تفسير ” يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول “
يُحذِّر القرآن الكريم المؤمنين في سورة الأنفال من خيانة الله ورسوله ومن خيانة الأمانات، ويذكرهم بأن أموالهم وأولادهم هي فتنة، وأن الله عنده أجر عظيم
سبب نزول الآية:
أنزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر، حين بعثه رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم إلى بني قريظة لينزلوا على حكم رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم، فاستشاروه في ذلك، فأشار عليهم بذلك، وأشار بيده إلى حلقه أي إنه الذبح، ثم فطن أبو لبابة، ورأى أنه قد خان اللّه ورسوله، فحلف لا يذوق ذواقًا حتى يموت أو يتوب اللّه عليه، وانطلق إلى مسجد المدينة، فربط نفسه في سارية منه، فمكث كذلك تسعة أيام، حتى كان يخر مغشيا عليه من الجهد، حتى أنزل اللّه توبته على رسوله، فجاء الناس يبشرونه بتوبة اللّه عليه، وأرادوا أن يحلوه من السارية، فحلف لا يحله منها إلا رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم بيده فحله، فقال: يا رسول اللّه إني كنت نذرت أن أنخلع من مالي صدقة، فقال صل الله عليه وسلم: «يجزيك الثلث أن تصدق به» [رواه عبد الرزاق بن أبي قتادة]
قال ابن جرير: نزلت هذه الآية عندما قتل عثمان بن عفان، وهي: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول} [الأنفال: 27]. وفي الصحيحين، تروي قصة حاطب بن أبي بلتعة، وقد كتب إلى قريش يخبرهم بقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم في عام الفتح، وعلم الله رسوله بهذا الأمر وأرسل لاسترجاع الرسالة، واستدعى حاطبا وأقر بما فعله. وفي تلك اللحظة، قام عمر بن الخطاب وقال: “يا رسول الله، ألا نعاقب حاطب بن أبي بلتعة ونقتله لأنه خان الله ورسوله والمؤمنين؟” فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “دعوه، فقد شهد بدرا، ومن يدري، لعل الله قد نظر إلى أهل بدر وقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم”. ومع أن الآية هي عامة، فإنها تم ذكرها بشكل خاص في هذا السياقب، وعلى الرغم من أن هذا الأمر قد حدث بشكل خاص، إلا أنه يمكن استخدام الكلمات العامة في الآية لتحذير الناس من الخيانة، وهي خطيئة صغيرة أو كبيرة واسعة النطاق والتي ينبغي تجنبها.
تفسير الآية:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ}: قال ابن عباس رضي الله عنهما{وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ}: الأمانة الأعمال التي ائتمن اللّه عليها العباد يعني الفريضة، يقول: لا تخونوا لا تنقضوها، وقال في رواية: {لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} يقول: بترك سنته وارتكاب معصيته. وقال السدي: إذا خانوا اللّه والرسول فقد خانوا أماناتهم. وقال أيضًا: كانوا يسمعون من النبي صل اللّه عليه وسلم الحديث فيفشونه حتى يبلغ المشركين، وقال ابن زيد: نهاكم أن تخونوا اللّه والرسول كما صنع المنافقون.
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}: هل تقدرون أي اختبار أو امتحان يتطلب منكم أن تشكروا الله عليه وتطيعوه فيه، أو تعملوا به وتستخدموه لمصلحتكم؟ كما قال الله تعالى: `إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم` [التغابن: 15]. وقال أيضا: `نبلوكم بالشر والخير فتنة` [الأنبياء: 35]. وقال الله تعالى: `يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله` [المنافقون: 9] ،
{وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}: ثوابه وعطاؤه وجناته خير لكم من الأموال والأولاد، فإنه قد يوجد منهم عدو، وأكثرهم لا يغني عنك شيئا، والله سبحانه هو المتصرف المالك للدنيا والآخرة، ولديه الثواب الجزيل يوم القيامة، وفي الأثر يقول الله تعالى: “يا ابن آدم، اطلبني فتجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء.
وفي الصحيح عن رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم أنه قال: هناك ثلاثة أشخاص يجدون حلاوة الإيمان: أولا، الذي يحب الله ورسوله أكثر من أي شيء آخر، ثانيا، الذي يحب الآخرين لمنفعتهم في الله فقط ولا يحبهم لأجل المصالح الشخصية، وثالثا، الذي يفضل أن يلقى في النار بدلا من أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه. رواه الشيخان. فعلا، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي قبل حب الأولاد والأموال والنفوس، كما ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: “والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى يكون أحب إليه من نفسه وأهله وماله وجميع الناس