قصة أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وتنسون أنفسكم
ما هي قصة أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وتنسون أنفسكم
يوجد خلف كثير من آيات وسور القرآن قصة أو سبب نزول، أو غرض، فالقرآن ليس كتابا غامضا أو مبهما، وحرام على الله أن ينزل كتابا بهذه الصفة. لذلك، بعض الآيات والسور تحتوي على قصص تحمل العبرة والعظة، وذلك بغض النظر عن وجود قصة خلفها أو لا، كقصة “أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسك
أما عن الآية أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وتنسون أنفسكم، فقصتها أنها نزلت في بني إسرائيل، والذين كانوا يأمرون الناس بالخير، وهو المقصود هنا، التوراة، وينسون أنفسهم من أتباع البر والخير، والذي هو النبي المذكور في كتبهم، ومعروف عندهم في التوراة، فكان المخاطب في تلك الآية هم بني إسرائيل.
الآية في سورة البقرة، ورقمها أربعة وأربعون، توجد في الجزء الأول من القرآن الكريم، في بداية سورة البقرة. تناولت هذه السورة قصة بني إسرائيل، حتى أن اسم السورة جاء من حادثة البقرة مع بني إسرائيل
يتحدث العلماء في هذه الآية عن خطأ يقع فيه الناس بسبب الالتباس أو عدم الفهم، وهو أن من لا يقوم بعمل الخير ليس عليه أن يأمر الناس بفعله. هذا الاعتقاد غير صحيح، فمفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو مفهوم أصيل في العقيدة الإسلامية ولا يرتبط بما إذا كان الشخص الذي يأمر يقوم بهذا الخير أو يمتنع عن المنكر
لذلك، كانت القصة عن إنكار بني إسرائيل للخير الذي لم يتوافق مع هواهم، ورفضهم اتباعه ومحاربته، ولم يكن الأمر مجرد عدم قيامهم بفعل الخير، بل كانت خصلة أخرى من خصالهم التي تتضح في هذه القصة.
في هذا الأمر، قال الشيخ بن عثيمين أن إنكار الفعل الذي يفعله بني إسرائيل والذي أنكره الله عليهم، يستند على اثنين من الأمور المجتمعين، وهما تناسيهم لأنفسهم
وفي ذلك أيضاً قال العلماء “قال أهل التفسير: أحدهم يأمر أفراد عائلته باتباع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ويقول: إنه الحق، ولكن يعرقله من الإيمان به منصبه وشهرته، ومن أمثلة ذلك أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قام بعلاج غلام يهودي مريض، وعندما دعا النبي صلى الله عليه وسلم الغلام للاتباع الصواب، نظر الغلام إلى والده وكأنه يستشيره
“” فقال له أبوه: أطع محمدًا، وأبوه يهودي، يقول: أطع محمدًا، فتشهد الغلام شهادة الحق، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنَ النَّارِ»(١)، أي بدعوتي، إذن هؤلاء اليهود من أحبارهم من يأمر الناس بالبر وهو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه ينسى نفسه، لا يؤمن.”‘
تتبين من ذلك أن قصة “أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم” تعود إلى الموقف الذي واجهه اليهود وبني إسرائيل فيما يتعلق بدعوة الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم، حيث يذكر هذا الأمر في كتابهم الذي يأمرون الناس باتباعه، ومع ذلك فإنهم يكفرون بالنبي وينكرون الحق الذي ذكر في التوراة.
تفسير أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وتنسون أنفسكم
تتعدد كتب التفسير المعتبرة والتي يجيز العلماء الالتجاء لها، والأخذ بما فيها واعتبار ما يقدمه العلماء فيها، وتلك الكتب مشهورة، قدمها علماء أفاضل، ومنها تفاسير سهلة ميسرة، ومنها ما يحتاج إلى متخصص أو دارس علم شرعي، أو حتى طالب للعلم الشرعي ليستطيع الوقوف على معانيها، وهنا عرض لتفسير مبسط لمعنى أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وتنسون أنفسكم.
جاء في تفسير الطبري “” القول في تأويل قوله تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾
قال أبو جعفر: تباين آراء المفسرين في معنى البر الذي كان المخاطبون بهذه الآية يأمرون الناس به وينسون أنفسهم، بعد أن اتفقوا على أن كل طاعة لله تعتبر برا. وورد عن ابن عباس أنه قال:-
وفي تفسير الطبري أيضاً يقول، حدثنا به ابن حميد، قال: نقل ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قوله تعالى: “أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب، أفلا تعقلون”، أي تحثون الناس على الإحسان والخير وتهملون أنفسكم، وأنتم تتلون الكتاب، وتتركون الإيمان بما تلقوه من النبوة والعهدة من التوراة، وتنكرون ما تعلمونه من كتاب ربكم.
وجاء في تفسير الشيخ السعدي: أتأمرون الناس بالبر أي بالإيمان والخير وتنسون أنفسكم، أي تتركون أنفسكم دون الالتفات إليه، والحقيقة هي أنكم تتلون الكتاب وأنتم لا تدركون معناه. وأعلى درجات العقل هي أن يعقل الإنسان ما ينفعه من الخير، وأن يتجنب ما يضره. فالعقل يحث صاحبه أن يكون أول من ينفذ ما يأمر به، وأول من يتجنب ما ينهى عنه. فإذا كان الإنسان يأمر غيره بالخير ولا يفعله، أو ينهى عن الشر ولا يتركه، فإن ذلك يدل على عدم عقله وجهله، وخاصة إذا كان على علم بهذا، فقد أهمل الحق وتركه بلا اهتمام.
تدبر أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وتنسون أنفسكم
لكل آية في القرآن الكريم، يكفي أن تقوم بتدبرها وفهمها وإدراك معانيها، والتعرف عليها، حتى يصبح عمل التدبر في هذه الآيات عملية قلبية واعية وعميقة، ولها أدواتها المناسبة. لا يجب أن يقوم بها إلا العلماء الذين يخشون الانحراف والخطأ. ومع ذلك، هناك نظرات بسيطة في الآيات يمكن أن تؤدي إلى تفسير أولي، كما في مثال آية `أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم`.
تبدأ الآية بسؤال استنكاري “أَتَأْمُرُونَ”، وهو استنكار لتصرفات اليهود، وهذا الاستنكار ليس بسبب عدم فعلهم الخير، وإنما بسبب نسيانهم أنفسهم من هذا الخير.
استخدام كلمة `تأمرون` بدلاً من الإرشاد أو الطلب هي دلالة على قوة عزيمتهم ورغبتهم في الحث على الخير، ولكن هذا يوضح التناقض الشديد بين موقفهم من دعوتهم للناس بالخير ونسيانهم لأنفسهم.
الدروس المستفادة من أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وتنسون أنفسكم
يعتبر العاقل هو من يتعلم الدروس من الأحداث والأمور والمواقف التي يواجهها، ولا يوجد كتابٌ يعطي مثل ما يعطي القرآن الكريم من الخير والهداية للناس، ومن بين الدروس التي يمكن استخلاصها من آية “أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وتنسون أنفسكم”، هي:
- الأمر بالمعروف
يجب القيام بالأمر بالمعروف في كل موقف يتطلبه الناس، مع مراعاة آداب هذا الواجب والقيام به، وعدم إسقاط الحكم الشرعي الهام بدونه، لأن ذلك يفسد الحياة ويفسد الناس، ويعد جزءًا من دعوة الأنبياء.
- النهي عن المنكر
قد يعتبر النهي عن المنكر أمرًا أشد أهميةً من الأمر بالمعروف، لأن المنكر يحمل خطرًا أكبر، ولا يجوز السكوت عنه، والسكوت عن خطر وفساد تحت أي مسمى يعتبر خطأ، ولكن هناك آداب يجب اتباعها واتخاذها في النهي عن المنكر والأمر بالمعروف.
- عدم الانسياق وراء الرغبات
أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم؟ نزلت في بني إسرائيل الذين نسوا دعوة البر والخير، ولكن نسيانهم كان بمعنى الجحود والرفض والإنكار، وهذا يتضمن التكبر وغمط الحق، والسير عكس طريق الصواب بسبب عدم توافقه مع الأهواء والرغبات، وكان بنو إسرائيل ينتظرون هذا الحق على لسان أحد منهم وليس عربيا مثل محمد صلى الله عليه وسلم.