بحث عن زواج القاصرات
تشهد المجتمعات العربية ظاهرة اجتماعية خطيرة بشكل متزايد في الفترة الأخيرة، وهي ظاهرة زواج القاصرات. وعلى الرغم من الجهود المستمرة التي تبذلها العديد من المؤسسات المعنية لمواجهة هذه الظاهرة، بما في ذلك مؤسسات المجتمع المدني، وعلى الرغم من إدراج العديد من الأنظمة التشريعية في بعض الدول العربية زواج القاصرات ضمن جريمة الاتجار بالبشر وتشديد عقوبة الأطراف التي سهلت حدوث تلك الجريمة.
ومع ذلك، يقوم بعض الأسر بتجاهل كل هذه التحديات ومحاولات المواجهة ويقومون بتزويج الفتيات القاصرات من بناتهم، بحجة الضغط المادي والظروف الاقتصادية. يعتمد البعض على تبرير هذا الفعل بناء على تراث ديني وفقهي وعادات اجتماعية قديمة. وقد بدأ العديد من رجال الدين في المؤسسات يواجهون هذه المسألة بنقاش فقهي وتجديد خطابهم الديني بهذه القضية التي لن تنتهي أو تحل بدون تعاون فعال بين جميع الهيئات والمنظمات الحكومية والمدنية في جميع القطاعات.
الأسرة أساس المجتمع
شرع الله سبحانه وتعالى الزواج ووضع له ضوابطا وأسسا حتى يستمر الحياة ويستمر وجود الجنس البشري، وتعتبر الأسرة الأساس الذي يقوم عليه المجتمع، ولهذا يولي الدين الإسلامي اهتماما بالغا لها، ويضع الفقه قواعد حاكمة وضوابط تنشأ على هديها والالتزام بها المجتمعات الإسلامية، ولأن الزوجين هما عماد الأسرة وبنيتها الأولى، فضلت الأسس لتأسيس تلك الأسرة المسلمة، وتبدأ هذه الأسس باختيار الزوجين اللذين يقع عليهما عبء بناء الأسرة ورعايتها، لذلك تأخذ قضية زواج القاصرات أهمية قصوى لما تنطوي عليه من تداعيات خطيرة تؤثر بشكل كبير على الفتاة القاصر من حيث صحتها النفسية والبدنية، بالإضافة إلى ضررها الاجتماعي، وكذلك تتعرض المجتمع لمشكلات عديدة جراء انتشار هذه الظاهرة.
أسباب انتشار ظاهرة زواج القاصرات
وضعت بعض الدول العربية نصوصا ضمن قوانين الأحوال الشخصية والمدنية بها تسمح بوجود هذا الزواج حيث يتم التغاضي عن السن القانونية لزواج الفتيات إذا كانت دونها لأسباب يراها القاضي الشرعي مقنعة لتزويج هذه الفتاة القاصر، وهو الأمر الذي يسمح بوجود هذه الظاهرة التي باتت محمية بموافقة جهة شرعية هي القاضي، ومن أسباب انتشار زواج القاصرات ما يلي
الجهل هو ظاهرة شائعة في المجتمعات التي يقل مستوى التعليم فيها، وتجعل أولياء الأمور غير مدركين بشكل كامل للمخاطر الجسدية والنفسية والاجتماعية الجسيمة التي يمكن أن تتعرض لها الفتاة القاصر نتيجة للزواج المبكر.
بسبب الفقر وقلة دخل الأسر المكونة من عدد كبير من الأفراد، قد يتزوجون بعض الأهل بناتهم القاصرات، مما يضطرهم للموافقة على زواجهن، حتى يتمكنوا من تخفيف الأعباء المادية التي يواجهونها. وقد يكون الدافع للزواج المبكر من القاصرين مرتبطا بالفقر، أو أن يكون الدافع للأسرة هو زواج الفتاة القاصر من شخص ثري يمكنه مساعدتها على الخروج من حالة الفقر. ويعرف هذا النوع من الزواج بـ”زواج الصفقة.
3- المخاوف الاجتماعية، تشكل المخاوف الاجتماعية لدي بعض الأسر هاجسا يدفعهم للقيام بارتكاب هذه الجريمة التي بالطبع لا تعادل تلك المخاوف، حيث يخشى الوالدين من عدم زواج ابنتهم ودخولها في ما يسمى بالعنوسة، أو الخوف من تعرض فتاتهم لمشكلة لها علاقة بالشرف، كأن تقيم علاقة مع شاب أو يغرر بها أو يتم الاعتداء عليها، وهو الخوف الذي يدفع ولي الأمر إلى سرعة تزويج بنته القاصر، وكأنه يزيح هذه المخاوف عن رأسه بزواجها.
4- الموروث والعادات الاجتماعية، مازالت بعض المجتمعات العربية تنظر للفتيات نظرة دونية، فلا يشفع للفتاة تعليمها أو تفوقها، فالتركيبة الاجتماعية للقبائل وسكان الريف لا تجد غضاضة في هذا الزواج وتراه فعلا طبيعيا كفله الشرع والدين، وهو أمر مقبول دون اعتبار للفتاة وكرامتها الإنسانية.
المشكلات الناجمة عن زواج القاصرات
أثبتت العديد من الدراسات والأبحاث أن زواج القاصرات يشكل مشكلة تتسبب في مجموعة من المخاطر التي تتعرض لها الفتاة القاصرة وأيضًا المجتمع، ومن بين المشاكل التي تواجه الفتاة القاصرة نتيجة الزواج المبكر هي.
1ـ تتعرض القاصرات المتزوجات إلى العديد من الاضطرابات النفسية، ومنها القلق والاكتئاب، واضطراب ثنائي القطب، وأظهرت الدراسات النفسية أن الفتيات اللائي تزوجن وهن قاصرات، إذا لم يعانين من مشكلات نفسية بعد الزواج مباشرة، فإنهن أكثر عرضة للاصابة بالأمراض النفسية في المستقبل.
2ـ يواجه الزواج المبكر مشكلات صحية، حيث لا تكون الفتاة القاصر قادرة على الإنجاب بنجاح بسبب عدم وصول جهاز التناسلي للنضج، مما يزيد من خطر الإصابة بمشاكل صحية مثل الحمل المبكر وتسمم الحمل وفقر الدم والأنيميا وحمى النفاس وغيرها، بالإضافة إلى خطر الولادة المبتسرة التي تؤثر على صحة الجنين.
3ـ زيادة معدلات الإجهاض.
4ـ زيادة الإصابة بالعدو ىالبكتيرية.
مشكلات اجتماعية
لا يُسمح للفتيات القاصرات المتزوجات بأداء مهام الأسرة وتربية الأطفال، حيث تُعتبر القاصر في القانون طفلة، وعندما تتزوج وتنجب فهي طفلة مطالبة برعاية وتربية طفلة أخرى. ونتيجة لهذا الضغط، تتعرض الفتاة للضغوط النفسية والقلق وعدم الشعور بالأمان الاجتماعي.
تزيد حالات الطلاق بسبب عدم قدرة المرأة القاصر على تحمل مهام الأسرة، وعدم نضجها العقلي والفكري، مما يؤدي إلى العديد من المشكلات اليومية التي تسبب في الطلاق، وهذا يزيد الضغط الاجتماعي على الفتاة.
يمثل الزواج المبكر عائقًا أمام التنمية ومشاريع النهوض والتطور الاقتصادي، حيث يؤدي إلى تسرب الفتيات من التعليم وعدم إكمالهن لتعليمهن، مما يزيد من انتشار الأمية وتقليل فرص العمل وزيادة قوة العمل غير المتعلمة.