تفسير ” ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا “
قال لهم الله: انزلوا جميعا من الجنة، لأن بينكم عداوة، وإما أن يأتيكم هدى مني، فمن اتبع هدايتي فلا يضل ولا يشقى، ومن ترك ذكري وعصاني فسوف يحيا حياة ضنكا، وسوف يحشر يوم القيامة أعمى، ويقول: ربي، لماذا حشرتني أعمى، وأنا كنت قادرا على البصر؟ ويقول الله: كذلك جاءتك آياتي ولكنك نسيتها، واليوم ستنساها.” [سورة طه: 123-126.]
تفسير الآيات:
{قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا} يقول تعالى لآدم وحواء وإبليس اهبطوا منها جميعاً: أي من الجنة كلكم {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}: آدم وذريته، وإبليس وذريته، وقوله: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى}: قال أبو العالية: الأنبياء والرسل والبيان، {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}: قال ابن عباس: لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي}: أي خالف أمري وما أنزلته على رسولي، أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه، {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا}: أي ضنكاً في الدنيا فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله وإن تنعّم ظاهره، ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ربية يتردد، فهذا من ضنك المعيشة.
قال ابن عباس {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا}: الشقاء هو الوضع الذي يصيب الشخص الذي يكذب بالله ويسيء الظن به والثقة به، ويحدث ذلك عندما يعرض الأشخاص عن الحق وهم في سعة من الدنيا ومتكبرين، وتصبح معيشتهم ضنكا. وقد قال الضحاك إنه يشير إلى العمل السيء والرزق الخبيث. وروى سفيان، عن عيينة، عن أبي سعيد أن “معيشة ضنكا” تعني أن يضيق على الشخص قبره حتى تختلف أضلاعه فيه.
ذكر البزار عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل {فإن له معيشة ضنكا}: قال: «المعيشة الضنك التي قال الله إنه يسلط عليه تسعة وتسعين حية ينهشون لحمه حتى تقوم الساعة». وقوله: {ونحشره يوم القيامة أعمى}: قال مجاهد والسدي: لا حجة له، وقال عكرمة: عمي عليه كل شيء إلا جهنم، ويحتمل أن يكون المراد أن يبعث أو يحشر إلى النار أعمى البصر والبصيرة أيضا كما قال تعالى: {ونحشرهم يوم القيامة علىٰ وجوههم عميا وصما وصدورا ماواهم جهنم} [الإسراء: 97]
ولهذا يقول: أيها المولى، لماذا جمعتني العمى وأنا كنت بصيرا؟” فالجواب هو: “هكذا جاءتك آياتنا فنسيتها، وكما نسيتها في الدنيا، سننساك في هذا اليوم”، أي أنه عندما تنحاز عن آيات الله وتنساها، سيعاملك الله في هذا اليوم كما يعامل من ينساك. “فإننا سننساهم اليوم كما نسوا لقاء يومهم هذا” [الأعراف: 51]. فالجزاء يتناسب مع العمل، وبالنسبة لنسيان كلمات القرآن مع فهم معانيها والعمل بها، فإنه لا يشمله هذا التحذير الخاص، ولكنه معرض للعقاب من جهة أخرى. وعن سعد بن عبادة رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من قرأ القرآن ثم نسيه، سيلتقي بالله يوم القيامة وهو جاهل” [صحيح الإمام أحمد، عن سعد بن عبادة].