اثر تيار الزهد في العصر العباسي
معنى الزهد
يحوي معنى الزهد في معجم اللغة العربية عدة تعريفات مختلفة، منها:
- زهِدَ عن الشَّيء و زهِدَ في الشَّيء وزهَد أي أعرض عنه ، وتركه مخافة الحساب أو العقاب ، لاحتقاره أو قلّته أو التَّحرُّج منه ، عن أبي العباس سهل بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ، دلني على عملٍ إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس فقال ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللهُ ، وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّوكَ حديث حسن ، رواه ابن ماجه وغيره بأسانيدَ حسنة ، زَهِدَ في الدنيا: ترك حلالها مخافةَ حسابهِ ، وترك حرامها مَخَافة عقابه.
- الزهد هو عكس الحرص على الدنيا والتمني لها.
- الزهد هو ترك ما حرم الله علينا، والتوبة إلى الله، وإبعاد النفس عن الشهوات.
- في الإسلام، الزهد ليس هو الرهبانية، بل هو العمل والجد بدون إحلال الدنيا في القلب محل النزاع أو الأثر أو التملك، حتى تتحكم في النفس وتحولها عن عبادة الله.
ما هو أثر تيار الزهد في العصر العباسي
كانت الحياة في العصر العباسي تعيش أوقاتا من الازدهار بألوان متعددة من الترف، والانغماس في الدنيا ومتعها، والابتعاد عن الله واللهو، والأفعال المنكرة وانتشار جلسات الخمور والموسيقى، وزيادة التسلية والانغماس في الدنيا ومتعها بدون ضمير ديني ولا حاجز أخلاقي، وفي هذه الظروف الغير مواتية لظهور حركة فكرية معتدلة، ظهر بصيص من النور يقوده الشعر وينسج كلماته بخيوط الزهد، ويدعو للفضيلة ويذكر الناس بالآخرة ويقربهم من الله، وهناك تأثيرات عديدة ومنها
- يذكر أن أهم تأثير لتيار الزهد في العصر العباسي كان في فتح باب للتصوف يدخل منه.
- يعد الأثر الثاني ودور الزهد في العصر العباسي لهذا التيار هو الاستفادة من الاندماج الثقافي بالحضارة الغربية لينتج شعرا ملئ بالإيمانيات والتذكير بالآخرة
- أصبحت آيات القرآن تحمل معانٍ وأثرًا واضحًا في كتابات الشعراء.
- تأثر بعض الشعراء بحالة الزهد وتيارها، مما جعل بعضهم يتوب عن أقوالهم السابقة والعودة إلى الدين.
الحياة الأدبية في العصر العباسي
عرف العصر العباسي بازدهار الحياة الفكرية ، وازدهرت الخطب والأشعار ونبغ الكتاب في التدوين والشعر والنثر والخطب واعتبرت الفترة التي سيطرت فيها الدولة العباسية فترة شباب الفنون الأدبية ، وساعد استقرار الدولة ، واهتمام الخلفاء ، وتبنيهم في حاشيتهم للفن دور كبير في ازدهار الحياة الفنية ، وخاصة الشعر ، وأضافت لمسة الحداثة واثر الفتوحات للشعراء ثراء في اشعارهم وكان لكل ألوان الشعر حظ وفير ، وخاصة أشعار الغزل ولكنه ظهر في هذا العصر تياران واضحان ، لا خلاف على بروزهما ، وهما تيار المجون الذي استدعى في المقابل ظهور تيار الزهد.
الزهد في العصر العباسي
ظهر تيار الزهد في العصر العباسي ، و كأنه ردة فعل بل هو كذلك فعلا كان ردة فعل لانتشار تيار المجون ، وحب الدنيا وترفها مما دفع الشعراء إلى الاهتمام بالمواعظ ، والحكم والتذكير بالدار الآخرة ، و فناء الدنيا حتى بات بوضوح بزوغ أكبر تياران في الشعر واضحان للعيان طرفي نقيض المجون والزهد ، حتى أصبح الزهد تيار ومذهب أدبي واضح في الدولة العباسية ، وقد كانتت فترة القرن الرابع هجري هي عصر احتضان هذا اللون في الدولة الإسلامية.
خصائص شعر الزهد في العصر العباسي
يتميز شعر الزهد بعدة ملامح وصفات، منها وضوح الفكرة ومناقشة القضايا العامة والإصدارات الحكمية والمواعظ، وذلك بالتفصيل كما يلي:
- يتميز شعر الزهد بطابع الوعظ والإرشاد، ويتم تقديمه عادة في شكل أبيات شعرية، ومن أمثلة الشعراء المعروفين بذلك البهلول في عهد الخليفة الرشيد
“حسبُك ما تبتغيه القُوت ما أكثر القُوت لِمن يموت
الفقر فيما جاوز الكِفافا من اتّقى الله رَجا وخافا
إنّ الشبابَ حجّةُ التصابي روائحُ الجنّةِ في الشباب
يوسّع الضيقَ الرضا بالضيق وإنما الرّشد من التوفيق
إنّ الشبابَ والفراغَ والجِدَهْم للعقلِ أيّ مفسدَهْ
ما انتفعَ المرءُ بمثل عقلهِ وخيرُ ذخر المرءِ حسن فعلهِ”
- التأثر الواضح بآيات القرآن الكريم ومن ذلك:
“يا عجباً كُلُّنا يَحيد عن الحنين وكلٌّ لحنينه لاقي
كأنّ حيّاً قد قام نادِبُه والسّاق منها بالسّاق”
- التركيز على الموت والآخرة هو ممارسة دينية، ومن ذلك قول أبو العتاهية
“أَنْســاكَ مَحْياكَ المماتا فَطَلَبْتَ في الدُّنيا الثَّباتا
وَثِقْـتَ بالدُّنيا وأَنْــتَ تَرى جَماعَتَها شَتاتَا
هَـلْ فِيهما لكَ عِبْـرةٌ أَمْ خِلْتَ أنَّ لكَ انْفِلاتا
يا من رأى أبَوَيهِ فيـما قَد رأى كانا فماتا”
- وصلت الأبياتُ في بعضِ القصائدِ إلى أربعةِ آلافِ بيتٍ .
- سهولة المفردات بما يحاكي النثر والخطب مثال لذلك بساطة هذه الكلمات لأبو العتاهيةالحمد و النعمة لك ، والملك لك لا شريك لك لبيك إنك الملك.
- الاهتمام ببنية القصيدة، حتى آخرها.
- يتضمن استخدام الأوزان الشعرية وأنماط شعر متنوعة
- استخدام الصور الفنية البسيطة.
- المباشرة في التعبير
تعريف الزهد في عصر الضعف
في عصر الضعف، توجه الشعراء نحو الزهد بمواجهة التيار المعاكس، حيث حاولوا من خلال شعرهم تحقيق الإصلاح في المجتمع، وألقوا الشعر في حب النبي صلى الله عليه وسلم وركزوا بشكل كبير على سيرته، حتى جعلوها محور قصائدهم، سواء كانت قصيرة أو طويلة، وكانت فكرة الزهد الأدبي في عصر الضعف منهج حياتي للانفصال عن الدنيا وتركها بزينتها (7573)
الزهد عند أبي العتاهية
هو إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني، العنزي (من قبيلة عنزة) بالولاء، ويعرف أيضا باسم أبي العتاهية. عاش في الفترة بين (130هـ-211هـ / 747م-826م)، ويعتبر أبو العتاهية من أهم شعراء الزهد. يقال إنه في شبابه مر ببعض الأزمات، بما في ذلك الشك في دينه وحب ضائع لم يتمكن من تحقيقه، بالإضافة إلى حياته الفقيرة القاسية التي نشأ فيها. كانت حياته معزولة ومليئة بالكآبة، واشتهر بلين القلب والتسامح. أما مواضيع زهده في أشعاره، فكانت
- ذكر الموت وأنها مآل بني آدم
لَعَمرُكَ ما الدُنيا بِدارِ بَقاءِ…… كَفاكَ بِدارِ المَوتِ دارَ فَناءِ
فَلا تَعشَقِ الدُنيا أُخَيَّ فَإِنَّما…… تَرى عاشِقَ الدُنيا بِجُهدِ بَلاءِ
حَلاوَتُها مَمزوجَةٌ بِمَرارَةٍ…… وَراحَتُها مَمزوجَةٌ بِعَناءِ
فَلا تَمشِ يَوماً في ثِيابِ مَخيلَةٍ…. فَإِنَّكَ مِن طينٍ خُلِقتَ وَماءِ
لَقَلَّ امرُؤٌ تَلقاهُ لِلَّهِ شاكِراً….. وَقَلَّ امرُؤٌ يَرضى لَهُ بقضاء
- زوال الدنيا وخداعها وفي ذلك قال
نَصَبتِ لَنا دونَ التَفَكُّرِ يا دُنيا …..أَمانِيَّ يَفنى العُمرُ مِن قَبلِ أَن تَفنى
لِكُلِّ امرِئٍ فيما قَضى اللَهُ خُطَّة…. مِنَ الأَمرِ فيها يَستَوي العَبدُ وَالمَولى
وَإِنَّ امرَأً يَسعى لِغَيرِ نِهايَةٍ…. لَمُنغَمِسٌ في لُجَّةِ الفاقَةِ الكُبرى
بكيْتُ على الشّبابِ بدمعِ عيــني…..فلـم يُغـنِ البُكــاءُ ولا النّحـيبُ
فَيا أسَفاً أسِــفْتُ علــى شَبــابٍ…. نَعاهُ الشّيبُ والرّأسُ الخَضِيبُ
عريتُ منَ الشّبابِ وكنتُ غضاً….. كمَا يَعرَى منَ الوَرَقِ القَضيب
فيَا لَــيتَ الشّبــابَ يَعُودُ يَوْماً…. فـأُخــبرَهُ بمـا فَعَـلَ المَـشيــبُ