ادببوح القصيد

اشعار نزار قباني الرومانسية

نزار قباني هو دبلوماسي وشاعر وناشر سوري، ولد في 21 مارس/آذار 1923 في دمشق، وتوفي في 30 أبريل/نيسان 1998 في لندن، ويعد أحد أبرز وأشهر الشعراء العرب وأكثرهم جدلا في العصر الحديث. حصل على البكالوريا من مدرسة الكلية العلمية الوطنية بدمشق، ثم التحق بكلية الحقوق في الجامعة السورية. كان يجيد اللغة الإنجليزية بشكل خاص، حيث تعلمها بشكل جيد عندما كان يعمل سفيرا لسوريا في لندن بين عامي1952-1955.

جدول المحتويات

شعر نزار قباني

بدأ نزار يكتب الشعر وعمره 16 سنة، وأصدر أول دواوينه ” قالت لي السّمراء ” عام 1944، وكان طالباً في كليّة الحقوق، وقام بطبعه على نفقته الخاصة. وله عدد كبير من دواوين الشعر، تصل إلى 35 ديواناً، كتبها على مدار ما يزيد على نصف قرن أبرزها ” طفولة نهد، الرّسم بالكلمات، قصائد ، سامبا، أنت لي “. ولنزار عدد كبير من الكتب النثرية، أهمها:” قصّتي مع الشّعر، ما هو الشّعر، 100 رسالة حبّ “.

أشعار نزار قباني الرومانسية

سأقول لك أحبّك

سَأقولُ لكِ “أُحِبُّكِ”..

حينَ تنتهي كلُّ لُغَاتِ العشق القديمَه

لا يتبقى للعشاق شيء يقولونه أو يفعلونه..

عندئذ ستبدأ مُهِمَّتي

في تغيير حجارة هذا العالمْ

وفي تغيير هَنْدَسَتِهْ

شجرةً بعد شَجَرَة

وكوكباً بعد كوكبْ

وقصيدةً بعد قصيدَة

سأقولُ لكِ “أُحِبُّكِ”..

وتضيقُ المسافةُ بين عينيكِ وبين دفاتري

ويصبح الهواء الذي تتنفسيه يمر برئتي أنا

تصبح اليد التي تضعيها على مقعد السيارة

هي يدي أنا..

سأقولها، عندما أصبح قادراً،

على استحضار طفولتي، وخُيُولي، وعَسَاكري،

ومراكبي الورقيَّهْ..

وإعادة زمن الأزرق معك على شواطئ بيروت..

حين كنتِ ترتعشين كسمَكةٍ بين أصابعي..

فأغطّيكِ، عندما تَنْعَسينْ،

بشَرْشَفٍ من نُجُوم الصّيفْ..

سأقولُ لكِ “أُحِبُّكِ”..

وسنابلَ القمح حتى تنضجَ.. بحاجةٍ إليكِ..

والينابيعَ حتى تتفجَّرْ..

والحضارةَ حتى تتحضَّرْ..

و العصافيرَ حتى تتعلَّمَ الطيرانْ..

والفراشات حتى تتعلَّمَ الرَسْم..

سأقولُ لكِ “أُحِبُّكِ”..

عندما تختفي الحدود بينك وبين القصيدة بشكل نهائي..

ويصبح النّومُ على وَرَقة الكتابَهْ

ليسَ الأمرُ سَهْلاً كما تتصوَّرينْ..

خارجَ إيقاعاتِ الشِّعرْ..

ولا أن أدخل في حوار مع جسد لا أعرف كيف أخاطبه..

كَلِمَةً كَلِمَهْ..

ومقطعاً مقطعاً…

إنني لا أعاني من عُقْدَة المثقّفينْ..

ولكن طبيعتي ترفض الأجساد التي لا تتكلم بذكاء.

والعيونَ التي لا تطرحُ الأسئلَهْ..

يتوقف شرط الشهوة عندي على شرط الشعر

فالمرأةُ قصيدةٌ أموتُ عندما أكتُبُها..

وأموتُ عندما أنساها..

سأقولُ لكِ “أُحِبُّكِ”..

عندما أتخلص من حالة الفُصَام التي تعذبني..

وأعودُ شخصاً واحداً..

سأقول ذلك عندما يتصالح الحضر والصحراء في داخلي.

وترحلُ كلُّ القبائل عن شواطئ دمي..

هذا الذي حُفِر عليَّ من قبل حكماء العالم الثالث..

التي جرّبتُها على مدى ثلاثين عاماً…

فشوَّهتُ ذُكُورتي..

وأصدَرَتْ حكماً بِجَلْدِكِ ثمانينَ جَلْدَهْ..

بِتُهْمةِ الأُنوثهْ…

لذلك. لن أقولَ لكِ (أُحِبّكِ).. اليومْ..

ورُبَّما لن أَقولَها غداً..

فالأرضُ تأخذ تسعةَ شُهُورٍ لتُطْلِعَ زهْرَهْ

والليل يتعذَّبُ كثيراً.. لِيَلِدَ نَجْمَهْ..

والبشريّةُ تنتظرُ ألوفَ السّنواتِ.. لتُطْلِعَ نبيَّاً..

فلماذا لا تنتظرينَ بعضَ الوقتْ..

لِتُصبِحي حبيبتي؟؟

أحبّك أحبّك والبقيّة تأتي

حديثك سجادةٌ فارسيّه..

وعيناك عصفوتان دمشقيّتان..

تطيران بين الجدار وبين الجدار..

وقلبي يسافر مثل الحمامة فوق مياه يديك،

ويأخذ قيلولةً تحت ظل السّوار..

وإنّي أحبّك..

لكن أخاف التّورط فيك،

أخاف التّوحد فيك،

أخاف التّقمص فيك،

علمتني التجارب أن أتجنب عشق النساء،

وموج البحار..

أنا لا أناقش حبّك.. فهو نهاري

ولست أناقش شمس النّهار

أنا لا أناقش حبّك..

إنه يقرر في أي يوم سيأتي.. وفي أي يوم سيذهب..

وهو يحدد وقت الحوار، وشكل الحوار..

دعيني أصبّ لك الشّاي،

أنت خرافيّة الحسن هذا الصّباح،

وصوتك نقشٌ جميلٌ على ثوب مرّاكشيه

وعقدك يلعب كالطّفل تحت المرايا..

ويرتشف الماء من شفة المزهريّه

دعني أقدم لك الشاي، هل قلت أني أحبك؟

هل قلت إنّي سعيدٌ لأنّك جئت..

وأنّ حضورك يسعد مثل حضور القصيده

ومثل حضور المراكب، والذّكريات البعيده..

اسمحوا لي أن أترجم بعض كلام المقاعد أثناء ترحيبها بكم..

دعيني، أعبّر عما يدور ببال الفناجين،

وهي تفكّر في شفتيك..

وبال الملاعق، والسّكريه..

دعيني أضيفك حرفاً جديداً..

على أحرف الأبجديّه..

دعيني أناقض نفسي قليلاً

وأجمع في الحبّ بين الحضارة والبربريّه.

أحبّك حتى ترتفع السّماء

كي أستعيد عافيتي

وعافية كلماتي.

وأخرج من حزام التّلوث

الذي يلفّ قلبي.

فالأرض بدونك

كذبةٌ كبيره..

وتفاحةٌ فاسدة…

حتّى أدخل في دين الياسمين

وأدافع عن حضارة الشّعر…

وزرقة البحر…

واخضرار الغابات…

أريد أن أحبّك

حتى أطمئن..

لا تزال بخير..

لا تزال بخير..

وأسماك الشّعر التي تسبح في دمي

لا تزال بخير…

أريد أن أحبّك..

حتى أتخلّص من يباسي..

وملوحتي..

وتكلّس أصابعي..

وفراشاتي الملوّنة

وقدرتي على البكاء…

أريد أن أحبّك

حتى أسترجع تفاصيل بيتنا الدّمشقي

غرفةً… غرفة…

بلاطةً… بلاطة..

حمامةً.. حمامة..

وأتكلم مع خمسين صفيحة فلٍّ

كما يستعرض الصّائغ.

أريد أن أحبّك، يا سيّدتي

في زمنٍ..

أصبح فيه الحبّ معاقاً..

واللغة معاقةً..

وكتب الشّعر، معاقةً..

لا يستطيع الأشجار الوقوف بمفردها دون دعم

ولا العصافير قادرةٌ على استعمال أجنحتها.

ولا النّجوم قادرةٌ على التنقّل…

أريد أن أحبّك..

من غزلان الحريّة..

وآخر رسالةٍ

من رسائل المحبّين

وتشنقّ آخر قصيدةٍ

مكتوبةٍ باللغة العربيّة…

أريد أن أحبّك..

قبل أن يصدر مرسومٌ فاشستيّ

أود تناول فنجان من القهوة معك..

وأريد أن أجلس معك.. لدقيقتين

قبل سحب الشرطة السرية من تحتنا الكراسي..

وأريد أن أعانقك..

قبل أن يتم القبض عليّ، وعلى ذراعي

وأريد أن أبكي بين يديك

قبل أن يفرضوا ضريبةً جمركيةً

على دموعي…

أريد أن أحبك، يا سيّدتي

وأغير التّقاويم

وأعيد تسمية الشّهور والأيام

وأضبط ساعات العالم..

على إيقاع خطواتك

ورائحة عطرك..

التي تدخل إلى المقهى..

قبل دخولك..

إني أحبّك، يا سيّدتي

دفاعاً عن حقّ الفرس..

في أن تصهل كما تشاء..

وحقّ المرأة.. في أن تختار فارسها

كما تشاء..

وحق الشّجرة في أن تغيّر أوراقها

وحق الشّعوب في أن تغيّر حكّامها

متى تشاء….

أريد أن أحبّك..

حتى أعيد إلى بيروت، رأسها المقطوع

وإلى بحرها، معطفه الأزرق

وإلى شعرائها.. دفاترهم المحترقة

أريد أن أعيد

لتشايكوفسكي.. بجعته البيضاء

ولبول ايلوار.. مفاتيح باريس

ولفان كوخ.. زهرة (دوّار الشّمس)

ولأراغون.. (عيون إلزا)

ول قيس بن الملوّح..

أمشاط ليلى العامريّه…

أريدك أن تكوني حبيبتي

حتى تنتصر القصيدة…

على المسدّس الكاتم للصوت..

وينتصر التّلاميذ

وتنتصر الوردة..

وتنتصر المكتبات..

على مصانع الأسلحة…

أريد أن أحبّك..

حتى أستعيد الأشياء التي تشبهني

والأشجار التي كانت تتبعني..

والقطط الشّامية التي كانت تخرمشني

والكتابات .. التي كانت تكتبني..

أريد.. أن أفتح كل الجوارير

التي كانت أمي تخبّئ فيها

خاتم زواجها..

ومسبحتها الحجازيّة..

بقيت تحتفظ بها..

منذ يوم ولادتي..

كل شيءٍ يا سيّدتي

دخل في (الكوما)

فالأقمار الصّناعية

انتصرت على قمر الشّعراء

والحاسبات الالكترونيّة

تفوّقت على نشيد الإنشاد..

وبابلو نيرودا…

أريد أن أحبّك، يا سيّدتي..

قبل أن يصبح قلبي..

قطعة غيارٍ تباع في الصّيدليات

فأطباء القلوب في (كليفلاند)

يصنعون القلوب بالجمله

كما تُصنع الأحذية….

السّماء يا سيّدتي، أصبحت واطئةً..

والغيوم العالية..

أصبحت تتسكّع على الأسفلت..

وجمهوريّة أفلاطون.

وشريعة حمورابي.

ووصايا الأنبياء.

صارت دون مستوى سطح البحر

ومشايخ الطّرق الصّوفية..

أن أحبّك..

حتى ترتفع السّماء قليلاً….

انتصرت على قمر الشّعراء

والحاسبات الالكترونيّة

تفوقت على نشيد الإنشاد..

وقصائد لوركا.. وماياكوفسكي..

وبابلو نيرودا…

أريد أن أحبّك، يا سيّدتي..

قبل أن يصبح قلبي..

قطعة غيارٍ تباع في الصّيدليات

فأطباء القلوب في (كليفلاند)

يصنعون القلوب بالجمله

كما تُصنع الأحذية….

السّماء يا سيّدتي، أصبحت واطئةً..

والغيوم العالية..

أصبحت تتسكّع على الأسفلت..

وجمهوريّة أفلاطون.

وشريعة حمورابي.

ووصايا الأنبياء.

وكلام الشّعراء.

صارت دون مستوى سطح البحر

لذلك نصحني السّحرة، والمنجّمون،

ومشايخ الطّرق الصّوفية..

أن أحبّك..

حتى ترتفع السّماء قليلاً….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى