أن يخفض ثمن الشيء الذي اشترته قليلًا حتى لا يثير غيرة الأم أو أي مشاكل لأنها لن تؤذي الطرف الآخر في أي شيء.