شعر الصباح من نزار قباني
الشاعر نزار قباني، الذي اشتهر بقصائده الرومانسية والتي تعبر عن احترامه العميق للمرأة، قدم الكثير من القصائد التي تتحدث عن الصباح .
من هو نزرار قباني ؟
ولد نزار قباني في 23 مارس 1923 في دمشق بسوريا، لعائلة من الطبقة المتوسطة، وكان لديه أخت وثلاثة أشقاء. كان والده يدعم حركة المقاومة السورية خلال الانتداب الفرنسي على سوريا وكان يسجن في كثير من الأحيان بسبب نشاطه الثوري، وقد أثرت وفاة أخته الكبرى التي انتحرت عندما كان عمره 15 عاما لأنها لم تتمكن من الزواج من حبها، على نزار قباني، الذي قرر المضي قدما في الدفاع عن حقوق المرأة.
تخرج من الجامعة السورية بدرجة البكالوريوس في الحقوق عام 1945. وفي ذلك الوقت، كتب قصيدته الأولى “قالت لي السمراء” (1945) التي تضمنت مجموعة من الأبيات الرومانسية، ولكنها تضمنت أيضًا مواضيع إثارة جنسية وشذوذ جنسي.
بعد التخرج عمل قباني في وزارة الخارجية السورية كقنصل في مدن مثل بيروت والقاهرة ومدريد ولندن، وفي في عام 1966 استقال من منصبه في غضون ذلك أسس دار للنشر في بيروت كتب قصائد أخرى ندد فيها بالمشكلات الاجتماعية خاصة موقف المرأة العربية التي انتقده مرارًا وتكرارًا ويمكن أيضاً أن يعزى هذا إلى انتحار أخته.
عندما سئل إذا كان مبدعا، أجاب قباني بقوله: “الحب محتجز في المجتمع العربي، وأرغب في تحريره، أود أن أحرر الروح العربية والشعور والجسد من خلال شعري وتحسين العلاقات بين الرجال والنساء في مجتمعنا”. نزار كان واحدا من أكثر المثقفين والمتقدمين في عصره.
نزار قباني والحياة السياسية
تمثل الهزيمة في عام 1967 نقطة تحول في شعر قباني، على الرغم من أنه لم يكن يكتب شعرًا سياسيًا بشكل كبير، وفي ملاحظات هامشية في يوميات الهزيمة، كان ينتقد بشدة التفكك العربي، وينتقد حكام الدول العربية لعدم منح الفرصة للأفراد للتعبير عن أنفسهم بحرية والعمل بشكل تلقائي في مجتمعات حرة.
اتهم بعض النقاد قباني بأنه لا يمكنه كتابة الشعر السياسي كونه شاعر الحب، وأنه أفسد جيل الشباب وأخلاقهم، واتهموه بأصعب الاتهامات مثل الخيانة، مشيرين إلى أنه استمتع بانهيار العرب ودمر أي أمل متبق، كما يساعد العدو الذي يرغب في رؤية العرب يائسين تماما، وحتى المصريون منعوه من دخول بلادهم
المأساة حول زوجته بلقيس
تزوج قباني مرتين ، الأولى كانت ابنة عمه زهرة ، وأنجبا ابنة وابنًا ، وتوفي الابن بسبب نوبة قلبية عند سن 17.
وفي وقت لاحق تزوج من بلقيس العراقي الراوي و كان لديهم معًا ابن يسمى عمر وابنة تدعى زينب، وقتلت بلقيس عام 1982 في حرب أهلية لبنانية في هجوم بسيارة مفخخة على السفارة العراقية، و عانى الشاعر كثيرا من وفاة زوجته الحبيبة، عبر عن إحباطه من قصيدة “بلقيس” وتوفى قباني 30 أبريل لعام 1998 ودفن في مسقط رأسة بدمشق.
شعر صباحي لنزار قباني
قصيدة صباحك سكر
إذا مر يوم ولم أتذكر
به أن أقول صباحك سكر
فلا تحزني من ذهولي وصمتي
ولا تحسبي أن شيئًا تغير
فحين أنا لا أقول أحبك
فمعناه أني أحبك أكثر
إذا ما جلستِ طويلاً أمامي
كـ مملكة من عبير ومرمر
وأغمضت عن طيباتك عيني
وأهملت شكوى القميص المعطر
فلا تنعتيني بموت الشعور
ولا تحسبي أن قلبي تحجر
أحبك فوق المحبة لكن.
دعيني أراك كما أتصور
صباحك سكر.
صباحك سكر .
إذا مر يوم ولم أتذكر
به أن أقول صباحك سكر
صباحك سكر .
صباحك سكر
صباحُ الخيرِ يا حلوة..
صباحُ الخيرِ يا قدّيستي الحلوة
مضى عامانِ يا أمّي
على الولدِ الذي أبحر
برحلتهِ الخرافية
وخبّأَ في حقائبهِ
صباحَ بلادهِ الأخضر
وأنجمَها، وأنهُرها، وكلَّ شقيقها الأحمر
وخبّأ في ملابسهِ
طرابيناً منَ النعناعِ والزعتر
وليلكةً دمشقية..
أنا وحدي..
دخانُ سجائري يضجر
ومنّي مقعدي يضجر
وأحزاني عصافيرٌ..
تفتّشُ –بعدُ – عن بيدر
عرفتُ نساءَ أوروبا..
عرفتُ عواطفَ الإسمنتِ والخشبِ
عرفتُ حضارةَ التعبِ..
طافتْ الهندُ، طافتْ السندُ، طافَ العالمُ الأصفرُ
ولم أعثر..
على امرأةٍ تمشّطُ شعريَ الأشقر
وتحملُ في حقيبتها..
إليَّ عرائسَ السكّر
وتكسوني إذا أعرى
وتنشُلني إذا أعثَر
أيا أمي..
أيا أمي..
أنا الولدُ الذي أبحر
ولا زالت بخاطرهِ
تعيشُ عروسةُ السكّر
فكيفَ.. فكيفَ يا أمي
غدوتُ أباً..
ولم أكبر؟
صباحُ الخيرِ من مدريدَ
ما أخبارها الفلّة؟
بها أوصيكِ يا أمّاهُ..
تلكَ الطفلةُ الطفله
فقد كانت أحبَّ حبيبةٍ لأبي..
يدلّلها كطفلتهِ
ويدعوها إلى فنجانِ قهوتهِ
ويسقيها..
ويطعمها..
ويغمرها برحمتهِ..
.. وماتَ أبي
ولا زالت تعيشُ بحلمِ عودتهِ
وتبحثُ عنهُ في أرجاءِ غرفتهِ
وتسألُ عن عباءتهِ..
وتسألُ عن جريدتهِ..
وتسألُ –حينَ يأتي الصيفُ –
عن فيروزِ عينيه..
لتنثرَ فوقَ كفّيهِ..
دنانيراً منَ الذهبِ..
سلاماتٌ..
سلاماتٌ..
إلى بيتٍ سقانا الحبَّ والرحمة
إلى أزهاركِ البيضاءِ.. فرحةِ “ساحةِ النجمة”
إلى تختي..
إلى كتبي..
إلى أطفالِ حارتنا..
وحيطانٍ ملأناها..
بفوضى من كتابتنا..
إلى قططٍ كسولاتٍ
تنامُ على مشارقنا
وليلكةٍ معرشةٍ
على شبّاكِ جارتنا
مضى عامانِ.. يا أمي
ووجهُ دمشقَ،
عصفورٌ يخربشُ في جوانحنا
يعضُّ على ستائرنا..
وينقرنا..
برفقٍ من أصابعنا..
مضى عامانِ يا أمي
وليلُ دمشقَ
فلُّ دمشقَ
دورُ دمشقَ
تسكنُ في خواطرنا
مآذنها.. تضيءُ على مراكبنا
كأنَّ مآذنَ الأمويِّ..
قد زُرعت بداخلنا..
كأنَّ مشاتلَ التفاحِ..
تعبقُ في ضمائرنا
كأنَّ الضوءَ، والأحجارَ
جاءت كلّها معنا..
أتى أيلولُ يا أماهُ..
وجاء الحزنُ يحملُ لي هداياهُ
ويتركُ عندَ نافذتي
مدامعهُ وشكواهُ
أتى أيلولُ.. أينَ دمشقُ؟
أينَ أبي وعيناهُ
وأينَ حريرُ نظرتهِ؟
وأينَ عبيرُ قهوتهِ؟
سقى الرحمنُ مثواهُ..
وأينَ رحابُ منزلنا الكبيرِ..
وأين نُعماه؟
وأينَ مدارجُ الشمشيرِ..
تضحكُ في زواياهُ
وأينَ طفولتي فيهِ؟
أجرجرُ ذيلَ قطّتهِ
وآكلُ من عريشتهِ
وأقطفُ من بنفشاهُ
دمشقُ، دمشقُ..
يا شعراً
على حدقاتِ أعيننا كتبناهُ
ويا طفلاً جميلاً..
من ضفائره صلبناهُ
جثونا عند ركبتهِ..
وذبنا في محبّتهِ
إلى أن في محبتنا قتلناهُ…