دور الزهد في العصر العباسي
كان العصر العباسي مرحلة من الازدهار والنمو في مختلف المجالات، وهذا ما أجبر بعض التيارات الفكرية على الانتشار في الحياة بشكل عام، ودخلت بعض الظواهر في الحياة الأدبية. حيث ظهرت بعض المعطيات التي أحدثت تقدما نوعيا في الأدب والشعر. ومن أهم ما يميز هذا العصر هو انتشار الزهد كتيار مضاد لحياة الرفاهية والترف ، وكانت تلك الحالة مطبوعة على الأدب والشعر بشكل خاص، وقد تميز شعر الزهد بشكل خاص في ذلك العصر.
تعريف الزهد
في اللغة، كلمة الزهد تعبر عن عدم الرغبة؛ حيث يقال إن الشيء زهد فيه عندما لا يرغب فيه. ويعرف الزهد اصطلاحا بأنه حنين الروح إلى مصدرها الأول، وهو معرفة الخالق عز وجل، من خلال الزهد في الحياة الدنيا وما تحتويه من متاع ونعيم. يفضل الزاهد نعيم الآخرة على نعيم الدنيا الفانية. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في وصفه: `الزهد هو ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع هو ترك ما تخاف ضرره في الآخرة.
دور الزهد في الأدب العباسي
كان العصر العباسي عصرًا مميزًا بارتقاء الأدب والشعر ، ولقد ظهر الزهد واشتهر في ذلك العصر من خلال الشعراء الذين قاموا بتوضيح هذه الحالة في أشعارهم المختلفة ، وقد جاء هذا الاتجاه من أجل الرد على تيار اللهو والمجون الذي انتشر آنذاك ؛ حيث ظهرت مجالس الغناء وشرب الخمر بكثرة ، مما جعل الشعراء يحاولون التصدي لهذه الحالة المتدنية من الأخلاق وعدم التقوى ؛ حيث قام الشعراء بالدعوة إلى التوبة والعودة إلى الله تعالى من خلال قصائدهم ، وكان أبو العتاهية أحد أبرز هؤلاء الشعراء ، ومن أبياته الشعرية في الزهد :
ألا إنّما التّقوَى هيَ العِزّ وَالكَرَمْ
وحبكَ للدنيَا هو الذلُّ والعدمْ
وليسَ على عبدٍ تقيٍّ نقيصة ٌ
إذا أصلحت التقوى وحكمت الحجم.
أكد الشعراء في العصر العباسي معنى الزهد عن طريق تذكير الآخرين بأن العمر يمضي بسرعة وأن الدنيا فانية، بهدف أن يكون لهم دور وهدف إيجابي في الحياة من خلال مساعدة الآخرين على الابتعاد عن المحرمات. وفي هذا الصدد قال ابن عبد ربه الأندلسي:
إن الدنيا لا تزال مجرد غبار؛ عندما ينبت فيها جانب أخضر، يجف الجانب الآخر
الدراما هي الأمل الوحيد في الجوع ولا يوجد متعة إلا في المصائب
لا ترتدي مكياجا على عينيك بحزن… فإنك ستغادر منها.
وكان لوصف الزهد دور بارز في محاولة إقصاء الآخرين عن طريق الهلاك الذي لن ينفعهم بعد الموت ؛ حيث عمل شعر الزهد على وضع الموت أمام الجميع في كل لحظة كحقيقة بارزة لا جدال فيها ، والتي يغفل عنها البعض نتيجة لحالة اللهو والمجون ، ومن هنا انتهج الشعراء مبدأ وضع الحقائق أمام الأعين لعلها تكون سببًا في إعادة الغافلين ، وقد قال أحمد الفراهيدي قي ذلك :
كن كما تريد فقدرك الموت … لا تفر منه ولا تتجنبه
عندما يغني البيت ويكون بهجة، يزول الغنى ويتقوض البيت.
قام شعراء الزهد بذلك أيضًا بتذكير الآخرين بما سيحدث بعد الموت، حيث العقاب والثواب، وذلك لتأكيد الحقيقة بعد الموت وعدم إنكارها، حتى ينتبه الآخرون إلى هذه الحقيقة ويعودوا إلىطريق النور والإيمان. وفي هذا الصدد، قال عدي بن زيد:
أين هم أهل الديار من قوم نوح ، ثم عاد وثمود بعدها
وفي حين كانوا على السرير وفي أنماطهم، انتهت الأمور بالتراب والدموع
صحيح، المريض الذي يعود مساءً يعود أكثر عرضة للموت
ثم لم يتحدث أحد ولكن بعد كل هذا جاء ذاك الوعيد.
لقد لعب الزهد دورًا بارزًا في الشعر العباسي كدعوة إيمانية صريحة؛ حيث اتضح ذلك بوضوح في قصائد شعراء الزهد الذين دعوا للتوبة والعودة إلى الله لتجنب العقاب الذي ينتظرهم بعد الموت الذي يغفلون عنه.