بحث عن حلاوة الإيمان
يشعر المؤمن بحلاوة وطعم الإيمان ويستمتع بها، ولا يمكن لأحد أن يشعر بهذه الحلاوة ويستمتع بها إلا إذا كان قلبه يحمل محبة الله تعالى ومحبة رسوله – صلى الله عليه وسلم – وهذه المحبة تحركه ليفضل حب الله تعالى ورسوله – صلى الله عليه وسلم – على حب نفسه، وتحركه ليهرب من الكفر، وتحركه ليحب ما يحبه الله تعالى ورسوله – صلى الله عليه وسلم – ويكره ما يكرهه الله تعالى ورسوله – صلى الله عليه وسلم – وهكذا يكون وليا لله تعالى. وفي الحديث النبوي: “ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار”. وفي الأثر عن ابن عباس: “من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله؛ فإنما تنال ولاية الله بذلك.
كيف ينال الفرد حلاوة الإيمان ؟
فهموا أن حلاوة الإيمان تأتي بتقديم العبد حب الله تعالى ورسوله – صلى الله عليه وسلم – فوق كل ما يشتهي، وفي الحديث الشريف: (من رضي بالله ربا والإسلام دينا ومحمدا رسولا فقد ذاق طعم الإيمان).
فالمؤمنون لا يولون محبة أي شخص على محبة الله تعالى ورسوله – صلى الله عليه وسلم -، وقد قال تعالى: “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ
_ وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: [ثلاثة هم الذين يجدون حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليهم من سواهم، وأن يحب المرء الآخر فقط لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يلقى في النار](متفق عليه عن أنس). وبناء على ذلك، يجب أن تتجلى حلاوة الإيمان في قلب كل مسلم حتى يستمتع بالسعادة الروحية ويشعر بنعمة القناعة والرضا، وتظهر آثار الإيمان على أعماله وأعضائه.
أثر حلاوة الإيمان
لحلاوة الإيمان تأثير قوي في حياة الإنسان، حيث تُبث في نفسه روح الشجاعة والإقدام، والجرأة الأدبية في القول بالحق، وتربي فيه على ملكة التقوى، وتنير له سبيل الحق والهدى.
الإيمان الصادق يتجلى خلال الابتلاء، حيث يزداد إيمان المؤمن وتسليمه لله وصبره وتحمله للمحن. فالابتلاء هو اختبار للإيمان، وقد قال الحسن البصري رحمه الله: “كان الناس في الخير، فإذا ابتلي بالشر انكشف الخير عن كثير منهم”. ويجعل الإيمان الصادق المسلم راضيا عن قضاء الله وقدره، ومستسلما لأمره .
الإيمان الحلو يمنحك القوة والشرف ويسهل عليك كل سهل ويخفف عنك كل صعب، ويجمل حياتك بالرضا الكامل عن الله. كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: `ما أصبت بمصيبة إلا كان لله علي فيها أربعة نعم: أنها لم تكن في ديني، وأنها لم تكن أعظم من قدرتي عليها، وأنني لم أحرم الرضا عندما حلت، وأنني أرجو ثواب الله عليها`.
وقال حاتم بن الأصم بنيت توكلي على أربعة أمور: علمت أن الله يراني، فأنا أراقبه. وعلمت أن رزقي لا يأخذه أحد غيري، فأنا مطمئن به. وعلمت أن عملي لن يقوم به أحد غيري، فأنا مشغول به. وعلمت أن الموت ينتظرني، فأنا مستعد له.
وقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : لَيْسَ غِنًى أَغْنَى مِنْ سُكُونِ الْقَلْبِ ، وَلَيْسَ فَقْرٌ أَفْقَرَ مِنَ اضْطِرَابِ الْقَلْبِ ، وَلَيْسَ عِزٌّ أَعَزَّ مِنَ الزُّهْدِ ، وَلَيْسَ ذُلٌّ أَذَلَّ مِنَ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالطَّمَعِ ، وَلَيْسَ شَرَفٌ أَشْرَفَ مِنَ الْيَقِينِ ، وَلَيْسَ دَرَجَةٌ أَعْلَى مِنَ الصَّبْرِ ، وَلَيْسَ حَلاوَةٌ أَحْلَى مِنْ مَحَبَّةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلَيْسَ مَرَارَةٌ أَمَرَّ مِنْ سَخْطِهِ ، وَلَيْسَ زَيْنٌ أَزْيَنَ مِنَ التَّوَاضُعِ ، وَلَيْسَ جَهْلٌ أَجْهَلَ مِنَ الْكِبْرِ ، وَلَيْسَ قُوَّةٌ أَقْوَى مِنَ الْجُوعِ ، وَلَيْسَ دَاءٌ أَدْوَى مِنَ التَّعَرُّضِ لِسَخْطِ اللهِ ، وَلَيْسَ كَلامٌ أَحْسَنَ مِنْ قَوْلِ لا إِلَهَ إِلا اللهُ .
تختلف هذه النعومة والحلاوة من شخص لآخر حسب قوة وضعف الإيمان، ويتحقق هذا النعيم من خلال الأسباب ويزول بزوالها، ولذلك يجب على المسلم أن يسعى جاهدًا لتحقيق هذه النعمة ليستمتع بحياة سعيدة .
كما قال ابن القيم واصفاً حلاوة الإيمان: في القلب شعور بالشعث يمكن أن يخفف فقط بالتقرب إلى الله، وفيه شعور بالوحدة يمكن أن يزال فقط بالإنس بالله في خلوة، وفيه حزن لا يزال إلا بالسرور بمعرفته وصدق تعامله، وفيه قلق لا يسكن إلا بالاجتماع عليه والتوجه إليه، وفيه نار حسرات لا يطفأ إلا بالرضا عن أمره ونهيه وقضائه، ومعانقة الصبر على ذلك حتى وقت لقائه.” وقال السندي في شرح سنن النسائي: “حلاوة الإيمان أي توسعة الصدر به ولذة القلب للإيمان تشبه لذة الشيء عند وجوده في الفم، وقيل أن الحلاوة هي الحسن، وبشكل عام، فإن الإيمان يعد لذة في القلب تشبه الحلاوة الحسية، وقد يكون أفضل منها حتى يبعد الألم .
شروط الحصول على حلاوة الايمان
إذا امتلك الإنسان ثلاث خصال، وجد حلاوة الإيمان، وهي خصال تجمع بين مقاصد الإنسان في الدنيا والآخرة.
_ فالناس في هذه الحياة يحبون الكثير من الأشياء؛ أزواجهم، وأولادهم، وأموالهم، ومصالحهم، وحبهم لهذه الأمور كلها ينعكس بعد ذلك على سلوكياتهم، بحيث لا يتحركون في هذه الحياة إلا لخدمة وحفظ ما يسيطر حبه على نفوسهم. والمؤمن الحق هو الذي يسيطر على نفسه حب الله وحب رسوله عليه الصلاة والسلام، فلا ينطلق في الحياة إلا لخدمة ما فيه رضا الله ورسوله، لا يبتغي إرضاء نزوة ولا تحقيق مصلحة رخيصة، فبذلك يتحرر من أسر الأهواء والشهوات، فيخلص إيمانه لله عز وجل، وحينئذ يستشعر حقا حلاوة الإيمان.
عندما يتبادل الناس المودة والمحبة بينهم، عادة يكون هذا الحب مرتبطا بمصالح مشتركة، وعندما تتلاشى تلك المصالح، يتلاشى الود والحب. والحب الحقيقي هو الذي ينشأ بين المؤمنين، ليس بسبب مصالح مشتركة، وإنما بسبب الإيمان الذي يجمعهم. لذا، لا ينبغي للمؤمن أن يحب أحدا إلا لله عز وجل، وإذا أحب غيره، يكون حبه خالصا لله، متحررا من الشهوات والأهواء، ويجد في نفسه حلاوة الإيمان .
واحدة من الخصال الثلاث التي أوصانا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي أن يكره المؤمن أن يعود إلى الكفر بنفس الكراهة التي يكره بها أن يلقى في النار، فالمؤمن الحق يدرك الكفر بحقيقته، إنه جحود لفضل الله عز وجل وخضوع للشهوات والدنيا وجهل بالحق، فهو سجن حقيقي يعيش فيه الكافر دون أن يشعر، أما الإيمان فهو تحرر من العبودية لغير الله عز وجل والتحرك بعيدا عن أسر الشهوات والملذات التي تقيده وبالتالي، المؤمن الصادق هو الذي يكره أن يعود إلى الكفر لأنه يدرك حقيقة الكفر تماما كما يدرك حقيقة الإيمان .