قصة أغنية الأحد القاتم المميتة
من المؤكد أننا جميعا قد مررنا بحالات حزن وتأثرنا بمواقف وموضوعات عاطفية أو اجتماعية، وقد تركت هذه الحالات أثرا عميقا في نفوسنا، وبالتالي يختلف رد فعلنا بناء على حجم الموقف ودرجة تأثرنا به، فمنا من يستمع إلى أغاني حزينة تعبر عن الموقف والمشاعر التي يشعر بها، وآخرون يلجأون إلى التعبد والتقرب من الله تعالى، ولكن هل يوجد شخص حزين يستمع إلى أغنية حزينة بكلمات مؤلمة تعبر عن حالته النفسية ثم يقوم بإلحاق الضرر بنفسه عن طريق الانتحار بالقفز من مكان مرتفع أو شنق نفسه
هذه هي القصة المروعة التي حدثت في أغنية الأحد القاتم المميتة، حيث استمع إليها الكثيرون، ثم توالت حالات الانتحار واحدة تلو الأخرى، حتى بلغت أكثر من مائة حالة، بينما نصحت إحدى الفتيات الصغيرات بأن تعزف هذه الأغنية في جنازتها، وشهدنا حالة انتحار لشخص مسن ترك رسالة تحمل كلمات هذه الأغنية الحزينة. فما هي قصة الأحد القاتم المميتة؟
ظروف اقتصادية تحرك أغنية الأحد القاتم
ظهرت أغنية الأحد القاتم في الثلاثينات من القرن العشرين، بالضبط في المجر التي عانت مثل العديد من الدول الأوروبية من فترة الكساد الاقتصادي. تسبب هذا الكساد في تشريد العديد من الأشخاص في أوروبا، حيث أصبح الرجال بلا وظائف وانتقلوا يجوبون شوارع أوروبا بحثا عن لقمة عيش يومية، قبل أن يعودوا في النهاية إلى منازلهم.
في ظل تلك الظروف الاقتصادية السيئة، بدأت حالات السرقة والنهب والانتحار تنتشر، وكان التفسير الوحيد في ذلك الوقت لحالات الانتحار المتكررة هو أن الظروف الاقتصادية كانت السبب، لكن بعد التحقيقات، اكتشف المحققون شقة عجوزا قد انتحر فيها، وبينما كانوا يفتشون، لم يجدوا سوى غرفة معيشة فارغة بدون أثاث، ومكانا متعفنا خاليا من الطعام، وبالطبع تم اتخاذ كافة الإجراءات وتم تفسير الحادث على أنه انتحار بسبب الظروف الاقتصادية، ومع ذلك، خلال بحثه في المكان، لاحظ المحقق وجود مذكرات تعود لهذا العجوز، واكتشف فيها لأول مرة ما يعرف بأغنية الأحد القاتم أو “Gloomy Sunday.
بدأت ذاكرة المحقق بسرعة في العمل، ثم تذكر في هذا الوقت أن الأحد القاتم هو أغنية حزينة تنتشر بين الشباب، وهي من تأليف مؤلف مجري حققت شهرة واسعة، ولكن حادث آخر جعل المحقق يهتم بها أكثر مما كان عليه في السابق.
الملحن راجو شيرش مؤلف أغنية الأحد القاتم
راجو شيرش هو ملحن مجري الأصل، وهو مؤلف أغنية الأحد القاتم الشهيرة، ولكنه كان يهوديا مجهولا في نفس الوقت. لم يحظ مؤلفاته بأي اهتمام، وعاش حياة بائسة وتعيسة للغاية، حيث تم أسره في معتقلات النازية خلال الحرب العالمية الثانية، وتوفي أمام عينيه أقرب الأصدقاء وأفراد العائلة، الأمر الذي ترك آثارا سيئة في نفسه. رغم نجاته، فقد انتهت حياته بوفاة معشوقته وحبيبته التي لم يتزوجها، وكتب بعدها أغنيته الوحيدة الشهيرة وهي أغنية الأحد القاتم أو Gloomy Sunday، التي حققت شهرة واسعة بعد ذلك.
حوادث متفرقة شعارها الأحد القاتم
بدأت تنهال البلاغات بحوادث الانتحار المتفرقة على رأس المحقق ، وبالطبع بدأ تحركه للكشف عن أسباب تلك الوفيات ، ودوافع الانتحار خاصة وأن أولى الحالات التي تم الإبلاغ عنها ، كانت لفتاة مراهقة في السابعة عشرة من عمرها ، كانت قد انتحرت شنقًا ، وأثناء البحث في غرفتها وجد المحقق ، مذكراتها وكانت قد كتبت فيها الأحد القاتم.
تقارير أخرى عن حالات انتحار بسبب الشنق أو قطع الشرايين أو القفز من أعلى سور الجسر على نهر الدانوب، والشيء المشترك الذي يربط بينها هو كلمتين فقط، وهما الأحد القاتم أو Gloomy Sunday.
ظل المحقق يبحث خلف تلك الأغنية ، التي تقفز مباشرة أمام عينيه مع كل حادث ، حتى أن واحدة من الصحف كانت قد تناولت الحديث بشأنها ، مع حادث غريب قد حدث ، حيث جلس عجوز على أحد الجسور ، وبدأ في ترديد كلمات الأغنية الحزينة بصوت مرتفع ، ليسمعها طفل مار بجواره ، فيترك له كل ما لديه من حلوى ومال ويقفز مسرعًا نحو النهر!
لقد انتشر صيت الأغنية المميتة بقوة، وتمت كتابة العديد من المقالات عنها في الصحف، كما تم ترجمة كلماتها إلى لغات مختلفة، وبعض الناس بحثوا عن قصة كتابة هذه الأغنية.
قصة أغنية الأحد القاتم Gloomy Sunday
بالطبع لابد أن تحمل أغنية مثل هذه قصة غريبة ، فكما قلنا أن مؤلفها راجو شيرش كان يهوديًا من المجر ، نشأ وترعرع فيها ، ولكنه كان منحوسًا بشدة ، بداية من وفاة كل أفراد عائلته وهو طفل صغير ، ونجاته هو بأعجوبة ، وحتى كل ما كتبه ولحنه من أغنيات لم يلقْ رواجًا وظل مغمورًا فاشلًا طيلة حياته.
كان راجو شيرش يحب فتاة جميلة، وبينهما تبادلا المشاعر الطيبة لفترة طويلة، ولكن حدث خلاف حاد بينهما، وراجو حاول التواصل معها مرة أخرى وإعادة الأجواء الرومانسية في علاقتهما، لكن كل محاولاته باءت بالفشل، لذا قرر أن يشتري لها بعض الورود البيضاء ويرتدي أفضل ملابسه ويزورها، يطلب المغفرة ويعبر لها عن شوقه الشديد.
وصل راجو إلى منزل حبيبته صباح يوم الأحد، ولكن عندما وصل وجد الكثير من الناس يرتدون ملابس سوداء، ويسود الصمت المكان، والدموع هي الصوت الوحيد المسموع، واكتشف أن حبيبته الوحيدة قد انتحرت في صباح هذا اليوم المأساوي.
خرج راجو من منزل حبيبته وهو يبكي، وفي هذا اليوم قام بكتابة أغنيته القاتمة التي تحمل اسم `الأحد الأسود`، وعانى من مشاكل نفسية شديدة دفعته للانتحار بالقفز من شرفة منزله في الطابق التاسع، ولكن تعرض للإصابة بجروح وكسور خطيرة جدا بدلا من الموت، وظل يعاني من الألم لبقية أيامه، حتى قرر أن ينهي حياته مرة أخرى بشنق نفسه داخل المشفى باستخدام سلك كهربائي.
كلمات اغنية الأحد القاتم
رفض العديد من المنتجين التعامل مع أغنية `الأحد القاتم`، وفشل راجو في ترويجها كنص لذكرى حبيبته، وكان السبب في ذلك هو كلماتها الكئيبة والحزينة. وبعد ذلك، قام الشاعر لازلو جافور، صديق راجو، بإضافة كلمات له على القصيدة الحزينة، ونجح في ترويجها لتنتشر شهرتها. ومنذ ذلك الحين، بدأت سلسلة الانتحارات تحدث بكثافة وتربط هذه الحوادث بتلك الأغنية.
وهذا جزء من كلمات الأغنية مترجمة هي:
ساعاتي القاتمة لا تنتهي يا عزيزتي، والظلال التي أعيشها معها لا تعد، والورود البيضاء الصغيرة لن توقظك أبدا. لست هناك لأن عربة الحزن السوداء أخذتك، ولن تفكر الملائكة في إعادتك. هل ستغضبين إذا انضممت إليك؟ قضيت الأحد القاتم كله مع الظلال، وقررنا أنا وقلبي أن ننهي الأمر. ستكون هناك قريبا شموع وصلوات حزينة، ولكن دعهم يعلمون بأنني سعيد بالرحيل.
فيلم ألماني يحمل قصة أغنية الأحد القاتم
بسبب طابعها الغريب، قرر المخرج الألماني رالف شوبيل توثيق قصة راجو الغامضة في فيلمه. تدور أحداث الفيلم في المجر خلال الثلاثينيات قبل الحرب العالمية الثانية، ويظهر راجو في الفيلم بدور رجل يهودي يمتلك حانة تدعى لازلو زابو. كانت الحانته دائما مزدحمة بالزبائن، ولكن ما لفت انتباه لازلو بشكل خاص هي النادلة الجميلة إيلونا التي تجسد دور حبيبة راجو.
مع مرور الوقت، قدم أحد الشباب الفقراء العازفين على البيانو، واسمه آندراس آرادي، إلى المطعم الشهير ليعزف للزبائن ويأمل في جني المال لسد حاجياته اليومية.
وجاء ذلك اليوم الذي عزفت فيه المقطوعة القصيرة الحزينة أو “Gloomy Sunday”، التي لفتت انتباه الجميع في المكان وغيرت حياتهم بالكامل.