سبب نزول ” فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين “
فأقم الدعوة بما تؤمر وأصرف عن المشركين، إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر. فسوف يعلمون أنك تضايق بما يقولون، فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين.” [سورة الحجر: 94-99]
ما هو سبب نزول الآية التي تقول “فاصدع بما تؤمر” ومن هم المستهزئون الذين ذكرت فيها؟
– وعن عبد اللّه بن مسعود: ظل النبي صلى الله عليه وسلم يتردد حتى نزلت الآية التي تأمره بالخروج، وهي: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}، وبعدها خرج هو وأصحابه.
– قال محمد بن إسحاق: كان عظماء المستهزئين خمسة أشخاص من بني أسد بن عبد العزى أبو زمعة، وبني زهرة الأسود بن عبد يغوث، وبني مخزوم الوليد بن المغيرة، وبني سهم العاص بن وائل، وخزاعة الحارث بن الطلاطلة، وكانوا ذوو أسنان وشرف في قومهم. رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليهم لما كانوا يؤذونه ويستهزئون به، وقال: “اللهم أعم بصره وأثكله ولده”. فلما تمادوا في الشر وزادوا استهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم، أنزل الله تعالى قوله: “فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين، إنا كفيناك المستهزئين” حتى نهاية الآية.
تفسير الآيات:
{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}: يقول الله تعالى آمراً رسوله صل اللّه عليه وسلم بإبلاغ ما بعثه به وبإنفاذه والصدع به، وهو مواجهة المشركين به، كما قال ابن عباس في قوله: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}: أي أمضه؛ وفي رواية افعل ما تؤمر . وقال مجاهد: هو الجهر بالقرآن في الصلاة، وقوله: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}: أي بلغ ما أنزل إليك من ربك، ولا تلتفت إلى المشركين الذين يريدون أن يصدوك عن آيات اللّه {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:9] ولا تخفهم، فإن اللّه كافيك إياهم، وحافظك منهم.
كقوله تعالى: يا أيها الرسول، بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإذا لم تفعل ذلك، فلن تكون قد بلغت رسالته، والله سيحميك من الناس” [المائدة: 67]. وروى أن أحد الصحابة مر بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأشار إليه بالتلميح، فجاء جبريل – عليه السلام، وقد اعتقد أنهم قد أشاروا – ولدغوا أجسادهم بشكل يشبه الطعنة فماتوا [رواه الحافظ البزار] في قوله تعالى: “إنا كفيناك المستهزئين.
{الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:يشكل جعل معبودا آخر إلى جانب الله تهديدا شديدا ووعيدا مؤكدا، ويعلم الله أنه يحدث ضيقا لصدر محمد من كلامهم، لذلك فعليه أن يسبح بحمد ربه ويكون من الساجدين، وهو يدرك أن الله يحصنه وينصره على أعدائه، ولذلك يجب عليه التفكير في ذكر الله وتحميده وتسبيحه والعبادة، وهي الصلاة، للتخلص من هذا الضيق.
{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}: قال البخاري عن سالم بن عبد الله: `اعبد ربك حتى يأتيك اليقين`. وقد فسر مجاهد والحسن وقتادة وعبد الرحمن بن زيد وغيرهم اليقين بالموت. والدليل على ذلك هو قول الله تعالى في سورة المدثر: `وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين`. وفي الصحيح: `أما هو فقد جاءه اليقين وإني لأرجو له الخير`. وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم لما دخل على عثمان بن مظعون بعد وفاته: `وما يدريك أن الله أكرمه` .
معنى اليقين بالآية الموت أم المعرفة؟
ورد في تفسير ابن كثير أنه يستدل بهذه الآية الكريمة وهي قوله: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} على أن العبادة كالصلاة ونحوها واجبة على الإنسان ما دام عقله ثابتاً فيصلي بحسب حاله، كما ثبت في صحيح البخاري عن عمران بن حصين رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم قال: «صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب»، ويستدل بها على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة، فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة سقط عنه التكليف عندهم، وهذا كفر وضلال وجهل، فإن الأنبياء عليهم السلام كانوا هم وأصحابهم أعلم الناس باللّه وأعرفهم بحقوقه وصفاته، وما يستحق من التعظيم، وكانوا أكثر الناس عبادة ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة؛ وإنما المراد باليقين ههنا الموت، كما قدمناه، وللّه الحمد والمنة.