تفسير قوله تعالى ” اني نذرت للرحمن صوما فلن اكلم اليوم انسيا “
في سورة مريم الآية السادسة والعشرون، قال الله تعالى “فكلي واشربي وقري عينا ۖ فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمٰن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا”، وبعد ذلك يتبع تفسير هذه الآية الكريمة.
تفسير قوله تعالى `إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً`: تعني أنه تعهد بصوم للرحمن، لذا لن يتحدث اليوم
– تفسير الطبري : فسر الطبري قوله تعالى ( اني نذرت للرحمن صوما فلن اكلم اليوم انسيا )، يوجه الحديث للسيدة مريم ويقول لها اذا رأت أحد من بنى البشر يسألك عن وليدك فأخبريهم أنك صائمة ولن تكلم أحد من البشر.
قيل عن أنس بن مالك في تفسير قوله تعالى (إني نذرت للرحمن صوما): أنه صام صوما، وقيل عن ابن عباس: أنه يعني بالصوم الصمت، وقيل عن سليمان التيمي: إنه سمع أنسا يقول (إني نذرت للرحمن صوما وصمتا)، وقيل عن قتادة في تفسير الآية الكريمة: أن كلمة (صوما) تعني الامتناع عن الطعام والشراب والكلام.
قال الضحاك في قوله تعالى ( نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ) : كان من بني إسرائيل من إذا اجتهد صام من الكلام كما يصوم من الطعام، إلا مِن ذكر الله فقال لها ذلك، فقالت: إني أصوم من الكلام كما أصوم مِنْ الطعام إلا من ذكر الله فلما كلموها أشارت إليه، فقالوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا فأجابهم فقال إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ حتى بلغ ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ .
تختلف آراء المفسرين في سبب صمت النبي عن الناس، وقال بعضهم إنه لم يكن هناك دليل ظاهر يمكن أن يقدمه للناس، وترك التفسير لابنه. وقد ذكرت قصة حارثة التي كانت عند ابن مسعود، حيث جاء رجلان واحد منهما سلم والآخر لم يسلم. فسألهما ابن مسعود عن السبب، فأجاب أصحاب الرجل: أقسم أنه لن يتحدث إلى الناس اليوم. فقال عبد الله بن مسعود: تحدث إلى الناس وسلم عليهم، فإن هذه المرأة تعلم أنه ليس لديها أي دليل يقنع الناس بأنها حامل غير متزوجة، وهي تشير بذلك إلى مريم عليها السلام.
قال ابن زيد : عندما قال عيسى لمريم `لا تحزني`، ردت قائلة: كيف لا أحزن وأنت بجانبي، بدون زوج ولا ملك، لا يوجد لدي شيء يبرر عفتي في نظر الناس، ليتني مت قبل ذلك وكنت نسيا منسيا. فأجابها عيسى: أنا أكفيك الكلام، فإن رأيت أحدا من البشر، فقولي لهم إنني نذرت صوما للرحمن ولن أتكلم اليوم إلا بالصمت. فقالت: هذا كله كلام عيسى لأمه.
وقيل إن وهب بن منبه قال: `إذا رأيتِ أحدًا من الناس، قلتِ: إني نذرتُ صيامًا للرحمن، فلن أتكلم مع أحد اليوم`، أي سأمتنع عن الكلام.
هناك بعض الأشخاص الذين يرون أن هذه الآية تتحدث عن السيدة مريم وابنها النبي عيسى، وقد قال قتادة في بعض الحروف إنه يمكن أن يقرأ “صمتا” بدلا من “صوما”، وذلك لأنه لا يوجد امرأة جاهلة تنذر بالصوم مثل ما فعلت مريم، ويمكن أن تكون هذه الآية هي إشارة من الله إلى مريم وابنها فقط، ولا يحق لأي شخص النذر بالصمت لفترة طويلة، وقد قال قتادة أيضا إنه يمكن أن يقرأ “صمتا” في الحرف الأول، وكانت هذه الآية هي إشارة من الله إلى مريم وابنها.
وهناك من يقول أن السيدة مريم كانت صائمة في ذلك اليوم، وكان الصائم في ذلك الوقت يصوم عن الطعام والشراب والحديث مع الناس، لم تستطع مريم الكلام لأنها كانت صائمة، حيث قيل عن السديّ في قوله تعالى ( فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا) : من يكلمك (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ) فكان من صام في ذلك الزمان لم يتكلم حتى يمسي، فقيل لها: لا تزيدي على هذا.