فتوى ابن العثيمين في صفة الحكم بغير ما أنزل الله
صفة الحكم بما لم ينزل الله بها هي إحدى المسائل الخطيرة التي يواجهها المسلمون في عصرنا الحديث، حيث يرتبط المسلمون بأنظمة وأحوال غير المسلمين، ويصدرون أحكامهم بدلا من حكم الله ورسوله، والحقيقة أن حكم الله ورسوله ساري حتى يوم القيامة، وأن الله لا يشرع لعباده إلا ما فيه منفعة لهم في الدنيا والآخرة، وقد تطرق فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، إلى هذا الموضوع بشيء من التفصيل، وشرح أحوال العباد في صفة الحكم بما لم ينزل الله بها.
صفة الحكم بغير ما أنزل الله :
يحدثنا فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين في كتابه فقه العبادات عن صفة الحكم بغير ما انزل الله فيقول : الحكم بغير ما انزل الله ينقسم إلى قسمين هما :
– القسم الأول : أن يبطل حكم الله ليحل محله حكم آخر طاغوتي، بحيث يلغي الحكم بالشريعة بين الناس، ويجعل بدله حكم آخر من وضع البشر، كالذين ينحون الأحكام الشرعية في المعاملة بين الناس، ويحلون محلها القوانين الوضعية، فهذا لا شك أنه استبدال بشريعة الله سبحانه وتعالى غيرها، وهو كفر مخرج عن الملة، لأن هذا جعل نفسه بمنزلة الخالق، حيث شرع لعباد الله ما لم يأذن به الله، بل ما خالف حكم الله عز وجل، وجعله هو الحكم الفاصل بين الخلق، وقد سمى الله تعالى ذلك شركًا في قوله تعالى : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى : 21].
– القسم الثاني : الأحكام الإلهية يجب أن تبقى كما هي دون تغيير، ويجب أن تكون السلطة في يد الله، وأن يكون الحكم مرتبطًا به، وإذا جاء حاكم من الحكام يصدر أحكامًا تخالف هذه الأحكام الإلهية ويحكم بغير ما أنزل الله، فهناك ثلاث حالات ممكنة
1. الحالة الأولى: من يحكم بما يتعارض مع شريعة الله، معتقدًا أن ذلك أفضل وأنفع لعباد الله، أو معتقدًا أن حكمه يساوي حكم الله عز وجل، أو يعتقد أنه يجوز له الحكم بغير ما أنزل الله، فهو كافر ويخرج من الملة، لأنه لم يرض بحكم الله عز وجل، ولم يتبعه.
2. الحالة الثانية : يعني أن يحكم شخص ما بشيء غير ما أنزل الله، وهو يعتقد أن حكم الله هو الأفضل والأنفع للناس، ولكنه يخرج عن هذا الاعتقاد ويشعر بأنه يخطئ في عصيانه لله تعالى، ويريد فقط أن يظلم من حكم عليه، لأن بينه وبينه عداء، ولذلك يحكم بشيء غير ما أنزل الله، وليس لأنه يكره حكم الله أو يريد أن يحل محله، أو يعتقد أن حكمه أفضل أو مساو لحكم الله، بل لأنه يريد الإيذاء للمحكوم عليه. في هذه الحالة، لا يصبح كافرا، ولكنه يصبح معتدا وجائرا.
3. الحالة الثالثة : يكون الفسق والانحراف عن طاعة الله عز وجل حينما يحكم بغير ما أنزل الله، على الرغم من أن الشخص يؤمن بأن حكم الله هو الأفضل والأنجع لعباده. وبذلك، يعصي الشخص الله عز وجل لأنه يحكم بما يريده هو أو مصلحته الخاصة، وهذا يعد ارتكابا للفسوق.
الدليل في الكتاب على أحوال العباد في الحكم بغير ما أنزل الله
قال الله تعالى عنهم: `ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون` [المائدة: 44]. هذا هو دليل الحالة الأولى. وقال الله تعالى: `ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون` [المائدة: 45]. هذا هو دليل الحالة الثانية. وقال الله تعالى: `ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون` [المائدة: 47]. وهذا هو دليل الحالة الثالثة.