كشف سر اختفاء مكتبة خزانة بيت الحكمة الأموية
مكتبة خزانة بيت الحكمة الأموية هي أولى و أكبر المكتبات في تاريخ الدولة الإسلامية ، و يرجع تاريخها للقرن الأول و الثاني الهجري ، و كانت تحتوي على مجموعة كبيرة من الكتب المتنوعة في كافة المجالات ، و لكن بمجرد أن تولى العباسيون مقالد الحكم ؛ اختفت تلك المكتبة بدون سابق إنذار.
تاريخ المكتبة:
لطالما عُرفت الشام بحضارتها و ثقافتها على مر العصور ، و تعتبر هي ثاني البلاد العربية التي توجه إليها المسلمون الفاتحون ليُدخلوها في الإسلام ، و كان المسلمون آنذاك لا يملكون من الكتب إلا القرآن الكريم ، و لم يكونوا على دراية كاملة بالعلوم المختلفة ، و لذلك عندما تولى معاوية بن أبي سفيان ولاية الشام وجه اهتمامًا كبيرًا بالعلم و العلماء.
وقد ظهر هذا الاهتمام في الندوات العلمية والثقافية التي كان يتبناها بصورة دائمة في قصره، كما أمر ببناء مكتبة خزانة بيت الحكمة ليجمع فيها كل ما هو غال ونفيس من الكتب والأبحاث العلمية، ويقال أنه في بداية الأمر لم يكن يسمح لأحد بدخول تلك المكتبة، وكان يقضي معظم وقته ليلا ونهارا فيها ليطلع على العلوم المختلفة، وكان أيضا يخطط لمعاركه داخل تلك المكتبة، وقد مرت تلك المكتبة بالعديد من المراحل التاريخية حتى اختفت تماما.
المراحل التاريخية للمكتبة:
أولًا مرحلة المكتبة الشخصية: في هذه المرحلة احتفظ معاوية بن أبي سفيان بالمكتبة لنفسه و منع أي حد من دخولها إلا بعض الأشخاص فقط ، و أقام فيها المناظرات الأدبية التي تم تدوينها بواسطة بعض الأشخاص المُكلفون بهذه المهمة و تم حفظ تلك التدوينات في المكتبة ، و قد اتخذ معاوية بن أبي سفيان قصر الخضراء مقرًا للمكتبة ، و من أهم المؤلفات التي تم إيداعها في المكتبة في عصر معاوية ؛ كتاب النسب و الأخبار لعبيد بن شرية الجرهمي ، و كتاب أخبار اليمن و أشعاره ل عبادة بن الصامت ، و كتاب النظم يونس بن سليمان.
خلف بعض الأمراء الذين اهتموا بالعلم وسعوا لتوسيع المكتبة وإضافة كتب جديدة فيها، معاوية بن أبي سفيان، وكان من بينهم خالد بن يزيد. تعلم خالد بن يزيد العديد من اللغات القديمة وعمل على ترجمة جميع العلوم المتعلقة بحضارة تلك اللغات مثل اليونانية. بدأ في نقل كتب الكيمياء والرياضيات والفلسفة من اليونانية إلى العربية، وبذلك أصبح أول من قام بالترجمة ونقل العلوم إلى العربية في تاريخ المسلمين. ساهم خالد بن يزيد بذلك في زيادة عدد الكتب في تلك المكتبة ورفع شأنها في ذلك العصر.
ثانيًا مرحلة قصور الخلفاء: بدأت تلك المرحلة عند وفاة خالد بن يزيد وانتقال المكتبة لحماية الخليفة عبد الملك بن مروان، الذي اهتم بها بصورة كبيرة وعمل على توسيعها وزيادة عدد الكتب بها، وأصبحت المكتبة في هذا الوقت خاصة بمجلس الفقهاء والأمراء والعلماء بدلا من أن تكون ملكا للخليفة بمفرده، وبعد وفاة الخليفة عبد الملك بن مروان، تولى خلفاؤه مهمة الحفاظ على المكتبة وتوسيعها، حتى اكتملت المكتبة في عهد الوليد بن عبد الملك، واحتوت على مجموعة كبيرة من المخطوطات المترجمة للعربية.
ثالثًا مرحلة المكتبة العامة: تزامنت تلك المرحلة مع تولي الخليفة عمر بن عبدالعزيز مقاليد الحكم، وعمل الخليفة عمر بن عبدالعزيز على تعميم المكتبة لجميع فئات الشعب من أجل نشر الثقافة والعلم بين الجميع، تقربا إلى الله عز وجل، وظلت المكتبة في المسجد الكبير حتى انتقل قصر الخلافة من دمشق إلى الرصافة، في عهد هشام بن عبد الملك، ولكن عدم تطور المكتبة بالإضافة إلى تدهور الأحوال في شتى البلاد جعل الناس ينصرفون عن العلم ويهتمون بملاحقة أمور السياسة والتقلبات، مما أدى إلى ضياع تلك المكتبة وعدم معرفة ما حدث لها.
اختفاء المكتبة:
أشار العديد من المؤرخون إلى أن العباسيين قاموا بحرق كافة منازل و قصور الدولة الأموية ، و أغلب الظن أن تكون تلك المكتبة قد تم حرقها هي الأخرى ، و لكن بالنظر إلى تأسيسهم مكتبة دار الحكمة الشهيرة ؛ فيشير البعض إلى أنهم قاموا بضم مكتبة خزانة بيت الحكمة إلى مكتبة دار الحكمة في عهد هارون الرشيد في بغداد ، و التي انتهت مع غزو المغول للشام و الدول العربية و إحراقهم كافة المكتبات و الكتب التي وجدوها.