قصة مقولة ” ومن الحب ما قتل “
يتميز الحب بقدرته على السيطرة والتحكم بأصحابه، حتى يصل إلى الحد الذي يمكن أن يقتل في صاحبه كل الملذات من أجل لقاء الحبيب. ففي هذه المقولة المشهورة “ومن الحب ما قتل”، نرى كيف يسيطر فكر الموت على العاشق الولهان الذي يفقد حبيبه، ويصبح لا يرى في الحياة أي أمل سوى اللقاء به
ومن الحب ما قتل:
وفي أحد الأيام بينما كان يمر الأصمعي على الطريق في البصرة وجد صخرة كيرة منقوش عليها بيت من الشعر فاستوقفه الأمر فقد عرف عن الأصمعي بلاغته الشديدة وقوة حجته في الشعر وبدأ يقرأ هذا البيت فوجد فيه مكتوب:
يا أيها المحبون في الله، أخبرونا كيف يمكن للشاب أن يتعامل عندما يحدث العشق
في هذا الموقع، يطلب العاشق من زملائه السابقين في العشق ماذا يجب أن يفعل إذا وجد نفسه مغرمًا، وقرر الأصمعي الرد على هذا السائل المولع بالحب بالنقش على نفس الصخرة ببيت شعر آخر
يحافظ الشخص الذي يخفي رغباته ويحتفظ بأسراره ويخضع في كل الأمور على هدوئه وتواضعه
وفيه ينصح الأصمعي الشاب بأن يتمالك نفسه ويربط على قلبه ويكتم في سره حتى يستطيع الحياة، وفي اليوم التالي مر الأصمعي من نفس الطريق وألقى نظرة على نفس الصخرة فوجد أن الشاب قد رد على كلماته ببيت شعر آخر يطلب منه النصيحة ويتحسر على قلبه الذي تقطعت أوصاله من الهوى والعشق فقال:
وكيف يستطيع الفتى إخفاء حبه المميت، وفي كل يوم يعاني قلبه الجراح
هنا يشعر الأصمعي باليأس من نصيحة هذا الشاب الذي أرهقته الحب ولا يعرف كيف يخفي هذا الحب ويشعر بالضياع والألم. نصحه الأصمعي بأنه إذا لم تستطع الانتظار والكتمان لحبك، فلا يوجد سوى الموت الذي قد يريحك من هذا الألم ويفيدك. وكتب له ذلك على الصخرة في البيت الشعري التالي
إذا لم يكن للفتى صبر على كتمان أمره، فالموت هو الشيء الوحيد الذي ينفع
وكأن كلمات الأصمعي وقعت كالسهم في قلب ذلك الشاب كالرامي الذي أحكم رميته وفي اليوم التالي مر الأصمعي من نفس الطريق ليرى ما هو رد الفتى على هذا البيت الذي تركه له فوجد أن الفتى قد قتل نفسه بجوار هذه الصخرة آخذًا بنصيحة الأصمعي وقد كتب له آخر ما كتب من الكلام والشعر ويبلغه أنه قد سمع بنصيحته وأطاعه ويطلب منه أن يبلغ سلامه لكل العاشقين الذين منعوا وصال أحبتهم قائلًا:
سمعنا أطعنا ثم متنا فبلغوا سلامي إلى من كان للوصل يمنع
هنيئًا لأرباب النعيم نعيمهم وللعـــــاشق المسكين ما يتجرع
بهذه الكلمات انهى هذا الشاب حياته التي عاش فيها حرمانًا وهجرًا، حيث قرر أن يتركها لينعم فيها من ينعم ويهنئ، ويواسي فيها من يعاني مثله، ويشرب من كأس العشق، وعلى الرغم من أن الأصمعي قال مقولته الشهيرة “ومن الحب ما قتل” إلا أن هذا الشاب قرر انهاء حياته بنفسه
ما يستفاد من هذه القصة:
لم يرى هذا الشاب في حياته ملذة سوى ملذة الحب والعشق وقد أخطأ في حق نفسه فلو تجرع من كأس العشق الإلهي لرأى من نعيم الدنيا ووصالها ما قد يغنيه عن هذا العشق الزائف فالشيطان قد حصر له من متع الدنيا ونعيمها في هذا النوع من الحب ولكنه نسى أن الله خلق لنا من متع الدنيا ونوعها لنا حتى إذا افتقدت إحداها عوضتك متعة أخرى فلا يسول لك الشيطان أنه بانقطاع أحدها قد انقطعت كل السبل.