الإمام أبو حيان الغرناطي صاحب ” البحر المحيط “
الإمام أبو حيان الغرناطي، صاحب “البحر المحيط” [1256م – 1344]، كان من أشهر علماء عصره، واشتهر بلقب الطالب النابغة، نظرا لإقباله على تحصيل العلم وجهده في السعي وراء العلم في أماكن متعددة للاستفادة من علم العلماء، وتعلم النحو والحديث والتفسير واللغة العربية وعلم القراءة، وبعد رحلة طويلة من التنقل استقر في القاهرة وأصبح يدرس النحو الحديث والقراءات، وتمكن خلال حياته الطويلة من تأليف أكثر من ثلاثين مؤلفا، أهمها وأعظمها “البحر المحيط” في تفسير القرآن الكريم.
نبوغ وتفوق في طلب وتحصيل العلم:
هو العلامة أثير الدين محمد ابن يوسف أبو حيان الغرناطي الأندلسي، ولد في غرناطة في عام 1256م، نشأ وترعرع بغرناطة على حب العلم فكان يتلقى دروسه عن طريق حلقات العلم الموجودة بالمساجد، وكيف لا؟ وقد عرفت غرناطة في ذلك الوقت بأنها أحد منارات العلم الحديث، وذلك بعد تقلص رقعة الدولة الإسلامية وانحصارها في الأندلس.
حرص أبو حيان في شبابه على دراسة الفقه والحديث والتفسير والنحو واللغة والقراءات، مما زاد من نبوغه وإقباله على تحصيل العلم، وسافر في جميع أنحاء الأندلس لطلب العلم من كبار العلماء والمشايخ مثل أبي جعفر ابن الزبير، وأبي الحسن الأبذي، وأبو جعفر بن الطباع، وغيرهم.
رحلة البحث عن العلم في الشرق:
وفي عام 1280م قرر أبو حيان الشاب ذو الخامسة والعشرون السفر إلى المشرق من أجل تحصيل المزيد من العلم، ويروي المؤرخون أنها كانت رحلة طويلة بدأها بالسفر إلى جاية ثم تونس ثم الإسكندرية ومنها إلى مكة حيث أدى فريضة الحج وعاد منها مرة أخرى إلى مصر حيث استقر بها، ولم يكن أبو حيان يمر ببلد إلا وينهل من العلوم بها على يد كبار العلماء والمشايخ فكان أشبه بالبستان الذي يقتطف من كل ركنٍ فيه وردة فيقول أبو حيان عن ذلك: وجملة الذين سمعت منهم أربعمائة شخص وخمسين، وأما الذين أجازوني فعالم كثير جدًا من أهل غرناطة ومالقة وسبتة وديار إفريقيا وديار والحجاز والعراق والشام”.
أبو حيان الغرناطي في القاهرة:
بعد رحلة علم طويلة قرر أبو حيان الاستقرار في القاهرة لفترة حيث كانت تعيش القاهرة فترة من أزهى عصورها العلمية، وقد استقبله الناس بها بترحاب شديد، فقد كان مشهورًا بعلمه الوفير في النحو واللغة والحديث والتفسير، حتى أنه بمجرد استقراره بها تم إسناد مهمة تدريس الحديث له بالمدرسة المنصورية، وعلى الرغم من اتساع شهرة هذا العالم الجليل إلا أنه كان في حالة شغف بالعلم فقرر الالتحاق للدراسة في إحدى الحلقات الدراسية للعالم الكبير بهاء الدين ابن النحاس لتعلم القراءات، وظل أبو حيان ينهل من علم الإمام بهاء الدين حتى توفاه الله، وتم إسناد مهمة التدريس بالحلقة إلى تلميذه النجيب أبو حيان الغرناطي، وذلك لتعليم الناس قراءة القرآن، وأيضًا تم إسناد تدريس مادة النحو في جامع الحاكم بأمر الله بالقاهرة.
الزهد في المناصب:
على الرغم من تفوق ونبوغ أبو حيان الغرناطي في العلوم، إلا أنه لم يكن يسعى لتحقيق أي مركز أو منصب، بل كان همه الأسمى هو تحصيل العلم ونقله إلى الطلاب وتعليمهم، حتى تحدث عن ذلك في شعره
أعاذل: ذرني وانفرادي عن الورى | فلست أرى فيهم صديقًا مصافيًا |
ندامـــاى كتـب أستفيـد علـومهـا | أحبـاي تغني عن لقائي الأعاديا |
وآنسـها القــرآن فهـو الـذي بــــه | نجـاتـي إذا فكـرت أو كنت تاليــًا |
جعلت شهرة هذا العالم الجليل أكابر الناس ونواب السلاطين وحتى السلاطين نفسهم يسعون إلى صداقته ويطلبون ودّه، وجعل ذلك يجعلهم يوقرونه ويحترمونه ويتحدثون معه بتبسّم، حتى أن الشعراء يمدحونه مثلما يمدحون الأمراء والملوك.
البحر المحيط في تفسير القرآن الكريم:
يعد أشهر مؤلفات أبو حيان الغرناطي، الذي خرج إلى النور بعد راسة طويلة وتحصيل علم لسنوات طويلة في مجال النحو والتفسير، وبعد أن أصبح أحد علماء اللغة لذلك يعد “البحر المحيط” من أعظم التفاسير فهو من أكثر كتب التفسير التي عنيت بالنحو، وتوسعت في الإعراب ورواية القراءات وتوجيهها والاحتجاج لها والدفاع عنها.