الاقتصاد الصيني وأثره على الاقتصاد الأمريكي
في الآونة الأخيرة سمعنا بعض الأخبار حول السياسات الأمريكية التي تضغط على بعض الشركات الصينية الكبيرة. وشاهدنا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يشن الحرب بشكل علني على دولة الصين. في الحقيقة، لم تستخدم الحرب الأسلحة في هذا الوقت، بل هي حرب اقتصادية بين أكبر قطبين في كوكب الأرض حاليا وهما الولايات المتحدة الأمريكية والصين. فما الذي جعل هذه الحرب تتفاقم بهذا الشكل؟ إنه الاقتصاد وعالم المال. لأن دولة الصين تخوض حربا شرسة في هذا المجال وتتوغل في جميع الأسواق وتنمي اقتصادها بشكل كبير. ولكن ما مدى تأثير هذا الأمر على الاقتصاد الأمريكي.
التوازن الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين
خلال العشرين عامًا الماضية، ومع انتهاء عام 2019، لم يتضح بعد متى وأين سيتشكل توازن اقتصادي جديد وقوي، ما هو مستوى الانفصال الاقتصادي الذي سيتطور بين أكبر اقتصادين في العالم؟ كم ستحتاج الشركات إلى التغيير في نموذج أعمالها، من العملاء الذين تستهدفهم، والمنتجات والخدمات التي تقدمها، وسلسلة التوريد الشاملة، وحتى هيكل رأس المال والملكية؟ ستبدأ المراحل التالية من هذا التحول خلال العام بطرق لا يمكن توقعها بالكامل، ولكن بدون شك ستؤدي حالات عدم اليقين إلى انخفاض مستويات الاستثمار طويل الأجل من قبل الشركات في عام 2019 وإلى مستويات أكبر من التقلبات في نمو السوق وفي تقييم أنواع كثيرة من الأصول، ستكون المرحلة المقبلة هادفة للمحافظة الحكيمة على العديد من المناطق، جنبًا إلى جنب بغرض الاستعداد للتكوين كيان اقتصادي كبير.
تأثير المواجهة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين
يتمثل التغيير الأكثر وضوحا في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الصين في فرض التعريفة الجمركية الحالية والتهديد بفرض مزيد من التعريفات، وعلى الرغم من أن هذا ليس سوى عنصر واحد من التغييرات الأوسع في السماح للشركات الصينية بالوصول إلى الأسواق الأمريكية، أو الاستحواذ على شركات أمريكية، أو نقل الملكية الفكرية من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الصين، أو إجراء البحوث في الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى الرغم من أن هناك احتمالا للتفاوض بين حكومات الولايات المتحدة الأمريكية والصين بشأن التعريفات الجمركية بشكل دائم، إلا أنه لا يوجد خطط للتراجع عن التغييرات الأوسع النطاق، وستؤثر التعريفات على أي شركة تصدر من الاقتصاد الصيني، بغض النظر عن جنسيتها، ولكن التغييرات الأوسع ستؤثر بشكل خاص على الشركات الصينية والمستثمرين الصينيين في الولايات المتحدة.
الصادرات الصينية والأمريكية
لقد استعادت الامبراطورية الصينية في عام 2017 موقعها كأكبر مُصدر في العالم، عندما صدرت 2.2 تريليون دولار من إنتاجها المحلي، في عام 2016 احتل الاتحاد الأوروبي المركز الأول لفترة قصيرة، وهو الآن في المرتبة الثانية، حيث يصدر 1.9 تريليون دولار، أما الولايات المتحدة الأمريكية فهي الثالثة، حيث تصدر 1.6 تريليون دولار.
في عام 2018، قامت الصين بشحن منتجاتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مما أدى إلى حدوث عجز تجاري في أمريكا بقيمة 419 دولار، وكانت نسبة تجارتها مع هونج كونج 14%، ومع اليابان 6%، ومع كوريا 4.5%.
زيادة تعريفة الجمارك الأمريكية على المنتجات الصينية
تسببت زيادة منتجات الصين في الاقتصاد الأمريكي في تراجع المنتجات الأمريكية بسبب توفر المنتجات الصينية بأسعار أقل، ولذلك زادت الحكومة الأمريكية الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية، وهذا أدى إلى اتجاه هيكلي طويل الأجل لنقل بعض أنشطة التصنيع خارج الصين، حيث نقلت شركة Samsung العديد من الوظائف إلى فيتنام والصين. وعلى الرغم من أن شركة Samsung ليست صينية، إلا أن منتجاتها تصنع في الصين، وكذلك تمتلك شركة Li & Fung سلاسل إمداد المنسوجات في بنغلاديش، وهذا يساعد على تقليل تكاليف إيصال المنتجات الصينية إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
هناك بعض المبادرات التي من الممكن أن تساعد في حل هذه المشكلة لدى المصدرين الصنين، مثل مبادلة الإنتاج بين مصنع في دولة تركيا والصين، بحيث يمكن للمصنع التركي الإنتاج والتصدير للولايات المتحدة، وسوف يتحمل تكاليف تشغيل إضافية ولكن ليس استثمار رأس المال، كما في أوروبا الشرقية، وتركيا.
في سياق متصل، نجد أن كل من دولة الهند والفلبين هما الجهتان التي تتمتعان بالقدرة على توفير العمال والبنية التحتية لسلسلة التوريد، لكي يتم استبدال الكيان الصيني والتصنيع في هذه الدول بدلا منها، حتى لا تجد الشركات أنفسها مضطرة للانخراط في الحرب الاقتصادية الصينية الأمريكية وحتى لا تفقد سوقا غنية مثل السوق الأمريكية، ويعتبر الكثيرون أن فيتنام قادرة أيضا على الإنتاج.
الإنتاج الصيني والأمريكي
إجمالي الإنتاج الاقتصادي للصين في عام 2018 بلغ 25.3 تريليون دولار، وفقا لصندوق النقد الدولي، ويتم حساب ذلك بناء على تعادل القوة الشرائية والذي يأخذ أيضا بعين الاعتبار تأثير أسعار الصرف، وهذا يجعله أفضل طريقة للمقارنة بين الناتج المحلي الإجمالي للبلدان. وبذلك تصبح الصين أكبر اقتصاد في العالم، والاتحاد الأوروبي في المرتبة الثانية بقيمة 22 تريليون دولار، وتحتل الولايات المتحدة الأمريكية المرتبة الثالثة بإنتاج قدره 20.5 تريليون دولار.
الصين بها 1.38 مليار شخص، أي أنها أكثر الدول من حيث الكثافة السكانية، إلا أن لا تزال الصين دولة فقيرة نسبيًا من حيث مستوى معيشتها، اقتصادها لا ينتج إلا 18,120 دولار للشخص الواحد، وبالمقارنة يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد في الولايات المتحدة الأمريكية 62,518 دولارًا.
حيث أن مستوى المعيشة المتدني في الصين يجعل الشركات هناك تدفع رواتب أقل للعمال من الشركات الأمريكية، وهذا يجعل المنتجات الصينية أرخص، وهذا الأمر يجعل الشركات المصنعة الموجودة في الخراج تستعين بمصادر دخل الصين للتصنيع، ثم التصدير إلي الولايات المتحدة الأمريكية التي تعد هي أكبر شريك تجاري لها.
الديون الأمريكية للصين
كم حجم الديون الأمريكية لدى الصين، من الواضح أن الإجابة على هذا السؤال، من الممكن أن تشكل جدب كبير بين العديد من الزعماء السياسيين الأمريكيين وسائل الإعلام، ولكنه سؤال مهم للغاية، وينتج عليه الكثير من الإجابات، فالسؤال الحقيقي الذي من الممكن أن نقوله هو، كم إجمالي الدين الأمريكي الذي تدين به الحكومة الفيدرالية الأمريكية للمقرضين الصينيين؟
يمتلك الصينيون حوالي 1.17 تريليون دولار من ديون الولايات المتحدة الأمريكية، أي حوالي 19% من إجمالي سندات الخزانة الأمريكية والسندات التي تحتفظ بها الدول الأجنبية، وذلك اعتبارا من يناير 2018.
لماذا ترغب الصين أن تكون أمريكا عليها دين؟
المقرضون الصينيون يحصلون على كمية كبيرة من الديون من الولايات المتحدة الأمريكية لسبب اقتصادي واحد، وهو حماية اليوان الصيني المرتبط بالدولار. منذ إنشاء برتون وودز في عام 1944، تم ربط العديد من العملات بالدولار الأمريكي، بما في ذلك اليوان الصيني. يساعد هذا الأمر الصين في تخفيض تكلفة سلعها المصدرة، مما يعزز أداء الصين في التجارة الدولية. يعتبر الدولار الأمريكي أكثر العملات استقرارا وأمانا في العالم، وبالتالي يكون ربط العملة الصينية بالدولار أمرا مفيدا.