هل عمل المرأة يؤثر سلبا على تربية أطفالها
مفهوم عمل المرأة
تعود فكرة عمل المرأة إلى الثورة الصناعية في أوروبا، وخاصة عندما قام عمال المصانع بالإضراب عن العمل بسبب إرهاقهم نظرا لعملهم ساعات طويلة وبأجور محدودة، ولحل هذه المشكلة وتغطية نقص العمالة، دخلت المرأة في مجال العمل. وكانت المخاوف من توقف العمل في هذه المصانع والتي تؤدي إلى خسارة مالية كبيرة. ولتحقيق المساواة الجنسية، تم تقديم رؤية تساوي الجنسين والتعامل بحساسية مع المرأة، وتم تأكيد دورها في هذا المجال.
المرأة العاملة هي التي تعمل خارج المنزل وتحصل على أجر مادي مقابل ذلك العمل. تقوم المرأة العاملة بدورين رئيسيين: دور ربة المنزل والدور الوظيفي. وفقا لتعريف فاروق عطية، “المرأة العاملة” ليست تلك المرأة التي تقوم بإدارة الأعمال المنزلية فقط، ولكنها تعني المرأة التي تعمل خارج المنزل. وفي الإسلام، يتفهم العمل على نطاق أوسع، حيث يعتبر الأمومة وتربية الأطفال وأعمال المنزل عملا، ولها دور هام في استقرار الأسرة.
تأثير عمل الأم على تربية الطفل
يعتقد العديد من الباحثين وأفراد المجتمع أن عمل المرأة خارج المنزل يؤثر سلبا على شخصية الطفل وتربيتها له، خاصة في السنوات الأولى من عمر الطفل. وقد أكدت مدرسة التحليل النفسي أن هذه السنوات الأولى من عمر الطفل ذات أهمية كبيرة لنموه العاطفي والانفعالي. وأن غياب الأم المتكرر وانفصالها الطويل عن طفلها أثناء عملها يؤدي إلى شعوره بالحرمان والشقاء. في هذا العمر، لا يمكن لأي شخص آخر أن يحل محل الأم، وبالتالي فإن الطفل سيشعر دائما بعدم الأمان وسيفقد الشعور بالطمأنينة.
إلا أن الأبحاث الجديدة والحديثة قد اكتشفت أنه لا يوجد أي فرق في علاقة الأم العاملة مع أطفالها، والأم غير العاملة، فقد أوضحت الدراسات التي أجرتها الدكتورة بثينة قنديل عام 1964م، وتطرقت هذه الدراسة إلى مقارنة ما بين أبناء الأمهات اللواتي لا يعملن مع أبناء الأمهات العاملات، وقد توصلت النتائج مايلي:
- يقل تكيف الأطفال الذين أمهاتهم يعملن كلما زاد غياب أمهاتهم اليومي عن خمس ساعات.
- يعتمد عمل الأم على مستوى الدخل والوضع الاجتماعي للأسرة، ويؤدي الارتفاع في هذين المستويين إلى تكيف الأطفال بشكل أفضل مع الظروف المحيطة بهم.
- كلما كان تعليم الأم عاليا، كان تكيف الأطفال أفضل، وهذا يقارن بأبناء النساء غير العاملات.
- لم يتم تحديد أي اختلافات في قدرة التكيف بين الأطفال الذين يتم رعايتهم من قبل الأقارب والأطفال الذين يتم رعايتهم من قبل الخدم في هذه الدراسة.
- يكون أبناء العاملات أكثر طموحًا من غيرهم.
ومع ذلك، هناك دراسات أخرى أشارت إلى وجود آثار سلبية لعمل الأم على الأطفال وتتجلى في:
- الآثار الصحية والنفسية حيث أن عمل المرأة يستوجب عليها أن تبتعد عن أطفالها طول النهار، وعندما تعود تكون متعبة مما يكون له آثار سلبية تؤثر بالشكل المباشر على الأبناء، فهناك آثار سلبية على صحتهم مما يؤدي إلى الأمراض بسبب سوء التغذية، بالإضافة إلى سوء صحة الطفل النفسية بسبب الممارسات التربوية الخاطئة.
- حب الأم وعطفها على الطفل هما عاملان أساسيان في نمو شخصية الطفل، ويجب أن يكونا سوية وصحيحة لأنهما يجلبان ثقة الطفل ومحبته.
- أظهرت الدراسات أن بقاء الطفل في مراكز الرعاية النهارية يؤدي إلى تناقض وجداني نحو والدته، حيث يؤدي ابتعاد الأم عن الطفل إلى تأثير سلبي كلما كان مبكرًا. ومع ذلك، يؤدي بقاء الطفل في مراكز الرعاية النهارية في النصف الثاني من المرحلة، أي عندما يبلغ ست سنوات وما فوق، إلى تأثير إيجابي.
عمل المرأة وأثره على التنشئة الاجتماعية للطفل
هناك عدة دراسات تتناول موضوع عمل المرأة وتسليط الضوء على تأثيره على التنشئة الاجتماعية للطفل، وتتجلى هذه الآثار على المستوى الاجتماعي في:
- تساهم المرأة العاملة في تعزيز ثقة أولادها بأنفسهم، حيث تعمل على تعليمهم كيفية الاعتماد على أنفسهم.
- تميّز طفل المرأة العاملة بقوة شخصيته، وتأكد ذلك بالملاحظة.
- الدور الهام لوالدة الزوجة في التنشئة الاجتماعية يتمثل في متابعة الأبناء بعد خروج الأم إلى العمل.
في حين أن هناك دراسات أخرى تشير إلى أن غياب الأم عن طفلها يسبب آثارا سلبية في شخصية الطفل، حيث يمكن أن يعاني الطفل من الاكتئاب والانعزال عن الجو الأسري والبحث عن جو خاص به، مما يؤدي إلى انعدام القدرة على تكوين العلاقات الاجتماعية، وقد أجرى بولبي دراسة على 44 من المجرمين وأطفال غير متكيفين، وأظهرت الدراسة أن السلوك الجانح يرتبط بشكل وثيق بانفصال الطفل عن أمه لفترة طويلة بنسبة 30٪، ويتساءل الكثيرون كيف يمكن للأم موازنة احتياجات أطفالها واحتياجاتها الشخصية؟ بالتنظيم الجيد للوقت ومساعدة الأسرة والتعاون بين جميع أفراد الأسرة، يمكن للأم أن تحقق التوازن بين هذه الاحتياجات.
عمل المرأة في المنظور الإسلامي
كانت حياة المرأة في الجاهلية مليئة بالمفاسد والظلم والتقاليد القديمة، إلا أن رسولنا الكريم جاء برسالة الإسلام التي أكرمت المرأة وأعطتها مكانة رفيعة في المجتمع ودافعت عنها، وردت إليها إنسانيتها وأعطيت لها الحقوق الكاملة، وتم حرمان التقاليد الفاسدة وتحويل الذل الذي كانت تعيشه إلى العزة والكرامة، وذكرت شؤون المرأة في أكثر من عشر سور من القرآن الكريم، وتضمنت إحدى هذه السورة بالكامل اسمها سورة النساء.
المرأة في الإسلام هي إنسان كامل القدرات والملكات من الناحية العقلية والخلقية، وليس هناك شيء في القرآن أو الحديث الشريف يمنع المرأة المسلمة المحترمة لدينها وكرامتها من العمل في مجتمعها، حيث أن الإسلام يمنح المرأة كل حقوقها في المجال المالي والتجاري، وجعلها شريكة للرجل في العمل، وقال الله تعالى: “من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملو.
عمل المرأة وأثره على عدم الاستقرار الأسري دراسة ميدانية
من أسباب المشاكل الأسرية تعد خروج المرأة للعمل، حيث تفرض وظيفتها ظروفا جديدة على الأسرة. وعلى إثر ذلك، ينشأ بعض المشاكل بين الزوجين والأطفال والمرأة نفسها. في الماضي، كانت المرأة تعمل في الزراعة في المجتمعات الريفية، ولكن مع التطور التجاري والصناعي، زادت فرص المرأة للمشاركة في مجالات أخرى على نطاق واسع. أدى ذلك العمل إلى تغيير اجتماعي، حيث كان الهدف منه إثبات وجود المرأة في المجتمع وتحسين مستوى معيشة الأسرة.
أظهرت الأبحاث التي أجريت أن نزول المرأة للعمل يساهم في زيادة المنازعات داخل الأسرة، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن يؤدي إلى تغيير المستوى العام للسعادة الزوجية، ولكن في حال زيادة المنازعات الزوجية يمكن للمرأة العاملة أن تبحث عن الراحة والتنفيس في مكان بعيد عن حياتها الأسرية، وغالبا ما يكون مكان العمل هو المكان المناسب لذلك، حيث يمكن للمرأة أن تتلقى تقديرا كبيرا من زملائها ورؤسائها، بالإضافة إلى أنه يمكن للمرأة أن تتخذ قرار العمل دون موافقة زوجها مما يؤثر على الاستقرار الأسري، وكذلك خروج المرأة من المنزل يمكن أن يؤثر سلبا على قدرتها على القيام بمسؤولياتها داخل المنزل تجاه أسرتها، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمات والضغوط الأسرية.
من آثار نشاط المرأة تتضمن ارتفاع معدلات الطلاق وتفكك العائلات نتيجة عدم تكييف العلاقات الأسرية مع التغيرات التي تحدث في تكوين الأسرة وأدوار أفرادها. لم تعد المرأة العاملة تواجه مشكلة في الطلاق بسبب استقلاليتها المالية، واكتشاف المرأة لقدراتها وسعيها المستمر لتحقيق التفوق أدى إلى تأخير سن الزواج للرجل والمرأة، حيث أتاح لها العمل فرصة لتحقيق الذات وبالتالي قللت من سلطة الرجل.