سبب نزول ” ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم “
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [سورة الحج: 25]
سبب نزول الآية:
قال ابن عباس في قول الله: بالنسبة لـ `ومن يرد فيه بإلحاد بظلم`، يقال إن هذه الآية نزلت في عبد الله بن أنيس. أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع رجلين، أحدهما مهاجر والآخر من الأنصار، وكانوا يتباهون بأصولهم النسبية. غضب عبد الله بن أنيس وقتل الرجل الأنصاري، ثم ارتد عن الإسلام وهرب إلى مكة. نزلت هذه الآية فيما يتعلق بـ `ومن يرد فيه بإلحاد بظلم`، وتعني من يلجأ إلى الحرم بالإلحاد، أي بالانحراف عن الإسلام.
تفسير الآية ابن كثير:
يقول الله تعالى منكراً على الكفار في صدهم المؤمنين عن إتيان المسجد الحرام وقضاء مناسكهم فيه، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}: أي ومن صفتهم أنهم مع كفرهم يصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام، أي ويصدون عن المسجد الحرام من أراده من المؤمنين، الذين هم أحق الناس به في نفس الأمر، وقوله: {الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ}: أي يمنعون عن الوصول إلى المسجد الحرام، وقد جعله الله للناس لا فرق فيه بين المقيم فيه والنائي عنه البعيد الدار منه {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ}: ومن ذلك استواء الناس في رباع مكة وسكناها، كما قال ابن عباس: ينزل أهل مكة وغيرهم في المسجد الحرام.
وقال مجاهد: سواء العاكف فيه والباد: سكان مكة وغيرهم يعيشون فيه بالتساوي في المنازل. وقال قتادة: يعيشون فيه بالتساوي، سواء كانوا من أهله أم لا، وقوله: (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم): يقول بعض المفسرين إن الباء هنا زائدة، مثل قوله: (تنبت بالدهن) [المؤمنون: 20]، أي تنبت الدهن، وكذلك قوله: (ومن يرد فيه بإلحاد)، تقديره إلحادا، والأجود أن الفعل هنا ضمن بمعنى يهم، ولذلك عداه بالباء فقال: (ومن يرد فيه بإلحاد): يعني يهم فيه بأمر فظيع من المعاصي الكبار.
وقوله: : يعني الظلم هو الإيذاء العمد للآخرين، وقد ذكر بعض المفسرين أن الظلم يشمل الشرك بالله، وقال مجاهد إن الظلم يحدث عندما يعبد شيء آخر غير الله، وكذلك قال قتادة وغيرهم. وقال العوفي نقلا عن ابن عباس أن الظلم هو أن تأخذ ما حرم الله عليك من الحرمة، وتؤذي وتقتل من لا يستحق ذلك، وإذا فعلت ذلك، فسوف يتعرض للعذاب الشديد. وقال مجاهد أن الظلم يحدث عندما يعلم الشخص أنه يقوم بفعل سيء، وهذا يعتبر من خصائص الحرم الشريف أنه يعاقب الأشخاص الذين يفعلون الشر فيه، حتى لو لم يتم القبض عليهم، وقد قال ابن مسعود إنه إذا كان شخص يريد الإلحاد في الحرم الشريف وهو في بعدن، فسوف يتعرض للعذاب الشديد من الله.
{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}: وهذه الآثار وإن كانت تدل على أن هذه الأشياء هي من الكفر، إلا أنها أكبر من ذلك، بل فيها تنبيه على ما هو أشد منها؛ ولهذا عندما حاول أصحاب الفيل تدمير الكعبة، أرسل الله عليهم طيور الأبابيل التي رمتهم بالحجارة الملتهبة وأصابتهم بالهلاك، وجعلهم عبرة وعقابا لكل من يسعى للشر، ولذلك ثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيأتي هذا البيت جيش يتمرد عليه حتى يدمر في بادية الأرض، يسفك أولهم وآخرهم»، وروى سعيد بن عمرو أن عبد الله بن عمر أتى عبد الله بن الزبير وهو جالس في الحجر وقال له: يا ابن الزبير، احذر أن تقوم بالكفر في الحرم، فإني أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيأتي رجل من قريش يباح له فعل ذلك ويتاح له، لو كانت ذنوبه تزنى بين ذنوب الثقلين لزناها»، فانتبه ولا تكن هذا الرجل [رواه الإمام أحمد].