قصة وصاحب مقولة ” أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب “
هو الحباب بن المنذر الأنصاري، الصحابي الجليل، الذي شهد جميع المشاهد مع رسول الله. ولهذا الرجل قصة عظيمة وقعت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما اجتمع المهاجرون والأنصار في سقيفة بني سعدة. تمت ذكر تلك القصة في كتاب البداية والنهاية، الجزء الخامس، للمؤرخ ابن كثير.
أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب :
لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بايع المهاجرون أبي بكر الصديق على الخلافة، في بيت فاطمة رضي الله عنها وأرضاها، فقال عمر بن الخطاب لأبي بكر الصديق انطلق بنا بنا إلى إخواننا من الأنصار، فانطلقنا نؤمهم حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا هم مجتمعون، فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله وقال: أما بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط نبينا، وقد دفت دافة منكم تريدون أن تختزلونا من أصلنا، وتحصنونا من الأمر، فقال أبو بكر: أما بعد فما ذكرتم من خير فأنتم أهله، وما تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبًا ودارًا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أيهما شئتم، وأخذ بيدي – أي بيد عمر بن الخطاب – وبيد أبي عبيدة ابن الجراح، فلم أكره مما قال غيرها، ويعني عمر أنه لا يريد أن يتأمر على قوم فيهم أبو بكر الصديق.
فقال قائل من الأنصار وهو حباب بن المنذر: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش، وكأنه يقول: أنا داهيتها، ويدلي برأيه من الأنصار أمير ومن المهاجرين أمير، حتى كثر اللغط، وارتفعت الأصوات فقام عمر بن الخطاب وقال: أبسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون، ثم بايعه الأنصار.
معنى أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب :
الجذيل: هو تصغير الجذل، وهو أصل الشجرة.
المحكك: هو العود الذي يستخدم لفرك الإبل الجربى، ويتم تثبيته في مبارك الإبل ليتدرب عليه الإبل الجربى.
العذيق: تصغير العذق، بفتح العين، وهو النخلة.
المرجب: الرجبة هي دعامة تصنع من الحجارة وتُبنى تحت النخلة الكريمة التي يُخشى أن تنحني بفعل الرياح والعواصف.
والمعنى أراد هنا الحباب بن المنذر أن يتفاخر بقوة رأيه ورجاحته التي يعتمد عليها الكثير منها على الرغم من صغر سنه وشبه نفسه بالمحكك، والعذيق، والمرجب، والجذيل تفاخرًا بقوة رأيه ورجاحة عقله وتلك كانت مقدمة لكلامه أراد بها طرح رأيه بأن يكون من الأنصار أمير ومن المهاجرين أمير.
من هو الحباب المنذر ؟
صحابي جليل من الأنصار شهد جميع المشاهد مع رسول الله اشتهر برجاحة عقله فكان ذو رأي ومشورة، له العديد من المواقف التي أشار فيها على النبي وسمع رسول الله صل الله عليه وسلم لمشورته، ومنها في غزوة بدر عندما اختار رسول الله موضعًا لمعسكره فسأله الحباب عن سبب اختيار المكان بكل أدب، فقال: «يا رسول الله، منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتعداه، ولا نقصر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟»، فقال له رسول الله: «بل هو الرأي والحرب والمكيدة»، فأشار على النبي محمد بتغيير موضع معسكره ليحولوا بين قريش وماء بدر وقد استحسن رسول الله رأيه وأمر به، توفى الحباب بعد أن جاوز الخمسين من عمره في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.