كتاب ” العلاج بالكتابة” للشاعرة منال العويبيل
الشاعرة الموهوبة ”منال العويبيل” التي تتميز دائما بحضورها الفني والأدبي، حيث تتفوق في كل ميدان تخوضه بسبب حبها المستمر لعملها ومكانتها وكل من حولها. إنها تسعى دائما لأن تكون مبتكرة في فنها، حيث تضيف له لونا وأسلوبا جديدا لم يسبق له مثيل. تعلمت أن أسلوبها هو التحدي والقلق في نفس الوقت، لإنتاج أعمال متميزة. هي دائما مليئة بالتطلعات، وتتجلى هذه الروح في كل عمل تقوم به، سواء في كتابة السيناريو والحوار، أو في مجال الدراما والشعر والنثر. لاحظ الناس حديثا بعد إصدارها الأخير بعنوان “العلاج بالكتابة” في معرض الرياض الدولي للكتاب
كتاب العلاج بالكتابة لمنال العويبيل
أصدرت الكاتبة منال العويبيل كتابها الأخير في معرض الرياض الدولي للكتاب 2017 بعنوان `العلاج بالكتابة: الحياة كمصح جماعي` من دار آثر. يتضمن الكتاب مجموعة من القصائد التي تحمل عناوين متنوعة مثل `لا قدمان في الهرب`، `بورتريه فزاعة المرآة`، `الحنين على تردد 91 FM`، `الصبر كفكرة نبوية بحتة`. يحتوي الكتاب على 168 صفحة، ويفتتح بجملة `أكتب لأنني أنجو` لتجيب على العديد من الأسئلة حول كتابها الجديد.
وقد استطاعت ” منال العويبيل ” أن تعتمد على المشاهد العالقة في ذاكرتها حتى تتمكن من أن تخرج بفكرة أو جملة تبهر من يقرأها، وما زاد من خبرتها أنها قد كتبت النص الصحفي وهو ما جعلها تقوم بكتابة النصوص الأدبية ، لذلك تفردت بموهبتها التي قد اتخذت أشكال عديدة ولكنها اجتمعت على الإبداع.
نماذج من كتاب ” العلاج بالكتابة”
تدور أغلب القصائد في كتاب ” العلاج بالكتابة” حول التجريب في قصيدة النثر من حيث المفردة والمعنى وبتكثيف ركز على المشاهد البصرية التي فرض حضوره من تجربة المؤلفة مع كتابة السيناريو، وهناك الكثير من النماذج الشاهدة على نجاح الشاعرة منال العويبيل في الوصول إلى ما تريده ومنها:
1- خلفية كروما
أنساك،
ثم تظهر في النصف الدافئ من الوسادة
تُهذب قطنها وتقص له عن حج الفراشات
كي أنام
أنساك، فتظهر في حنان الشاي
مشرَّباً بحمرةٍ تدير قطفة النعناع كالدراويش
أنساك، ككذبة
تأخذ سوادها من بطن الكحل
وشامة الخصر
وليل الهالات
أنساك لأعيش..
وتتذكرني لأفزع
مات صاحب العصفورة المنزلية في القفص منذ آذار
وما انتبه له الرب
أنساك؛ هي كذبتي البيضاء
تلك التي لا تحتاج إلى أيمان
أن تزور مدننا الجديدة وتشعر بها كأنك في الماضي
هو أحيانا كل عشم السفر
تستخدم حيل الحاوي المؤقتة للوصول إلى المدينة الغريبة
على سبيل المثال؛ سأتوقف عن التواصل مع العمل
وسأواظب على أجندة البرنامج السياحي
وأنني سعيدة على سبيل التغيير
تظهر الغريبة وهي تُسند إلى جدار المقهى في خلفية صورة السائح
وسيذهب المشاهد الرائع الذي يحمله في ذاكرة هاتفه معه في رحلته
بينما أتجمد في كروما الأبد
فأخرج أصلاً وصورة
غريبةً تبحث عنكَ
في مدينةٍ غريبة
تهيئ معابر الليل الوجوه لفكرة الإياب؛
رجوع حبيبن إلى السرير..
عودة الحارس إلى المناوبة المتأخرة..
أوبة الكاتب إلى موعد التسليم..
تفهّم الساقي في البار الرخيص
لبقايا رائحة القيء والعرق
وخيبة مغلف الواقي
تحت كعب الصبايا في ممر الخروج..
أما أنا، فقد عادت قدماي في اتجاه معاكس للقلب
امسح قبلة المانيكان الوحيد في محل الناصية المغلق عن شفتي
وأترك دليلها على زجاج الواجهة
قبل أن أعود إليَّ
حيث أجد السؤال على سطر الصوفا:
“وبعدين؟”
أتسلل من غرفتي مبكرة في الصباح
كي أتركك فكرةً تغفو في حلم أمسي
حتى أجدك كأغنية في محطة الباص المجاورة
نتجه إلى مسارين متضادين من الحياة
بما يلوي ذراعيّ المدينة على قلبها
عندما تدخل المكان، ابتسم بابتسامة لا يستطيع النادل التفريق بين صدقها وكذبها
ربما لأني لا أدري كذلك
تشبه أوجه الأشخاص بهجة الفقاعات الشاردة التي تنبعث من لعبة طفل في طرف الحي
قبل أن يفقأني لوث المدينة
في طرف الفكرة الآتية؛
أنت
2- دودة أذن
أدخل إلى قائمة أغنيات هاتفي
كعبورِ حقلِ ألغام
تمر بسرعة على العناوين كدرع للأذن الغافلة
عندما تتقاطع كل الأغاني الحزينة مع ألم القلب
لأبدو كحاضرةٍ وحيدةٍ
في صفٍّ أمامي لأداء سولو
يظهر “صورته” في غيمة فوق رأسي
دون أن تملك ظرافة الكاركتير
حين كان هذا الغناء الحزين
خلفيةً موسيقيةً
لقصَّتنا السعيدة
كل ذلك يحصل لأننا صدَّقنا الكلمات
وأهملنا فخّ اللحن
نحن الآن ننتظر تسليم مناوبة الأغنية الحالية
يتعلق ذلك بالخيار العشوائي المتبع في التطبيق الموسيقي
بحذرِ مفككِّ القنابل
إلى أن ينجينا تعثر اتصال الانترنت
هي ذات الأغاني التي استمعنا إليها
بسماعةٍ واحدةٍ بين رأسين
من نفس موقع التحميل الذي نعتقد أنه بعنوانه على الأصدقاء
وذات النسخة بتشويش طفيف في الخلفية
لتسجيل ستوديو سيء
المؤشر يشير إلى الثانية والثمانين من عمر المغني
تجاوزاً للموال
ووصولاً اليوم إلى قصتنا
التي صارت تتقاطع مع الكوبليه الخطأ
بعد استراحة الأذان خلف شبّاك الحجرة
يدور الغرامافون داخلها
بأثرٍ رجعيٍّ لغبارِ انتيكٍ مصطنع
لاسطوانةِ فينيلٍ حديثة
تمتلك قائمة الأغاني الصريحة عادةً غلافًا
لا تسمح بعنف مفاجآت القلب
ذلك الذي يخاف من الحروب والأوبئة والموت وأغاني الحب
بذات القدر
يتمسك الوحيدون حديثاً بأغنيات الفقد
كما لو كانت قصتهم الأصيلة
في الوقت الذي يتقدم فيه الشاعر والملحن والمغني والموزع الموسيقي والمنتج ومخرج الفيديو كليب والجمهور إلى المرحلة التالية من الحياة
فيما يسمعها الرجل والمرأة الوحيدة بشكل فردي على ضفتين من المدينة
بخيار الإعادة الآلية للأغنية والفقد
بالإضافة إلى الأغنية التي تلعب في رأسي كدودة أذن
تتداخل موسيقاها مع صوت الخطيب على الميكروفون في خطبة الجمعة
عنف طقوس الحب لقطط الشارع
الشتائم في رسائل غير معروفة وغير مفهومة ليست من صوتي
فحيح فرامل شاحنة القمامة
الرسائل الصوتية المسجلة في انتظار الهاتف المصرفي
والنغمة المخصصة لرقمه؛ يانصيب القلب
يحدث كل ذلك
جنباً إلى جنب
كموسيقى تصويرية عابرة لحياة كانت تأمل فيها بسكينة
بما يعادل غفوة رأسي المثقل بأحزان الأغاني على كتفي
في طريق طويل
3- بروجيريا
يبدأ الليل عندما يصبح الصمت كالكسوف على الوقت
تتمثل اللام الشمسية في النهار بأنها مكتوفة الضوء، وتمتد كرغوة حلاقة على ساق المدينة لاستقبال زبون سيتم انتظاره على السرير
بينما لا يقام الصلاة لأجل حزن الفتيات المصابات بالشياخة بدءا من القلب
في بث الفرح التجريبي لا توجد وعود بالدوام
النجاة ليست هاجس الجسر نفسه، عندما يقف الشخص الوحيد على الجسر مستعدًا للقفز
فالمارّون فوقه كالماضين إلى أسفله
كلهم عابرون
نقوم بطي العمر في تنانيرنا الواسعة التي نربطها على خصر الطريق،
نعبر إلى الجانب الآخر من رصيف المشاة للوصول إلى الحب
دون أن توقفنا الإشارة
فلطالما كانت الفراسة سِرُّ بني مُرَّة
كان الحب دائمًا تحديًا يتجدد مرة بعد مرة
لقد بدأ الليل حين انتهى الكلام
لا يمتلك الغروب أي سيطرة على عتمة المدينة الصاخبة، التي تبقي الحمام يستيقظ في أعشاشه على نوافذ صاخبة بضوء شاشات التلفزيون وحلقات النميمة وجنس نهاية الأسبوع
وصل الليل بكل شدته إلى الفتاة مستخدماً الشتائم بلغتين ليعبر القارات
وسباباتٍ تشير إلى صدرها كفوهاتِ البنادق
لا يوجد أي رد فعل يكفي لمواجهة الحياة التي استبدلت مجاز رأس الغائب على الوسادة المجاورة بعلبة المهدئ على السرير، الذي يتألف من شريط كبسولاته شرائح القصدير المفتوحة التي تشبه عيونًا ساهرة باسم الكيمياء
وكألسنةٍ ساخرةٍ باسم الخطايا
ويد البنت تمسك ورقة الإرشادات كالتميمة
تخرج الحياة الآن كل يوم من الفتاة كالولادة
تحلم كل ليلة بتبادل الأدوار معها
تلك كانت شهادة الأبجورة على آذارها
حيث الليل قوّاد
وحزنها مُشْتَهَى
4- الحنين على تردد 91 FM
استمع إلى إذاعةٍ أجنبية واضحك للطرف الآخر من الخريطة، لا بأس بصباحٍ يبدأ لديهم حيث ينتهي يومك، أو من نصيحةِ المذيع حول الطقس لأناسٍ ليس لهم نفس السحنة، أو قيمة الإيجار، أو المشاكل العاطفية لحبيبةٍ لم تجد مكاناً آمناً لتقابلها. استمع لإذاعة على موجة اف ام، وبما يعلو الرقم 90 تحديداً، والنصيحة الأخيرة ليست لسببٍ معين إلا أنَّ ما يزيد على التسعين جيد في كثير من التفاصيل: نسبة دخول الجامعة، العمر الطويل، أممم هذا ما يخطر على بالي الآن.
حين تتالى الأغنيات سيكون الوضع آمناً، لن يضطر خيالك لكثير من العمل المتعلق برسم سيناريو محدد، ستكون الإضاءة الخافتة كفيلة بتجميل الغرفة غاضاً الطرف عن سلة الغسيل الفائضة، ورائحة الجوارب الملحّة للغسل أو الرمي مع كومة المناديل على طريقة: “لم انتبه”. كما أنَّ عصير العنب الذي تشتريه من رفّ البيرة في الدانوب أو بنده مناسباً جداً لمجاز النبيذ، لكن أنقذ نفسك حين تبدأ معزوفة فالس، فاختلاق حبيبةٍ على هيئة وسادة ليست حلاً مناسباً مهما طالت أو لانت، خاصةً حين تنتهي الرقصة، وتعيد ترتيبها بما يتناسب مع تدويرة رأسك للنوم بعد قليل.
استمع إلى إذاعة أجنبية بلغة لا تجيدها، ويفضل أن تكون معانيها غير معروفة بالنسبة لك، على سبيل المثال الروك الروسي، أو الجاز الألماني، والفولك الفنلندي مقبول أيضا، وتجنب تعلم لغات العاطفة، وإذا لم تفهمها، فإنك ستفهم ما أعنيه من خلال قبلات “الغاء” الفرنسية، أو تمديد الياء الإيطالية في نهايات الجمل، وتأثير “الخاء” اللاتينية، وهذا ينطبق بشكل خاص إذا كنت ذو طبع قصير الأنفس، أو إذا كنت تسابق الحنين للدخول من الأبواب المغلقة.
عندما تستمع إلى إذاعة أجنبية وتكون في حضور أصدقاء جيدين أو أشخاص مجاورين لك في غرفة أو اثنتين، قد لا تدرك أين ستنتهي ليلتك عندما يعزف لحن أغنية كنت تحاول نسيانها لفترة طويلة، وفجأة تكتشف أن هذا اللحن هو نسخة مسروقة من أغنية حب سابقة بنفس لغتك. في هذه الإذاعة الأجنبية جدا، التي يمكن أن تشم رائحة سجائر مقدم البرامج وبعض بوله التي يحتفظ بها بعناية في انتظار فاصل إعلاني مباشر، في مدينة لا توجد فيها سفارة تمنح تأشيرة له