توثيق سورة الحشر
شرح سورة الحشر
سورة الحشر من السور المدنية التي نزلت على الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المدينة، وتعود تسمتيها بهذا الاسم لقوله تعالى :”هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ..“، وهو الحشر الأول لمن كفروا حينما أخرجهم النبي -عليه الصلاة والسلام- من المدينة لبلاد الشام، ويليه الحشر الثاني وهو إجلائهم من خيبر لبلاد الشام في عهد عمر -رضي الله عنه-.
تسمى هذه السورة أيضًا بسورة بني النضير، وتحكي الآيات قصة يهود بني النضير وخيانتهم للرسول -عليه الصلاة والسلام- ونقضهم لعهدهم، مما أدى إلى إجلائهم من المدينة.
يوضح لنا الله سبحانه وتعالى من خلال سورة الحشر عدد من الأحكام الشرعية، مثل أحكام الغنائم والفيء وإجلاء بني النضير والأمر بالتقوى مثلها كباقي السور المدينة الأخرى. بالإضافة لكونها تقدم تحليل مفصلاً عن العلاقة التي تجمع المنافقين باليهود، وتبين لنا مدى عظم القرآن الكريم، وتشتمل على عدد من أسماء الله الحسنى.
تفتح سورة الحشر بتنزيه الله عز وجل عن النقص والعيوب، وتمجيده من جميع المخلوقات في الكون، وشهادتهم بأنه الواحد جل وجلاله وإقرارهم بمدى قدرته وعظمته.
يوضح الله سبحانه وتعالى كيف أنصر رسوله والمؤمنين على أعدائهم، وكيف تم إخراجهم من المدينة المنورة وتدمير قلاعهم وحصونهم، وبعد النصر يرشد الله المؤمنين بأحكام الفيء وهي الأموال والأراضي التي حصل عليها المسلمون من أعدائهم دون الحاجة إلى القتال، وكيفية توزيعها والحكمة وراء ذلك.
تحتوي آيات الفيء في القرآن على تمجيد المهاجرين والأنصار، ويشيد الله تعالى بموقفهم، ويوجه لمنلحق بهم من العباد التوجه لطلب المغفرة والثناء عليهم، وذلك في إطار أحكام الفيء.
يتم التركيز بعدها على حال المنافقين واليهود، ويتم مقارنة بينهما، حيث يتحالفون على الباطل ثم يخذلونه، ولا يجدون أي عون أو دعم، ويظهر لنا مدى خوفهم من مواجهة المؤمنين، ويصف القرآن العظيم المنافقين بأنهم كالشياطين الذين يغوون الإنسان ويجرونه للضلال، ثم يتخلون عنه.
ثم يذكر الله عباده المؤمنين بضرورة تقواهم وتحضيرهم ليوم البعث وما يترتب عليه من أهوال، ويذكرهم بمثال حوار الأنبياء عن أحوال الأمم السابقة، وينبههم إلى الفرق الواضح بين أهل الجنة وأهل النار، ويشير إلى مصير الشقي والسعيد في الدار الآخرة.
تختم السورة ببيان مدى عظمة القرآن الكريم وقدرة وعظمة الله سبحانه وتعالى، من خلال ذكر أسمائه وصفاته الواردة في الآيات.
سبب نزول سورة الحشر
وبخصوص سبب نزول سورة الحشر، فقد ذكر سعيد بن جبير في حديث شريف “قلت لابن عباس: ما هي سورة الحشر؟” فأجاب “أنزلت في بني النضير”، وفي رواية أخرى “سورة بني النضير.
فكانت السبب في نزولها بيان الحادثة التي وقعت بين يهود بين النضير والرسول -صلى الله عليه وسلم-، وقد أخذ منهم ميثاق بألا يقاتلوه ولا يقاتلهم، ولكنهم خرقوا العهد الذي بينه وبينهم، واعتقدوا أن حصونهم ستحميهم من تنفيذ أمر الله، وأنهم سينتصرون على المسلمين بلا شك، ولكن المؤمنين انتصروا عليهم، وطرد الرسول -صلى الله عليه وسلم- من المدينة المنورة، فلم تنفعهم حصونهم ولا قلاعهم في تنفيذ أمر الله.
مقاصد سورة الحشر
من بين الأسئلة الشائعة بين الكثيرين حول سورة الحشر هي ما هي المقاصد التي يمكن استنباطها من الآيات، وفي الحقيقة فإن مقاصدها كثيرة وتتضمن الآتي
- يعتقد أهل الباطل أنهم، بسبب علوهم في الأرض، لن يهزمهم أحد، ثم يأتيهم الهزيمة من حيث لا يتوقعونها.
- قطع المؤمنون النخيل واتُّهِموا بالفساد من قِبَلِ اليهود، ولكنهم فعلواذلك لتحقيق مصلحة عامة، ولذلك لم يُعَدْ يُعَدُّ فسادًا.
- يعرض هذا البيان عظمة الإسلام فيما يتعلق بأحكام الفيء، حيث يتم توزيعه على المحتاجين للمال.
- يتم توضيح فضل الإيثار الذي ظهر بوضوح في أنصار المدينة.
- الإيمان لا يتأثر بتغيُّر الأماكن أو بمرور الزمن.
- تعتبر الصداقة التي تجمع بين المنافقين واليهود مثالاً على الصداقة الوهمية التي تتلاشى في حالات الشدائد.
- اليهود ليسوا شجعانًا في المواجهة، وإذا كانوا يقاتلون فإنهم يفعلون ذلك من داخل حصون محصينة.
- يتمثل أهمية محاسبة الإنسان لنفسه في الدنيا قبل محاسبته في الآخرة.
- تذكير الناس بأن القرآن الكريم يؤثر على الجبال، وأنهم هم الأحق بهذا التأثير.
- أسماء الله الحسنى مثل “الخالق” و”البارئ” و”المصور” توضح المراحل التي يمر بها الخلق أثناء تكوينهم.
ما يستفاد من سورة الحشر
الدرس الأول
- حسابات البشر الدنيوية لا تفيدهم ولن تحميهم من إرادة الله، فعندما يريد الله شيئًا يقول كُنْ فيكون.
- ونستدل على هذا الدرس من واقعة يهود بني النضير، حينما ظنوا أن حصونهم مانعتهم من المؤمنين لكن الله قذف الرعب في قلوبهم وجاءتهم الهزيمة من حيث لا يحتسبون حتى أنهم خربوا بيوتهم بأيديهم قبل تركها حتى لا يستفيد منها المؤمنين، لكن الله أمر المؤمنين بتخريبها أيضاً ليمحوا أثرهم وليعتبر غيرهم من الظالمين.
الدرس الثاني
- حكمة الله سبحانه وتعالى فيما يتعلق بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين هي تخريب ممتلكات أعدائهم للضغط عليهم وتضعيف قوتهم، وهذه الأعمال لا تعتبر من أعمال الفساد في الأرض كما ادعت اليهود آنذاك، كما أشار الله تعالى في الآية الخامسة من سورة الحشر: `أيها الفاسقون، لم تقطعوا الأشجار أو تعقروها بإذن الله لتخزيء الفاسقين.
الدرس الثالث
- تتضمن رحمة الله سبحانه وتعالى في قضية تقسيم الفيء حق الفقراء في المال، حتى لا يتم تداوله حصرًا بين الأغنياء فقط.
- ومن الممكن التعلم من هذا الأمر هو كيفية اهتمام الإسلام بتحقيق مبدأ التكافؤ بين الجميع، وتأسيس العدالة الاجتماعية في المجتمع، والتقارب بين طبقاته المختلفة.
الدرس الرابع
- يجب الالتزام بالشرعية الإسلامية والقوانين التي وضعها الله سبحانه وتعالى، سواء في الأمور الكبيرة أو الصغيرة في الحياة.
- فجاء قول الله تعالى :ما أعطاه الله لرسوله من أهل القرى فهو لله، وللرسول، ولأهل القربى، وللأيتام، وللمساكين، ولأبناء السبيل، لكي لا يحصل تفرقة بين الأغنياء منكم”، متمما بقوله تعالى “وما أعطاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا، واتقوا الله، إن الله شديد العقاب”، لتنبيه المسلمين على ضرورة اتباع الشريعة الإسلامية والالتزام بما تأمر به اتقاء لعقاب الله الشديد.
الدرس الخامس
- – ينبغي توخي الحذر من مصاحبة المنافقين، حيث إنهم كالشياطين يقنعون العبد بالإسراف ويعدونه بالوقوف إلى جانبه ثم يتركونه في حالة الحاجة إليهم.
- يظهر ذلك بوضوح في قصة بني النضير والمنافقين، حيث لم ينصروهم عندما خرجوا من المدينة، ولم يف بعضهم عهدهم معهم.
الدرس السادس
- ينبغي أن نأخذ المهاجرين والمؤمنين والصالحين والذين اتبعوهم بإحسان كنموذج للتقليد، الذين حرصوا على إرضاء الله سبحانه وتعالى، وتركوا ديارهم وأموالهم من أجل اتباع ما أمر به الرسول – صلى الله عليه وسلم – ونصرة دين الحق، وندعو لهم بالمغفرة.