اصل مقولة اعتزل ما يؤذيك .. والدروس المستفادة منها
من قائل مقولة اعتزل ما يؤذيك
يسبب الأذى الذي يصيب الناس الألم ويحطم قلوبهم، ولذلك غالبا ما يبحث الناس عن أصل المقولة `أعتزل ما يؤذيك`، لأن الناس يعلمون أن الصبر على الأذى له ثواب عظيم، كما وصى الله تعالى عباده ورسوله الكريم بالصبر والتحمل قدر الاستطاعة.
يعود أصل المقولة للصحابي الجليل عمر بن الخطاب، وهو أحد الأصحاب المقربين للرسول الكريم ومبشري الجنة، وأطلق عليه الرسول صلى الله عليه وسلم لقب `الفارق` بسبب قدرته على تمييز الحق من الباطل وخوفه من إيذاء أي شخص. كان عمر بن الخطاب يتميز بالقوة الجسدية والتواضع والتفاني في خدمة رسول الله، وكان لديه ذكاء حاد وحكمة في الكلام والتوازن.
قال عمر بن الخطاب: لديه العديد من الأقوال التي تفيد كل الأمة الإسلامية، حيث كان لديه خبرة كبيرة في الحياة والحروب، وكان لديه علم كبير بالدين والسنة بسبب عيشه مع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. ومن بين أقوال الفاروق عمر: لا تعترض لما لا يعنيك، واعتزل عدوك واحذر من صديقك إلا الأمين، ولا يوجد أمين إلا من خشى الله، ولا تصاحب الفاجر فتتأثر بفجوره، ولا تفشي سرك له، واستشر في أمرك الذين يخشون الله. وفي مقولة أخرى: اعتزل ما يؤذيك، وابحث عن الصديق الصالح، وشاور في أمرك الذين يخافون الله عز وجل.
في الفقرات السابقة، عرض عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه منهجا متكاملا لحياة الإنسان. يجب على كل فرد اتباع تلك النصائح والعمل بها. على الرغم من أنها كلمات بسيطة، إلا أن أثرها عظيم عندما يتبعها ويفهمها الشخص. وصى عمر بألا يتدخل الإنسان فيما لا يعنيه وأن يعتزل عدوه الذي يؤذيه. والعدو المقصود هو الشخص الذي يؤذي ويدمر ويحطم قلب المرء؛ هذا الشخص هو عدو له ولدينه ويبعده عن ذكر الله ويشغله في الحزن. كما حذر الفاروق من الصديق الغير أمين والفاجر؛ حتى الصديق الغير أمين سيضر بصديقه ويفشي سره ويحقد عليه، والفاجر سيظن الناس أنه مثله وخلقه مثل خلق صديقه. وختم وصيته بأن يتشاور مع الذي يخشى الله ويتقيه، لكي تكون رسالته خالدة ومناسبة لجميع الأزمنة والعصور.
عند النظر إلى هذه الحكمة أو التوصية، يلاحظ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد جمع كل الأمور التي يمكن أن تسبب الضرر للإنسان ونهى عن فعلها، وتشمل ذلك العدو والصديق الفاسد والفاجر والغير أمين، لذلك يجب الابتعاد عن كلما يؤذينا والاحتفاظ فقط بالأشخاص الصالحين في حياتنا.
الدروس المستفادة من مقولة أعتزل ما يؤذيك
الاعتزال عن الأذى الشديد يعود بالنفع إلى الشخص الذي يمارسه، لأن كثيرا من الناس يفقدون صبرهم ويصبحون غير قادرين على تحمل الأذى الذي يتعرضون له من الأشخاص المقربين أو الغرباء أو زملاء العمل. وفي هذا الوقت، يحدث صراعات ومشاكل بين الناس على المال والعمل والترفيه ويزداد الناس فيه الأذى المتبادل بسبب غياب الدين والتفكير في حقوق الآخرين. لذلك، يمكن أن يكون الاعتزال خيارا مفيدا في بعض الحالات، حيث يمكن أن يتعلم الفرد دروسا عظيمة من الاعتزال عن الأشخاص الذين يتسببون في الأذى، ومن بين هذه الدروس:
- بعد ابتعاد الناس عن مصدر الأذى، يشعرون بالراحة والسكينة، وهما المشاعر الأساسية التي توفر الأمان والراحة.
- من الممكن أن يشعر الظالم أو المؤذي بالندم على ما فعله، ويتوب ويستغفر الله ويحاول إصلاح أوضاعه وأوضاع المجتمع.
- يمكن أن يوقف اعتزال الأذى الشديد الصراعات ويمنع المزيد من المشاكل والعداوات المستقبلية.
- يعتبر الانسحاب من الأذى أفضل من الانتقام، والصمت أفضل من الدخول في حرب غير ضرورية.
- يجب تجنب إيذاء حقوق الإنسان على نفسه، حيث يضعف الإنسان بشكل عام ويقلل من رغبته في الحياة، ويشغله عن دينه وعمله.
- عندما قال الفاروق عمر: `اعتزل ما يؤذيك، صرح ورخص للمسلمين كخليفة وأمير لهم، اعتزال الأذى الذي قد يكون ثقلًا في رقابهم وغصة في قلوبهم`.
- يجب على المرء تحقيق اعتزال الأذى الذي يؤذيه ويضعف عقيدته ويقلل من إيمانه ويقربه من الله.
- يتمثل اعتزال الأذى ليس فقط في عدم اللقاء، بل يشمل أيضًا عدم التفكير فيه، وهو أفضل الأمور التي تزيل الهم والغم والحزن عن النفس.
اعتزال الأذى في الإسلام
إن الدين الإسلامي هو دين طيب لا يقبل إلا الطيب، فكثيرا ما أكد الله تعالى ورسوله الكريم على العباد بعدم إيذاء الآخرين وعدم ارتكاب الفواحش. وأمرنا الدين بالابتعاد عن إيذاء الآخرين، كما قال أبو ذر عندما سأل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: `يا رسول الله، أي عمل هو الأفضل؟` فأجاب: `الإيمان بالله والجهاد في سبيله`. ثم سأل: `فأي الرقاب هو الأفضل؟` فأجاب: `أغلى الرقاب ثمنا وأعزها على أهلها`. ثم قال: `فإن لم تستطع فتجنب الأذى عن الناس، فإنها صدقة تصدق بها على نفسك`. وفي رواية أخرى من مسلم: `اكف شر الناس عنهم، فإنها صدقة تصدق بها على نفسك`.
فإن الدين الإسلامي لا بقبل الأذى، ولكنه لا يشجع العزلة، لأن الاعتزال ليس من شيم المسلم الحق، فالله تعالى أمرنا بالاختلاط والجماعة والاجتماع على الحق والصدق والخير والتقوى، ولكن في أضيق الحدود وإذا لم يكن هناك مفر من الأذى فيجب الاعتزال والهجر الجميل، كما قال الله عز وجل في كتابع العزيز في سورة المزمل آية10 “وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا”، كما أن العلماء أجمعوا أن لا يجوز للمرء أن يهجر أخاه فوق الثلاث أيام، إلا يكون بذلك مخالف لشرع الله عز وجل، ويكون في مفسده في دينه ودنياه، إلا في حالة كان الاختلاط مؤذياً وفساد فالهجر الجميل خير من المخالطة المؤذية.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل يعاني من تدمير حياته وحياة زوجته من قبل أهل زوجته الذين يسببون له الإزعاج باستمرار. سأل الرجل عن حكم تركهم وعدم زيارتهم. أجاب الشيخ بأنه من حقه عدم المودة لهم ومنع زوجته أيضا من زيارتهم إذا كانوا يفسدون حياته الدنيوية وحياته ويفسدون زواجه.
فضل الصبر عن الأذى
برغم أن اعتزال الأذى جائز في الدين والهجر الجميل خير من القرب في حرب وفساد في الدين والدنيا، إلا أن الدين الإسلامي يوصي بالصبر والتحمل، فكلما صبر الإنسان وتحمل زاده الله من خيره وفضله، حيث إن الله تعالى يقول في كتابه العزيز في سورة الشورى آية43 ” وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ”.
وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: `إن المسلم الذي يعيش بين الناس ويتحمل أذاهم خير من المسلم الذي لا يعيش بين الناس ولا يتحمل أذاهم.` وفي رواية أخرى للألباني، قال النبي صلى الله عليه وسلم: `من كظم غضبه وهو قادر على أن ينتقم، دعاه الله تعالى فوق رؤوس الخلائق حتى يخيره في حور العين من يشاء.` صدق رسول الله الكريم.