عاقبة الظالمين في القرآن
في القرآن الكريم، أشار الله سبحانه وتعالى عدة مرات إلى الظلم والظالمين، وحذر العباد من اتباعهم، حيث يتعرض الظالمون لعقاب الله في الدنيا والآخرة، ويمكن تقسيم الظلم إلى ثلاثة أنواع رئيسية، وهي ظلم العباد لأنفسهم، وظلم العباد لبعضهم البعض، وظلم العباد لربهم بالكفر والشرك، وتحدث القرآن عن قصص لطغاة ظلموا الله فأخذهم بعقابه.
عاقبة الظالمين في القرآن
حرم الله سبحانه وتعالى الظلم بشكل مطلق، سواء كان ذلك الظلم تجاه النفس أو تجاه غيره من العباد، أو كان شركًا بالله، وجعل عاقبته الهلاك، فالله سبحانه وتعالى لا يُعَذِّبُ ولا يُهْلِكُ أمةً إلا بظلمها، كما جاء في قوله تعالى: “هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ”، ولذلك فالله سبحانه وتعالى ليس بظالم للعباد.
من سنن الخالق في حق عباده هو تدمير الظالمين بظلمهم، فكم من قرية وقوم كانوا أصحاب قوة وسلطان فظلموا واستكبروا ورفضوا اتباع ما جاء به الرسل من الحق، فأخذهم الله بظلمهم لأنفسهم، وكم من ظالم متجبر يعتقد اليوم أنه لن يلاقي عقابه وعذابه من الله سبحانه وتعالى، فيستمر في طغيانه، ولكن الله يطيل مهلتهم في طغيانهم حتى يأتي يوم قيامة الساعة، فإنه ليس بغافل عنهم كما ذكر في قوله تعالى: `ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار`
ذكرنا الله تعالى لنا العديد من القصص عن القوم الظالمين لكي نتعظ منها ونأخذ عبرة، ولا نسلك طريقهم، حتى لا يحدث لنا ما حدث لهم من الهلاك في الدنيا وأن يكون مصيرهم في يوم القيامة النار، وما أسوأ المصير، كما ورد في قوله تعالى: `وقارون وفرعون وهامان، ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض ولم يكونوا من السابقين، فأخذنا بذنوبهم، فبعضهم أصابه الحاصبة، وبعضهم أخذته الصيحة، وبعضهم خسفنا به في الأرض، وبعضهم أغرقناه، وما كان الله ظالما لهم، ولكنهم كانوا يظلمون أنفسهم.
عاقبة فرعون
كان فرعون من الطغاة المتجبرين في الأرض، وتم ذكر قصته في كثير من سور القرآن الكريم، مثل سورة البقرة وآل عمران ويونس وهود والأنفال، وغيرها الكثير كعبرة وعظة للعالمين.
أعطى الله سبحانه وتعالى فرعون من أسباب القوة الكثير مثل ملك مصر والمال والجاه والحاشية الكثيرة لكنه لم يحمد الله سبحانه وتعالى عليها، ولم يستغلها فيما يرضيه بل استغلها في أسوء صورها على الإطلاق وجعل من نفسه إلهاً يعبده الناس وطغى وتجبر على الضعفاء وعاث في الأرض فساداً هو وحاشيته.
ومع ذلك، لم يقرر الله إهلاك قومه حتى يبعث لهم من يرشدهم ويهديهم إلى الحق. فأرسل الله لهم موسى وهارون – عليهما السلام -، ولكنهم رفضوا الإيمان به واتهموه بالسحر. أبوا أن يستجيبوا لدعوته وأصروا على الكفر والعناد. استمر موسى – عليه السلام – في نداءهم إلى الحق، وأرسل الله سبحانه وتعالى لهم العديد من الآيات ليعودوا عن طريق الظلم، ولكن ذلك لم يزدهم إلا كفرا.
أمر الله سبحانه وتعالى نبيه موسى بإخراج بني إسرائيل من مصر، وفتح لهم البحر لينجي نبيه وقومه، وأغرق الظالمين بظلمهم، فتبع فرعون وجنوده موسى، وظنوا أنهم ناجون، ولكن الله أغرقهم جميعا، وجعل منهم آية للعالمين، كما جاء في قوله وتعالى: “فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمي.
عاقبة النمرود
كان النمرود بن كنعان جبارا وطاغية، لديه ملك وسلطان وحاشية، وظن أنه إله يجب على الناس عبادته، وكان واحدا من أربعة ملوك على الأرض يعبدونهم الناس بدلا من الله سبحانه وتعالى. يروي سورة البقرة قصته مع نبي الله إبراهيم، حيث حاور إبراهيم ربه الذي يحيي ويميت، فقال الله أنا أحيي وأميت، فقال إبراهيم اجعل الشمس تطلع من المغرب، فبهت الذي كفر، والله لا يهدي القوم الظالمين.
دخل في مناظرة مع خليل الله ليثبت بأنه إله، يدعي بأنه قادر على إحياء وإماتة، وأثبت حجته بأنه دعا رجلين حكم عليهما بالموت بأمر بقتل واحد منهما وأصفح عن الآخر، فطلب منه نبي الله إبراهيم -عليه السلام- أن يأتي بالشمس من المغرب إن كان ربا بحق كما يدعي، وكان نبي الله واثقا من ضلاله وكذبه، فبادره بهذا الطلب، فبهت هذا الظالم بظلمه.
ومع ذلك استمر في طغيانه وتجبره حتى سلط الله سبحانه وتعالى عليه بعوضة صغيرة وهو من ملك مشارق الأرض ومغاربها، فدخلت من أنفه لرأسه وكانت كلما تحركت تسبب له بألم شديد فكان يأمر حاشيته من سخروا لخدمته بضربه على رأسه حتى هلك، وهذه عاقبة من وجزاء من يدعي بأنه إله فلم ينفعه ملكه وسطانه وحاشيته وهلك بأصغر جند من جنود الله.
عاقبة قارون
كان قارون من بني إسرائيل، وأكرمه الله سبحانه وتعالى بمنحه ثروة هائلة ومال كبير، حتى كانت مفاتيح خزائنه تحتاج إلى قوة هائلة لفتحها. ولكنه تجبر على العباد وتكبر بماله، وزاده غرورا وتكبرا عندما أمنع حق الفقراء والمحتاجين، وكان يتباهى بثروته أمام الناس. وقد ذكر عنه في قول الله تعالى: “إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم، وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتيحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، إذ قال له قومه: لا تفرح، إن الله لا يحب الفرحين.
نصحه الصالحين في قومه أن يبتغي مما أعطاه الله الدار الآخرة وألا يتبع خطا من ظلموا وأفسدوا في الأرض من قبله وأن يحسن كما أحسن المولى عز وجل ووهبه من نعم وأموال، لكنه أبى واستكبر ولم يستمع لهم بل زاد في طغيانه فلم يعترف بأن ماله وثروته هي من فضل الله ونعمته عليه وادعى بأن ما يملكه من ثروات وكنوز طائلة إنما هي لرضى الله عنه لعِلم عنده علم الله به فكافئه بالمال والثروات وفضله عليهم بها كما جاء في قوله تعالى:”قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ”.
منع قارون ماله عن المحتاجين وتكبر واختال به على العالمين وظن أنه منحة وعطاء من رب العالمين وبأن الله راضٍ عنه لذا فضله على قومه بمال وفير وثروات طائلة وكنوز لا حصر لها فزاد طغياناً وظلماً، لكن الله سبحانه وتعالى لم يكن ليترك الظالمين دون عقاب فبعد أن أبى الاستماع لقومه وزاد طغياناً وظلماً وقع به عذاب من الله جعله عبرة للعالمين وآية لكل من يظن أن ماله سيغنيه عن الله، فذات يوم خسف الله سبحانه وتعالى بماله وثرواته وكنزوه وبيته الأرض فابتلعته الأرض واختفى في باطنها ملكه وزال كل أثر له عليها كما جاء في قوله تعالى:”فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ”، فصار عبرةً للعالمين حتى تقوم الساعة ليعتبر به من يغره ماله وسلطانه في الحياة.