الحكمة من مقولة ” عند الموت كل يبكي على نفسه “
عند الموت يبكي كل شخص على نفسه. هذه عبارة قالها أحد الزاهدين. كان عالما يعرف قيمة السفر الطويل ونقص الإمدادات. علم أن مكان إقامته في النهاية هو التراب، فبكى على نفسه وتمنى من الله عز وجل أن يكرم مكان إيواءه. عندما رأى أهله يبكون ويشعرون بالحزن على فقدانه، علم أنهم يبكون على أنفسهم وليس عليه، فزاد الألم والحزن، وتوفي بعد أن عرف الحقيقة. إن البكاء هو بكاء على الذات، لذا يجب عليكم أن تجهزوا الإمدادات وتستعدوا للرحلة. فقد قال السابقون إن الحياة في الدنيا لحظة فاجعلوها في طاعة الله، والنفس طماعة فعليكم تعلم القناعة.
عند الموت كل يبكي على نفسه:
يروى أن أحد الزاهدين أصيب بمرض شديد حتى استدعيت لحضوره الوفاة. جلس جميع أفراد عائلته يبكون حوله، ولاحظ ذلك وهو يقترب من الموت. طلب منهم أن يجلسوه، وفعلوا ذلك. نظر إلى أمه ووجدها تبكي بشدة، فسألها: ما الذي يجعلك تبكي يا أمي؟ فأجابت: لا أستطيع تحمل فقدك ولا أطيق فراقك. ثم توجه إلى أبيه ورآه حزينا يبكي، فقال له: يا أبي، لماذا تبكي؟ فأجاب والده: يا بني، أنت سندي في هذه الحياة ولا أستطيع أن أعيش بدونك. سكت للحظة ثم التفت إلى زوجته وأم أولاده ورأى دموعها تتساقط على خديها، فسألها: ما الذي يجعلك تبكي؟ فأجابت: بسبب فقدان بركتك وحنانك واهتمامك بي. أنت زوجي الذي كنت دائما أشكر الله على وجوده بجانبي. ثم التفت الزاهد العابد إلى أولاده وقال لهم: وأنتم لم تبكوا، فردوا قائلين: سنصبح يتامى بعد فقدانك، ليس لنا وه يعيل ولا رفيق يساندنا.
نظر إليهم العابد الزاهد جميعهم وجلس يبكي بحرقة شديدة، فقالوا له: الشخص الذي بكى قال: أبكي لأني رأيت كل منكم يبكي على نفسه وليس هناك أحد يبكي عليّ، من بينكم من بكى لطول سفري؟ ومن بينكم من بكى لقلة زادي؟ ومن بينكم من بكى على مضجعي في التراب؟ قال هذه الكلمات وسقط بعدها، وتوفي وروحه عادت إلى بارئها.
وقال الشاعر في الوعظ عن الموت:
يا نفس توبي فإن الموت قد حان واعص الهوى فالهوى ما زال فتانا
أمـــا ترين المنايا كيف تلقطنـــــا لقطــــا وتلحق أخرانــا بأولانـــــا
في كل يوم لنا ميـــــت نشيعه ننس بمصرعــــه آثــــار موتــــانا
يا نفس مالي وللأموال أتركهــا خلفي وأخرج من دنياي عريــانا
أبعد سنين قد قضيتها لعبًــــــا قــد آن تقتصري قــد آن قـــد آن
وقال الشافعي عندما حضرته الوفاة:
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمنـــي ذنبي فلمــا قرنتـــه بعفوك ربي كان عفوك أعظــم
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل تجود وتعفـــو منـــة وتكرمـــــــا
فلو لاك لم يصمد لإبليس عابد فكيف وقد أغـــوى صفيك آدمــا
فيا ليت شعري هل أصير لجنة أهنى وإمـــا للسعيـــر فأنــــدم
فلله در العــــارف الندب أنـــه تفيض لفرط الوجد أجفانه دمـــا
وإن تعف عني تعف عن متمرد ظلوم غشوم قاسي القلب مجرما
ويذكر أيامًا مضت من شبابــه وما كـان فيهـا بالجهالـة أجرمـــــا
الحكمة التي تدور حولها المقولة:
هي أن الدنيا ما هي إلا رحلة عبور نمر من خلالها للوصول إلى الدار الآخرة التي نهنئ بالعيش فيها إذا تزودنا بالطاعات أما إذا كان الزاد من المعاصي والذنوب فهي الحسرة والألم الحقيقي على ما ضيعنا من متاع الرحلة لذلك يجب علينا أن نجعل هذه الرحلة ممتعة مليئة بالزاد من الطاعات والحسنات حتى نصل بها إلى أعلى الجنان فقد قال السابقون ” الدنيا ساعة فاجعلها طاعة والنفس طماعة علمها القناعة “