تشير الأدبيات السياسية والفكرية إلى أن العدالة الاجتماعية هي نظام اقتصادي واجتماعي يسعى إلى إزالة الفوارق الاقتصادية بين طبقات المجتمع، ويصف المجتمع الذي يتسم بالعدالة الاجتماعية في جميع جوانبه، وليس فقط في العدالة القانونية. وتتمثل العدالة الاجتماعية، بشكل عام، في المعاملة العادلة في توزيع الدخل القومي، في حين تستمد العدالة الاجتماعية في الفكر الإسلامي من مفهوم العدل وتتجلى في منهج أخلاقي مشتق من منظومة فكرية وأحكام تشريعية تضمن للناس حقوقهم بدون ظلم أو تحيز.
مفهوم العدالة الاجتماعيّة في الإسلام
أقر الإسلام شريعة تهدف إلى تحقيق مجموعة من المقاصد والأهداف التي تحقق السعادة. تغطي الشريعة الإسلامية كل جوانب الحياة وتركز بشكل خاص على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، وذلك بسبب أهميتهما في تلبية احتياجات الأفراد والمجتمعات. وقد وضعت الشريعة الإسلامية مجموعة من القواعد والمبادئ والأسس المتكاملة التي تضمن تحقيق العدالة في المجتمع.
وضع الفقهاء المسلمون مجموعة من القواعد والمبادئ التي تؤثر في رؤية الشريعة الإسلامية للعدالة الاجتماعية. وقد وضعت الشريعة الإسلامية نظاما متكاملا يستند إلى مبدأ المشاركة الاجتماعية والمساواة في الحقوق. وحرص الإسلام، كما لم تحرص الشرائع السابقة، على قبول تطبيق هذا المنهج في أي زمان ومكان، نظرا لعدم تعارضه مع الطبيعة البشرية السوية.
أن الإسلام يتضمن مجموعة من الالتزامات المالية التي يجب على المسلمين الالتزام بها، مثل الزكاة والصدقة والوقف والكفارات والنذور، وتذهب جميع هذه الأموال إلى الفقراء كضمانة لتحقيق العدالة الاجتماعية، وأن الإسلام يهتم بتقليل الفوارق الكبيرة بين فئات المجتمع المختلفة لضمان تحقيق العدالة الاجتماعية دون إجحاف.
تأتي فكرة حث الإسلام على العمل وترقيته إلى درجة العبادة، وتأمين حرية التجارة ضمن سعي المجتمع لتحقيق الإنتاجية، التي تضمن عدم وجود فقراء في هذا المجتمع.
أسس العدالة الاجتماعيّة في الإسلام
يعتمد المنهج الذي وضعه الإسلام لتحقيق العدالة الاجتماعية على مجموعة من المبادئ التي تؤكد جميعها على مبدأ المساواة بين جميع الناس في الحقوق والواجبات، وتضمنها نصوص الشريعة الإسلامية في عقد اجتماعي يحميه. ويؤكد المنهج أن الناس متساوون بالحقوق والواجبات، ولا يوجد فضل للعرب على الأعجمي إلا بالتقوى، إضافة إلى مبادئ وقواعد حاكمة أخرى. كما يؤكد المنهج أن الإيمان بتلك الشريعة ومنهجها الرباني يزيل كل فارق بين الناس ويحقق العدل، ويساعد في تنظيم حياة الناس وتحقيق سعادتهم في الدنيا والآخرة.
مفهوم العدالة الاجتماعية في الفكر الإسلامي المعاصر
حاول معظم الكتاب والمفكرون الإسلاميون الذين تناولوا موضوع العدالة الاجتماعية في الإسلام، مثل الأستاذ أبو الأعلى المودودي والأستاذ سيد قطب والشيخ محمد الغزالي والسيد محمد باقر الصدر والأستاذ تقي الدين النبهاني، في تأصيل مفهوم العدالة الاجتماعية كقيمة إسلامية، وتحديد مكانتها في نظام القيم الإسلامية فكرا وعملا، وعرضوا تطبيقاتها العملية خلال الخلافة الراشدة، الأمر الذي ساهم في إبراز قدرة النموذج الحضاري الإسلامي على تقديم وطرح نظرية متكاملة لكل جوانب الحياة.
رغم الجهود الكبيرة التي بذلها هؤلاء المفكرين، فإن إنتاجهم الفكري لا يزال يواجه سيلًا من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات علمية دقيقة وتحليل عميق.
تتصدر أسئلة العدالة الاجتماعية والبحث عن تصور بديل للأزمة المطروحة في الحضارة الغربية المعاصرة، وذلك كجزء من هذه الأسئلة.