آراء الفقهاء في حكم من مات من أطفال المشركين
تختلف آراء العلماء بشأن حكم من مات من أطفال وذرية المشركين والكفار. هل يكونون في الجنة لأنهم أطفال لا يعقلون شيئا، أم يكونون في النار لأنهم يتبعون ملة آبائهم؟ وفيما يلي سوف نستعرض ما قاله الإمام أبو الفداء إسماعيل بن كثير حول الأحاديث التي توضح حكم من مات من ذرية الكفار.
الأحاديث التي وردت في حكم من مات من أطفال المشركين:
يقول ابن كثير في مؤلفته الخالدة تفسير القرآن العظيم: قد اختلف الأئمة رحمهم اللّه تعالى في هذه المسألة قديماً وحديثاً، وهي الولدان الذين ماتوا وهم صغار وآباؤهم كفار ماذا حكمهم! وكذا المجنون والأصم والشيخ الخرف، ومن مات في الفترة ولم تبلغه دعوته، وقد ورد في شأنهم أحاديث أنا أذكرها لك بعون اللّه وتوفيقه، ثم نذكر فصلاً ملخصاً من كلام الأئمة في ذلك واللّه المستعان.
الحديث الأول: رواه الإمام أحمد عن الأسود بن سريع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يوم القيامة سيتحجج أربعة أشخاص، رجل أصم لا يسمع شيئا، ورجل أحمق، ورجل كهل، ورجل مات وهو صغير السن. فالأصم سيقول: يا رب، لقد جاء الإسلام ولم أسمع شيئا منه. والأحمق سيقول: يا رب، لقد جاء الإسلام والأطفال يستهزئون بي. والكهل سيقول: لقد جاء الإسلام ولم أفهم شيئا منه. والذي مات وهو صغير السن سيقول: يا رب، لم يأتني رسولك. فيأخذ الله عهودهم ليطيعوه، ثم يرسل لهم أن يدخلوا النار، فوالذي نفس محمد بيده، لو دخلوها لكانت باردة وسلاما
الحديث الثاني: قال الصحابي البراء بن عازب رضي الله عنه: سئل رسول الله صل الله عليه وسلم عن أطفال المسلمين، فقال: «هم مع آبائهم»، وسئل عن أولاد المشركين فقال: «هم مع آبائهم»، وعندما سئل عن ماذا يفعلون قال: الله أعلم بهم.” [أخرجه الحافظ أبو يعلى الموصلي].
الحديث الثالث: قال ثوبان: إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أهمية كبيرة لهذه المسألة. قال: “عندما يأتي يوم القيامة، سيأتي أهل الجاهلية حاملين أوزارهم على ظهورهم، فيسألهم ربهم. فيقولون: `ربنا لم ترسل إلينا رسولا، ولم يأتنا أمر منك. ولو أرسلت رسولا لكنا طائعين لعبادتك`. فيقول لهم ربهم: `أتخيلون إذا أمرتكم بأمر وأنتم تطيعوني؟` فيقولون: `نعم`. فيأمرهم أن يذهبوا إلى النار ويدخلوها. فيبتعدون عنها وتكون لها حرارة وصوت. فيعودون إلى ربهم ويقولون: `ربنا أخرجنا منها أو دلنا على سبيل النجاة`. فيقول لهم: `ألم تزعموا أنه إذا أمرتكم بأمر تطيعوني؟` فيأخذ مواثيقهم ويقول: `اذهبوا إليها وادخلوها`. فيذهبون إليها وعندما يرونها يعودون ويقولون: `ربنا ابعثنا منها ولا نستطيع أن ندخلها`. فيقول: `ادخلوها وأنتم خائفون`. ثم قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: `لو دخلوها في المرة الأولى، كانت عليهم برودة وسلاما`.
الحديث الرابع: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: “كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟” وفي رواية أخرى قالوا: “يا رسول الله، فما بال من يموت وهو صغير؟” فقال: “الله أعلم بما كانوا يعملون”. وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: “ذراري المسلمين في الجنة يكفلهم إبراهيم عليه السلام“. وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الله عز وجل أنه قال: “إني خلقت عبادي حنفاء
الحديث الخامس: عن سمرة رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “كل مولود يولد على الفطرة”. وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أطفال المشركين، فأجاب “هم خدم أهل الجنة”، وذلك حسب راويي الحديث الإسلامي الحافظ البرقاني والطبراني
الحديث السادس: حدثتني خنساء بنت معاوية من بني صريم أن عمها قال لها: `يا رسول الله، من هم الموجودون في الجنة؟` فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم: `النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والمرضع في الجنة.
آراء العلماء في تلك المسألة كما ذكرها ابن كثير:
يقول ابن كثير من العلماء الذين ذهبوا إلى الوقوف في هذا الحديث: “النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والوئيد في الجنة” [أخرجه الإمام أحمد]. ومنهم من جزم بالجنة لحديث سمرة بن جندب في صحيح البخاري، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الحديث: “رأيت في المنام شيخا يجلس تحت شجرة، وحوله ولدان، فقال لي جبريل: هذا إبراهيم عليه السلام، وهؤلاء أولاد المسلمين وأولاد المشركين، فقالوا: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ فأجاب: “نعم، وأولاد المشركين.
ومنهم من جزم لهم بالنار، لقوله عليه السلام: «هم مع آبائهم» ومنهم من ذهب إلى أنهم يمتحنون يوم القيامة في العرصات، فمن أطاع دخل الجنة وانكشف علم اللّه فيهم بسابق السعادة، ومن عصى دخل النار داخراً وانكشف علم اللّه فيه بسابق الشقاوة. وهذا القول يجمع بين الأدلة كلها، وقد صرحت به الأحاديث المتقدمة المتعاضدة الشاهد بعضها لبعض.
وهذا القول الذي حكاه الشيخ أبو الحسن الأشعري عن أهل السنّة والجماعة، وهو الذي نصره الحافظ أبو بكر البيهقي في “كتاب الاعتقاد” وكذلك غيره من محققي العلماء والحفاظ والنقاد. وقد ذكر الشيخ ابن عبد البر أن أحاديث هذا الباب ليست قوية ولا تقوم بها حجة، وأهل العلم ينكرونها لأن الآخرة دار جزاء وليست بدار عمل ولا ابتلاء فكيف يكلفون دخول النار، وليس ذلك في وسع المخلوقين، واللّه لا يكلف نفساً إلا وسعها.
والجواب عما قال: تتضمن أحاديث هذا الفصل أحاديث صحيحة وحسنة وضعيفة، ويتم تقوية الحجة بالأحاديث الصحيحة والحسنة، وإذا كانت أحاديث فصل واحد متصلة ومتعاضدة في هذا النمط، فإنها تعتبر حجة قوية عند دراستها.
وأما قوله: إن الدار الآخرة هي دار الجزاء بلا شك، ولا يتعارض ذلك مع التكليف في محطاتها قبل دخول الجنة أو النار، كما أفاد الشيخ أبو الحسن الأشعري في مذهب أهل السنة والجماعة بشأن امتحان الأطفال. وقد قال الله تعالى: {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود} [القلم: 42]. وقد ثبت في الصحاح وغيرها أن المؤمنين يسجدون لله في يوم القيامة، وأن المنافق لا يستطيع ذلك، بل ينكسر ظهره مثل الصفيحة الواحدة، حيث يتعثر في كل مرة يحاول فيها السجود. وفي الصحيحين، فيما يتعلق بالشخص الذي يكون آخر من أهل النار يخرج منها، أن الله يأخذ عهوده ومواثيقه بألا يسأل عن أكثر مما هو فيه، ويتكرر ذلك عدة مرات، ويقول الله تعالى: `يا ابن آدم، ما أغدرك!`. ثم يسمح له بدخول الجنة.
وأما قوله: كيف يكون من قدرة الله على أن يعاقبهم بدخول النار وهم غير قادرين على ذلك؟.” هذا ليس سببا لعدم صحة هذا الحديث، ففي يوم القيامة يأمر الله عباده بالعبور على الصراط، وهو جسر ممتد فوق جهنم، أضيق من السيف وأدق من الشعرة، والمؤمنون يعبرونه بسرعة حسب أعمالهم، كالبرق والريح وكأسراب الخيل وقوافل الركاب، بعضهم يجتازه بسرعة وبعضهم يسير ببطء، ومنهم من يعبره بسهولة ومنهم من يتعثر ويسقط في النار. وما ورد في هذا الحديث ليس أعظم من ذلك بل هو أقل وأدق.
الملخص في أقوال العلماء:
يقول ابن كثير: يجب أن يعلم أن هذا الخلاف ينطبق فقط على أطفال المشركين، فأما أولاد المؤمنين فلا خلاف بين العلماء أنهم من أهل الجنة، وهذا ما يشهد به الناس وهو الذي نؤكد عليه بإذن الله تعالى، حيث اختلف الناس فيما يتعلق بأطفال المشركين
– القول الأول: سمعوا في الجنة، وروى سمرة بن جندب أن النبي عليه السلام رأى مع إبراهيم عليه السلام أولاد المسلمين وأولاد المشركين.
– القول الثاني: وفقا لما روي عن عبد الله بن أبي قيس، فإن ذراري الكفار سيكونون مع آبائهم في النار. وقد استدل على ذلك بحديث عائشة التي سئلت عنهم، فأجابت: `قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: `هم تبع لآبائهم`. فسألت: `بلا أعمال؟` فأجاب: `الله أعلم بما كانوا يعملون`.
– القول الثالث: توقفوا عند هؤلاء واعتمدوا على قول النبي صلى الله عليه وسلم: `الله أعلم بما كانوا يعملون` وهذا مذكور في الصحيحين، وهناك من جعلهم من أهل الأعراف. ويعود هذا القول إلى من يعتقد أنهم أهل الجنة، لأن الأعراف ليست دارا دائمة الإقامة والمكان النهائي لأهلها هو الجنة، والله أعلم.