الانسانتنمية بشرية

السلطة الابوية

في كل مجتمع ، تنتشر العديد من المفاهيم والمصطلحات ذات الغموض الكبير التي لا يستطيع الكثيرون وخاصة الأجيال الجديدة فهمها. وفي الوقت نفسه ، أصبحت العديد من تلك المصطلحات جزءا أساسيا من المجتمع وتقاليده وعاداته التي تورثها الأجيال. ومع ذلك ، فإن تلك المصطلحات ليست لها أساس ديني أو أخلاقي صحيح. ومن بين تلك المصطلحات البارزة هي البطريركية أو السلطة الأبوية .

جدول المحتويات

فضل الوالد

في بداية الأمر، وقبل أن نشرح مفهوم السلطة الأبوية بالتفصيل، يجب الإشارة إلى أن دور الأب في حياة كل فرد هو دور مهم وحيوي لا يمكن إنكاره سوى بواسطة الجوادح، وقد وصى الإسلام ببر الوالدين والحفاظ على حقوقهما، وأعطى الوالد مكانة مرموقة وحثنا على احترامه وطاعته وتقديم الدعم والخدمة له في كل مرحلة من مراحل حياتنا، سواء كنا صغارا أم كبارا. أما بالنسبة لمفهوم السلطة الأبوية وممارساتها، فسيتم التطرق إليها في الفقرات التالية .

مصطلح السلطة الأبوية

السلطة الأبوية أو البطريركية الأبوية والذكورية هي مفهوم تم تبنيه في جميع الدول العربية منذ القدم من قبل المهاجرين من بعض البلدان الأخرى المنتمين إلى ما يسمى التيار النسوي، وهم يعتقدون بشكل كامل أن الرجل هو الوحيد الذي يحق له الحياة وإصدار الأوامر والتعليمات، وأن المرأة لا تمتلك إرادة أو رأي وأنها مجرد مخلوق يخضع للرجل وضعيف .

من المؤسف أن تلك الأفكار الضالة قد تسللت بشكل كبير في بلدان العالم العربي، وأصبحت جزءا من ثقافة بعض الأفراد. وعلى الرغم من أن الإسلام قد نفى تلك المفاهيم المتخلفة، إلا أن آثارها ما زالت موجودة في العديد من البلدان العربية التي تحرم المرأة من حقوقها في التعبير والمشاركة الاجتماعية والعملية، وكذلك حقها في الحصول على الميراث .

مفهوم البطريركية الذكورية

يعتبر البطريركية الذكورية وصفًا متفقًا عليه للسلطة الأبوية، ويتضمن مجموعة من الأفكار الرجعية التي تمتد في منطقة جرداء من الضلال والتخلف، وتبعد تمامًا عن ثمار العقل والحكمة والفضيلة

يتحكم الرجل فقط في مصير من حوله، سواء كانت الزوجة أو الأبناء والبنات، وهو الوحيد الذي يمتلك الصلاحية للتعبير عن رأيه في أي وقت، من خلال سلطته الكاملة والسيطرة الحاكمة التي لا يمكن لأحد الاعتراض عليها .

تهدف البطريركية إلى أن تكون سيكولوجيا وفكريا مهيمنا على جميع أفراد المجتمع ويؤمن بها الجميع، وبالتالي تصبح جزءا من العادات والتقاليد، ومن يخالفها أو يثور عليها يصبح مرفوضا من الجميع بحجة أنه يريد تغيير أعراف المجتمع، على الرغم من أن هذه الأعراف هي أفكار وهمية مزعومة لا يوجد لها أساس من الصحة، ومن المؤسف أن هذه الأفكار قد أصبحت جزءا من سيكولوجية المجتمعات العربية وتشكل جزءا من تكوين أفرادها بين الرجال والنساء .

يرون أنصار البطريركية أن المرأة عبارة عن سلعة رخيصة لا ثمن لها، وأنها عنصر فقط لإشباع الرغبات، ويجدرون بالذكر أنه في العصور القديمة التي شهدت تلك الأفكار المتخلفة، كانت المرأة تعامل كأنها ليست عنصرًا بشريًا بشكلٍ أخلاقيٍ متدنيٍ .

-بالإضافة إلى أن تلك الأفكار بطبيعتها تنتهك حقوق المرأة في الحصول على النسبة أو الإرث أو التعليم أو العمل أو المشاركة في الحياة بأي وجه .

من الأفكار المغلوطة التي باتت متأصلة في المجتمع أن مصطلح التحضر ورفع مستوى الثقافة للمرأة يرتبط بالتبرج والابتعاد عن تعاليم الدين وتقاليد المجتمع، في حين أن رفع مستوى ثقافة ووعي المرأة هو صحيح الدين وما دعى إليه الإسلام، ولا علاقة له بأي حال من الأحوال بالتبرج واتباع عادات وتقاليد الشعوب الأخرى التي تنتمي إلى ديانات أخرى .

-وفي ضوء التأثير المفرط فيه لمفهوم البطريركية الذكورية والتنشئة للأجيال المتعاقبة ؛ أصبحت الكثيرات من النساء مقتنعة تمامًا بسطوة الرجل عليها ومقتنعة أيضًا بأنها مسلوبة الإرادة ولا حق لها في تقرير مصير حياتها بنفسها ، ويُعد هذا التأثير أح أسوأ مظاهر انتشار البطريركية الأبوية والذكورية في المجتمع .

السلطة الابوية في العصر الحالي

رغم أن الإسلام أشار إلى أهمية ومكانة المرأة في المجتمع والمنزل، ودور النساء في نشر الدعوة الإسلامية، إلا أن عنصر السلطة الأبوية ما زال موجودًا في الكثير من المجتمعات العربية، وهناك أمثلة عديدة على ذلك

-يحرم الأب ابنته من حق اختيار مجال الدراسة أو العمل ويسيطر دائما على طبيعة دراستها .

بالإضافة إلى ذلك، يمنع العديد من الآباء بناتهم من حقوق التعليم والعمل، وخصوصًا في القرى التي لا تزال تتأثر بالتقاليد البطريركية بنسبة كبيرة .

تحرم العديد من الأسر بناتهن من حصولهن على الميراث، وتسلبهن حقهن أيضا في اختيار شريك الحياة. وبالإضافة إلى ذلك، لا يزال زواج الأقارب والزواج في سن صغير وإجبار الفتاة على الزواج سائدا في الكثير من المجتمعات العربية، على الرغم من جهود الحكومات والدول في نشر الوعي ورفع مستوى الثقافة والتوعية في القرى والمدن. ومع ذلك، لا يزال الهيمنة الذكورية متجذرة بشكل كبير في النفوس ولها تأثير واضح في المجتمع .

السلطة الأبوية في الإسلام

الإسلام هو الدين الصالح لكل مكان وزمان، إذ أنه يمنح كل متعلق بالحقوق حقه، فهو يكفل حقوق الرجل والمرأة بالكامل ويحدد طبيعة العلاقة السليمة بين الآباء والأبناء، حيث لا يجوز للآباء الظلم على أبنائهم ورغباتهم الشرعية، ولا يجوز للأبناء العصيان على والديهم وعدم احترامهم .

أعطى الإسلام للمرأة مكانة وأهمية وجعل لها دورا بارزا في الحياة. يكفي أي امرأة أن تفخر بأن أول شخص يعتنق الإسلام بعد نزول الوحي على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- في غار حراء هي السيدة خديجة رضي الله عنها، وأول شهيدة في الإسلام هي السيدة سمية .

شاركت المرأة في عدد كبير من الغزوات والمعارك الحربية مع النبي محمد، وكان لها دور فاعل في نشر الدعوة وتحقيق الانتصارات الإسلامية المبينة، وفي الوقت نفسه، أعطى الإسلام المرأة مكانة خاصة ومرموقة، وجعلها عزيزة ومكرمة، ووضع الرجل في خدمتها .

الإسلام يشجع أيضا على إعطاء المرأة حقوقها في التعليم والعمل واختيار شريك الحياة والحصول على حقوقها في الميراث طالما حافظت على عزتها وكرامتها، ويضمن للمرأة العاملة أيضا الحق في الحصول على دعم مالي خاص .

يوضح ذلك أن العودة إلى الإسلام والالتزام بأوامره وإرشاداته دائمًا وأبدًا هو السبيل الأساسي لتحقيق رقي وتحضر ونهضة وتقدم في المجتمع بشكل متوازن ويحفظ لكل فرد حقوقه .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى