انشودة امام العلم والرأي المجلي
بعد وفاة الشيخ بن باز رحمه الله، انفعل الشاعر الكبير أحمد الصالح لفقدانه، وقد كتب قصيدة تحت عنوان `إمام العلم والرأي المجلي`، وفيها ينعى الشيخ بن باز ويذكر إنجازاته.
الشاعر أحمد الصالح
تم ولادة الشاعر أحمد الصالح في مدينة عنيزة في عام 1362 هـ، ودرس في مدارسها حتى الصف الأول من الثانوية، ثم انتقل إلى الرياض ليكمل دراسته هناك، وحصل على درجة البكالوريوس في التاريخ من • الجامعة الإسلامية الأميرية محمد بن سعود، وأكمل أربع دورات في مجال الإدارة والتخطيط في معهد الإدارة العامة بالرياض. عمل كموظف في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية منذ عام 1383 هـ حتى تقاعده في عام 1418 هـ، وكان يشغل منصب مدير عام لإدارة التخطيط في وكالة الضمان الاجتماعي.
أصدر أربعة دواوين ضمن مجموعة شعرية أولى هي : عندما يسقط العرّاف، ينبض وطني في عينيك، يا جميلتي، قصائد في زمن السفر
وله أربعة دواوين أخرى ستصدر قريبا , هي ” تورقين البأساء ـ تشرقين في سماء القلب ـ ولديك يحتفل الجسد ـ الأرض تجمع أشلاءها “، ولديه ديوان خامس تحت الإعداد للنشر عدا بعض القصائد الإخوانية، نشرت له الصحف والمجلات السعودية قصائد ودراسات عن شعره، وشارك في عدد من الأمسيات داخل المملكة وخارجها تناول شعره عدد من الدارسين، كما كان شعره موضوعا لعدد من الرسائل العلمية (ماجستير ودكتوراه).
الرثاء أحد فنون الشعر العربي
الرثاء هي إحدى فنون الشعر العربي التي ازدهرت به، وتعتبر واحدة من أهم الفنون الشعرية العربية، وتتميز بالصدق في التعبير عن تجربة الفقد وشدة العاطفة والتعبير الدقيق عن المشاعر والأحاسيس، ويحتوي الأدب العربي على تراث ضخم من المراثي منذ الجاهلية حتى الوقت الحاضر.
ينقسم هذا اللون الشعر إلى ثلاثة أقسام، وهي الندب، التأبين، والعزاء، والندب هو بكاء النفس في ساعة الاحتضار وبكاء الأهل والأصدقاء وأخوة الفكر والاتجاه والمشرب، وحتى ندب الوطن والدولة عند تعرضهما لمحنة قاسية.
فيما يتعلق بالتأبين، فهو يختلف عن الندب لأنه ليس بالنواح أو النشيج، حيث يأتي بالقرب من تعداد الصفات الحسنة والخصال الطيبة، بشكل يشبه إشادة شخصية مرموقة أو عزيزة محترمة في المجتمع، ويكون الندب في النهاية تعبيرا شعريا يعبر عن حزن الجماعة على المتوفى بدلا من أن يكون تعبيرا فرديا عن الألم الذي يشعر به الفرد عند فقدانه لهذه الشخصية العزيزة التي تستحق التأبي.
يتمثل الجزء الثالث من الرثاء في التعزية، وهو يأتي في مرتبة فكرية أعلى من مرتبة التأبين، حيث يحاول الشاعر الوصول إلى ما وراء الموت، ويتميز بطابع فلسفي تأملي في حقيقة الحياة والميلاد والموت والعدم، ويتضمن تأملات رحبة في رؤى فلسفية عميقة.
تحتوي هذه الألوان الثلاثة على فواصل ضعيفة جدًا تكاد لا توجد من شدة ضعف ارتباطها، ولا يوجد لون منها إلا ويعتمد بشكل أو بآخر على لون آخر، مع امتلاكه بعض الخصائص الفريدة والمعتمدة على بعض السمات الرئيسية والفواصل الأساسية. وعندما يسيطر لون ما، يمنح العمل طابعه العام ويتميز بسماته وخصوصيته.
لدينا اليوم العديد من تراث المراثي الذي يمثل تنوعا لعصور أدبية مختلفة في اتجاهاتها وألوانها الفكرية، ولا يوجد ما يضاهي شعرية المراثي التي خلدها شعراء الجاهلية، حيث تميزت بالنضج الفني وتجاوزت بداياتها الأولى وتطورت. أصبحت لها قوالب وصيغ محددة، وبالطبع لها أساليبها وصورها المميزة والسمات الفريدة التي ترمز لها بمفهوم الحكمة والفرادة. تطورت قصيدة الرثاء مثلما تطورت باقي أشكال القصيدة العربية نتيجة ظهور الإسلام وتأثيره الفكري عليها.
تطور الرثاء
تطورت صور الرثاء ونماذجه وتعددت دواعيه وبواعثه، وعند محاولتنا توازن العناصر المختلفة للمرثية في مجموعة متعددة من المراثي التي تمثل تطور الزمن وتعقد الحياة، نجد مجموعة من الحقائق التي يمكن تمثيلها بشكل بياني، بدءا من العصر الجاهلي ووصولا إلى العصر الحالي، ويمتد خط التمثيل بين الطرفين بشكل تدريجي ويصل إلينا في الوقت الحاضر.
قصيدة امام العلم والرأي المجلي
كبير أن تكون لنا.. المصابا لقد متعتنا.. حِججا.. عذابا
ألست ضمير أمتنا أمينا ترد ضلال من في الغي شابا
كبرت مجاهدا ورعا تقيا مضيئا في تألقه شهابا
عظيما في تواضعكم.. حليما بسطت لكل معضلة جوابا
لقد فزَّعت.. كل الناس حبا فكيف وأنت أزمعت الغيابا
أبا العلماء.. والفقراء.. إنا نكاد نعيش دنيانا.. اغترابا
حلتت شغافها حبا.. وعفت – عن الدنيا – خلائقك احتسابا
وألقيت المهابة.. في جلال على العلما.. فأصبحت المهابا
أرى.. كرسي فتواك.. يستنجد به العواطف.. ينتظر العودة
وطلاب.. تحروك اشتياقا تعلمهم.. وتلقيهم خطابا
كأنهم إلى لقياك ساروا لتسمعهم من التشريع بابا
يتاماك.. المنابر مطرقات ومن عشقوا إلى العلم الكتابا
قلوب المسلمين تزف نعشا إلى من لا يخيِّب.. من أنابا
لئن رفعوا على الأكتاف نعشا فقد حملت قلوبهم المصابا
.. وأن له.. إلى الرحمن وفدا -بإذن الله- لن يخشى الحسابا
إمام العلم والرأي المجلي لك العتبى ولم تأت العتابا
وألقيت المهابة.. في جلال على العلما.. فأصبحت المهابا
وداعك.. في النفوس له أوار وفقدك هز من حزن شبابا
أرى.. كرسي فتواك.. استجابه العبرات.. ينتظر الإيابا
ومحراب.. تعطره.. بآي من الذكر الحكيم.. إليك ثابا
وطلاب.. تحروك اشتياقا تعلمهم.. وتلقيهم خطابا
أرى الجمع العظيم بكل فج تسيل جموعهم فيه انصبابا
كأنهم إلى لقياك ساروا لتسمعهم من التشريع بابا
وتفتيهم.. وتقرئهم دروسا وتمنحهم من العلم اللبابا
يتاماك.. المنابر مطرقات ومن عشقوا إلى العلم الكتابا
بذلت لهم.. مواعظ نيرات أزالت عن بصائرهم حجابا
قلوب المسلمين تزف نعشا إلى من لا يخيِّب.. من أنابا
أشاهد الحرم الشريف وهو يتموج بالخلق، كأن صوتهم يهديني.. عجبا عجابا
لئن رفعوا على الأكتاف نعشا فقد حملت قلوبهم المصابا
أليس إمام سنتهم مسجى وأن رحيله.. قد صار قابا
.. وأن له.. إلى الرحمن وفدا -بإذن الله- لن يخشى الحسابا
قلوبهم.. إذا يحثون تُربا لتغبط في محبته.. الترابا
إمام العلم والرأي المجلي لك العتبى ولم تأت العتابا
وداعا – يا حبيب الناس- إنا بفقدك.. نسأل الله الثوابا