سبب نزول ” يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب “
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)} [سورة الرعد: 38-39]
سبب نزول الآية:
قال مجاهد: قالت كفار قريش لما نزلت {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [الرعد:38] : ما نرى محمداً يملك شيئاً وقد فرغ من الأمر، فأنزلت هذه الآية تخويفاً ووعيداً لهم: إنا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما شئنا، ونحدث في كل رمضان، فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء من أرزاق الناس ومصائبهم وما يعطيهم وما يقسم لهم.
تفسير الآيات:
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً}: يقول تعالى: وكما أرسلناك يا محمد رسولاً بشرياً، كذلك قد بعثنا المرسلين من قبلك بشراً يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، ويأتون الزوجات، ويولد لهم، وجعلنا لهم أزواجاً وذرية، وقد قال تعالى لأشرف الرسل وخاتمهم: { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [الكهف:110]، وفي الصحيحين أن رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم قال: «« أما أنا فأصوم وأفطر وأقوم وأنام، وآكل اللحم، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني »».
{وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}: إذا لم يكن قومه يأتونه بمعجزة، إلا إذا أذن له في ذلك، وهذا ليس بيده، بل بيد الله عز وجل، فإنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ولكل شيء أجل محدد ومكتوب، أي لكل فترة معينة هناك كتاب مكتوب بها، وعند الله كل شيء محدود بمقداره، ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض؟ إن ذلك مدون في كتاب عند الله، وهذا أمر يسير عليه الله. يمحو الله ما يشاء من الأمور ويثبتها، وهو يعني بذلك أنه نسخ جميعها بالقرآن الذي أنزله الله على رسوله، صلى الله عليه وسلم.
{يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ}: اختلف المفسرون في ذلك: فقال الثوري، عن ابن عباس: يدبر أمر السنة، فيمحو الله ما يشاء، إلا الشقاء والسعادة والحياة والموت، وفي رواية {يمحوا الله ما يشاء ويثبت}: قال: كل شيء إلا الموت والحياة والشقاء والسعادة، فإنه قد فرغ منهما وهذا قول مجاهد أيضا، حيث قال: إلا الحياة والموت والشقاوة والسعادة فإنهما لا يتغيران، وقال منصور: سألت مجاهدا فقلت: أرأيت دعاء أحدنا، يقول: اللهم إن كان اسمي في السعداء فأثبته فيهم، وإن كان في الأشقياء فامحه عنهم، واجعله في السعداء، فقال: حسن؛ ثم لقيته بعد ذلك بحول أو أكثر، فسألته عن ذلك، فقال: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم} [سورة الدخان: 3-4]، قال: يقضى في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو معصية، ثم يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء، فأما كتاب السعادة والشقاء فهو ثابت لا يتغير.
وقال الكلبي: الله يمحو الرزق ويزيده، ويمحو من الأجل ويزيده. وقال العوفي عن ابن عباس: إنه الرجل الذي يعمل بطاعة الله، ثم يعود إلى معصية الله فيموت على ضلالة، فهو الذي يمحو؛ والرجل الذي يثبت هو الذي يعمل بالمعصية وكان قد سبق له الخير حتى يموت وهو يطيع الله. وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: “يمحو الله ما يشاء ويثبت” يعني يغير ما يشاء ويحافظ على ما يشاء، وجميع ذلك عنده في اللوح المحفوظ، الذي يحذف منه ويثبت فيه
وقال الحسن البصري {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ}: قال: إن الذين يأتون للموت ويثبتون على الحياة الدنيا يجري بهم أمرهم إلى موعدهم المحدد. واختار أبو جعفر بن جرير هذا القول، وقال: {وعنده أم الكتاب}: أي الحلال والحرام. وقال قتادة: أي الجملة الكاملة من الكتاب وأصله. وقال ابن جريج عن ابن عباس: {وعنده أم الكتاب}: أي الذكر.
هل تمحو الأقدار ما يشاء الله منها وتثبت ما يشاء؟
قال الأعمش عن أبي وائل: كان يدعو بهذا الدعاء كثيرا: `اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء فامح ذلك واكتبنا سعداء، وإن كنت كتبتنا سعداء فثبتنا، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت. وعندك أم الكتاب.` قاله ابن جرير وقال أبو عثمان النهدي، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يطوف بالبيت ويبكي: `اللهم إن كنت كتبت علي شقاوة أو ذنبا فامح ذلك، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت. وعندك أم الكتاب، فاجعله سعادة ومغفرة.` ومعنى هذا القول هو أن القدرة الإلهية تمحو أو تثبت ما تشاء من الأقدار.
من القرآن الكريم قد روى الإمام أحمد عن ثوبان قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: `إن الرجل قد يحرم الرزق بسبب الذنب الذي يصيبه، والدعاء هو الذي يمكنه تغيير القدر، والعمر يزداد بفضل البر وصلة الرحم، وفي حديث آخر: `إن الدعاء والقضاء يتداخلان بين السماء والأرض`.