ادب

الشعر الاندلسي في عصر الموحدين

الحضارة الأندلسية

ظلت الإسلام مشرقة مثل الشمس في الأندلس لما يقرب من ثمانية قرون، ونجح المسلمون خلال تلك الفترة في إقامة حضارة فريدة، حيث تمازجت تأثيرات الشرق والغرب، وتميزت حضارة الأندلس بالإبداع والتجديد في مختلف المجالات. انبثقت الأدب الأندلسي في ظل هذه الحضارة، حيث استلهم جذوره وأصوله من الشرق، واستنشق أجواء الأندلس الرقيقة. وعلى الرغم من الاهتمام المتزايد الذي أبداه الأندلسيون في دراسة الأدب الأندلسي في السنوات الأخيرة، إلا أن هذا الأدب لا يزال حتى اليوم مجالا حيا للعديد من الدراسات والأبحاث. وهناك جوانب كثيرة لم تحظ بالاهتمام الكافي من الباحثين، مما أدى في النهاية إلى سقوط دولة الموحدين .

الشعر الأندلسي في عصر الموحدين

اشتهرت الأندلس بالتلاقي الثقافي وروح الانفتاح، وجذبت العلماء والتجار معها التوابل من الهند والصين والأغاني من العراق وسوريا. ساهمت ترجمة الأعمال الفلسفية اليونانية المهملة في تأسيس الأسس الفكرية لعصر النهضة، وجعلت الأندلس العاصمة الثقافية لأوروبا لأكثر من 300 عام  .

تأسست دولة الموحدين على أساس عقائدي يدعو للتمسك بجوهر الدين الإسلامي والعودة إلى أصوله وتطبيق أحكامه. كانت فكرة الزعيم محمد بن عبد الله بن تومرت (ت 524هـ) قائمة على الإيمان بالمهدي المنتظر، وذلك استنادا إلى حديث الرسول الذي يقول: “لو بقي من الدنيا يوم واحد، لطال الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلا يحمل اسمي واسم أبيه ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا”. بسبب الطابع الديني للدولة، كان كتاب “أعز ما نطلب” هو الأساس الروحي الذي قامت عليه دولة الموحدين. وأصبح هذا الكتاب هو المرجع الديني والدنيوي الأساسي للموحدين، وأكد ابن خلدون هذه الفكرة في مقدمة الكتاب. وقال إن الناس يشير الكلام إلى المهدي المنتظر، وأن معظم الصوفية في زمننا يشيرون إلى ظهور منتظر يجدد الطاعة. وتم وضع أكثر من تعريف للشعر الأندلسي في هذا العصر .

أغراض الشعر الأندلسي في عصر الموحدين

تنوعت أغراض الشعر الأندلسي حيث تضمن المدح والرثاء والغزل والهجاء، ويتميز هذا الشعر بسهولة الألفاظ مما يجعله سهل التفهم والتداول وسريع الحفظ، وبسبب حب الأدباء الأندلسيين للتطوير، ابتكروا غرضا جديدا للشعر الأندلسي وهو المرشحات، وسيتم التعرض لهذا الغرض بشيء من التفصيل في الأسطر القادمة جنبا إلى جنب مع باقي أغراض الشعر الأندلسي

ومن أهم هذه الأغراض :

  • المدح

يعد المدح من أهم وأشهر أغراض الشعر الأندلسي والشعر العربي أيضًا، وتتوافر العديد من قصائد المدح للشعراء الأندلسيين، ويعزى انتشار هذا الغرض إلى رفاهية العيش والازدهار الذي عاشته الأندلس في الفترة الماضية .

  • الرثاء

يعد الرثاء جزءا من الشعر الأندلسي الحديث، وهو ليس مقتصرا على نوع واحد فقط، بل يتنوع بين رثاء الأماكن والأشخاص والوطن، وكان يتم استخدامه للتعبير عن حزن الأشخاص الذين لا يستطيعون العودة إلى وطنهم .

بالتالي، يمكننا أن نلاحظ أن الرثاء في الشعر الأندلسي يتعدد في أهدافه .

  • الغزل

ينتشر الغزل في جميع المجتمعات بسبب الغريزة الإنسانية الطبيعية التي تدفعه إلى التعبير عن إعجابه بشخص آخر ووصف جماله، بالإضافة إلى استخدام الغزل لوصف الحبيب/ة، وكان الشاعر ابن زهير الإشبيلي هو الأشهر في كتابة الغزل .

مثال:

أيها شقيق روحي من جسدي، هل أنت مني أم من غيري؟ ضاعت أفكاري بين الحزن والحزن، وأنا وحدي في حالة ضبابية، لا أستطيع رؤية قلبي المتردد. وهو ليس خصما ولا حاكما، أيها الظبي الذي ضللتني. تركتني وحيدا بلا حماية. زعموا أنني سأراك غدا، وأعتقد أن الموت قادما دون غد. أين أنت اليوم؟ ما زعموه عني؟

  • الهجاء

لم ينتشر الهجاء بشكل واسع بين شعراء الأندلس، وكان مقتصرا على الذين يدفعون المال مقابل هجاء شخص آخر، وذلك ضمن اتجاهات الشعر الأندلسي .

  • الموشحات الدينية

تعد الموشحات فنا من فنون الشعر الأندلسي الذي انفرد به الأدباء الأندلسيون، وحققت الموشحات الدينية رواجا عاليا. وانتشرت الموشحات خلال فترة حكم الأمير عبدالله بن محمد، وكان لمفهوم الموشحات تفاوت عن باقي فروع الأدب الأندلسي .

الموشح هو شكل من أشكال الشعر العربي، ويرتبط حصرا بالوقت الأندلسي أو الإسباني الإسلامي، ولكن ليس هناك اتفاق بين العلماء حول أصله. ويعود الموشح الوحيد المسجل إلى الأندلس وحدها، ومع ذلك فإن العلاقة بين الموشح والقصيدة العربية الكلاسيكية ضرورية، ويعتمد شكل الموشح الجديد بشكل بصري ومتري على تكسير البنية التقليدية للقصيدة، ويتميز بأن خط القصيدة ينقسم إلى جزئين من نفس النمط المتري، ويتم تكرار نفس القافية في نهاية كل سطر. ويستخدم الموشح العدادات العربية لتوجيه القصيدة موسيقيا، ويمكن لشاعر الموشح أن يأخذ النمط القياسي الأساسي في القصيدة ويعيد ترتيبها بالطريقة التي يراها مناسبة، كما يمكن له اختيار نمط القافية باستخدام العديد من القوافي بدلا من القافية الواحدة في القصيدة العربية الكلاسيكية. وتعد الموشحات إحدى مظاهر التجديد في الشعر الأندلسي .

مثال:

أنت دوائي وفي يديك شفائي، يا من تشفي جروحي وتعالج بلائي. إن قلبي يحب من لا أستطيع تسميته في تعب، فهو أعظم مما أعاني من تعب! كيف لا يكون حياتي ألذ بوجوده؟ فقد مات صبري ومات عزائي به. أيها الذين يلومونني، ما عليكم سوى أن تعيشوا، وأنا سأموت بدائي

وكما تعددت أغراض الشعر الأندلسي في عهد الموحدين، تعددت أيضا أغراض واتجاهات الشعر الأندلسي في عصر الطوائف.

أسباب تطور الشعر الأندلسي

  • كان الشعر الأندلسي رفيع المستوى إلى حد كبير ومتنوعا في الأشكال والأغراض، ولذلك كانت معظم كلماته جديدة ولم يتقنها العرب .
  • كان الاستقرار يؤثر بشكل كبير على حياة الأشخاص، ويساعدهم على الاستلهام والابتكار، مما جعل هذه الحقبة تتمتع بالجمال والإرث .
  • يُشار أيضًا إلى العصر الذهبي للأندلسيين خلال عصر الرخاء .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى