امراض نفسيةصحة

مرض الشخصية المثالية

المثالية

نتطلع دائما إلى الكمال، مثل الحصول على الوظيفة المثالية أو الراتب المثالي أو الشريك المثالي، ولكن هل يوجد شيء بالفعل يسمى الكمال؟ هل هو حقيقي أم أنه مجرد هدف غير واقعي؟ هل يجب علينا أن نسعى دائما لتحقيق الكمال والتخلص من كل نقص في شخصياتنا، أم أن الأفضل هو قبول حقيقتنا كأشخاص مع نواقصنا؟ في هذه المقالة، سنتناول طبيعة الشخصية المثالية ونتساءل ما إذا كانت هذه الفكرة مرضية نفسيا أم لا

الشخصية المثالية

يمكن تعريف الشخصية المثالية بأنها الشخص الكامل، التي لا تحتوى على أي عيوب أو نواقص في طبيعة حياته، ويسعى دائمًا الشخص المثالي نحو الكمال في كل أمور حياته، وأنه شخص على صواب في كل الأحوال، ولا يوجد احتمالية الخطأ في قراراته أو تصرفاته وسلوكياته، ولكن هل يمثل الشخص المثالي إنسانًا حقيقًا، أم أنه أصبح مجرد إنسان آلي يمشي وراء فكرة واحدة ألا وهي المثالية؟

السعي وراء الكمال أمر طبيعي إذا كان بالمعدل الطبيعي ويشمل فكرة وجود الأخطاء. فالطبيعة البشرية تتألف من نواقص، ومن الطبيعي أن نرتكب الأخطاء ونسعى لتصحيحها وتعلم الدروس منها. ولكن الحياة كالآلهة والطبيعة المثالية هي أمر غير واقعي ولا يتناسب مع حقيقة الحياة، فالكمال مجرد خدعة نسعى وراءها لإشباع رغبتنا في التميز.

ما هي الشخصية المثالية في علم النفس

الكمال في إطار  علم النفس، هو أسلوب الشخصية التى تهتم بالسعي نحو الكمال،  ويصاحب ذلك الشخص تقييمات ذاتية نقدية ومخاوف بشأن تقييمات الآخرين له، يدفع الكمال الناس إلى الاهتمام بتحقيق مُثُل غير قابلة للتحقيق أو أهداف غير واقعية ، مما يؤدي  إلى العديد من مشاكل التكيف وأمراض نفسية أخرى مثل الاكتئاب وتدني احترام الذات والأفكار والميول الانتحارية ومجموعة أخرى من المشاكل النفسية والجسدية. وتظهر الدراسات الحديثة نسبة الميول إلى الكمال ترتفع بين الأجيال الحديثة.

يعمل الكماليون بجدية شديدة وبدون وعي نحو أهداف غير قابلة للتحقيق، ويقيسون قيمتهم الذاتية من خلال الإنتاجية والإنجازات، ويعيشون في بيئة مؤثرة نفسيا لتحقيق أهدافهم الغير واقعية، مما يؤدي إلى شعورهم بخيبة الأمل، وعادة ما ينتقد الكماليون أنفسهم بشدة عندما يفشلون في تحقيق توقعاتهم وأهدافهم المثالية.

الكمالية وأنواعها

هناك نوعين من الكمال المتناقضين، حيث يمكن تصنيف الأشخاص بناء على ميلهم نحو الكمال الطبيعي أو الكمال العصبي. بينما يميل الأشخاص العاديون أكثر إلى السعي لتحقيق الكمال دون التنازل عن تقدير الذات، يستمد الأشخاص الكماليون المتعة من جهودهم. يوجد أيضا الكماليون العصابيون (وهم مصابون بمرض نفسي) الذين يسعون لتحقيق أهداف غير واقعية ويشعرون بالعدم الرضا عندما لا يتحققون منها. يمكن تسميتهم أيضا بالكمالية الإيجابية والسلبية، أو الكمال التكيفي وغير التكيفي. على الرغم من وجود نزعة عامة للكمال لدى البشر، والتي تؤثر على مختلف جوانب الحياة، يؤكد بعض الباحثين أن مستويات الكمال تختلف بشكل جذري في مجالات مختلفة مثل العمل والمدرسة والرياضة والعلاقات الشخصية والحياة الأسرية.

أعراض المثالية

من المؤكد أن الرغبة في التميز والنجاح أمر صحي للغاية، لكن في المقابل الرغبة المندفعة في بلوغ الكمال والمثالية نحو النجاح يؤدي بدوره إلى العديد من المشكلات والاضطرابات النفسية، وهناك بعض الأعراض الشائعة لمرض الشخصية المثالية التى ربما تتطلب الخضوع للعلاج النفسي، وهي كالآتي:

  • التمسك الشديد بالقوائم والمهام، وعلى الجانب المقابل، اللامبالاة التامة.
  • الشعور بالفشل واليأس على الرغم من تحقيق نتائج إيجابية.
  • المماطلة والانتظار قبل البدء في العمل تدل على أن الشخص يخشى بدء أي مهمة، اعتقادًا منه أنه لن يتمكن من إنجازها على أكمل وجه.
  • الاستمرار في الضغط النفسي وصعوبة الحصول على فترات من الراحة أو الاسترخاء.
  • تقييد العلاقات الشخصية والمهنية وتعقيد إطارها إلى حد كبير.

علاج المثالية

تتجنب الشخصية المثالية الحديث عن مشاكلها الشخصية ولا تعترف بها، مما يجعل العلاج صعبًا للغاية، وعدم العلاج يؤدي إلى تفاقم بعض المشكلات التي تصاحب الشخصية المثالية، مثل عدم الرضا على الذات والإحباط، وقد يصل ذلك في بعض الأحيان إلى حد الانتحار أو الإيذاء الذاتي.

عادة، العلاج الأفضل لمريض الشخصية المثالية هو العلاج النفسي السلوكي المعرفي، الذي يساعد المريض على تغيير أفكاره ومعتقداته وبالتالي سلوكه، ويوجهه الطبيب المعالج بكيفية التعامل مع الأهداف والإنجازات بطريقة صحية جديدة، ويستجيب هذا النمط من العلاج السلوكي المعرفي لاحتياجات المريض النفسية للقبول، بالإضافة إلى مساعدته في التعامل مع ردود الأفعال السلبية والمحبطة من الآخرين وعدم الاهتمام بها.

كيف تتجنب المثالية

هناك بعض الخطوات البسيطة التى لابد من اتباعها من أجل عدم الوقوع في فخ المثالية والكمال، وتعتبر تلك الخطوات أحد أنماط العلاج الذاتي لـ مرض السعي للكمال بجانب المتابعة مع المعالج النفسي، وتلك الخطوات تتمثل في الآتي:

  • إدراك أن القيام بالأخطاء أمر طبيعي، وأنه جزء من تكوين الإنسان.
  • الإدراك بأن الأخطاء هي فرصة جديدة للتعلّم.
  • البدء في وضع أهداف جديدة أكثر واقعية ومنطقية يمكن تحقيقها.
  • يتم وضع أهداف صغيرة والبدء فيها وإنهائها أولاً، ثم وضع أهداف جديدة.
  • تقسيم المهام والأهداف الكبيرة إلى أهداف صغيرة سهلة التحقق منها.
  • التركيز على مهمة واحدة كل مرة.

صفات الشخص المثالي

يجب أن يتمتع الرجل المثالي بصفات مختلفة ومميزة تميزه عن الآخرين، وهناك نوعان من الصفات المثالية للشخصية، حيث توجد الصفات الصحية والصفات الغير صحية، وسنتناول أولاً الصفات الصحية للشخصية المثالية وهي كالتالي:

صفات الشخصية المثالية الصحية

الصراحة

الشخص المثالي هو الشخص الصريح بشكل مطلق، ولا يكذب أبدًا، وإذا كان لا يعرف شيئًا عن موضوع سياسي معين فإنه يعترف بذلك بصراحة وشفافية، وهذه الصفة هي صفة جيدة ونادرة في الأشخاص.

الأمانة

يتميز الشخص المثالي بأنه شخص أمين، ويرى الناس الصدق كصفة قادرة على تغيير المجتمع نحو الأفضل، كما أنها صفة للأقوياء والمثاليين، بينما يعتبر الكذب صفة للضعفاء.

الشجاعة

تتحدث المقولة عن أنَّ الرجل الجريء يموت مرة واحدة فقط، بينما يموت الرجل الجبان عدة مرات في حياته، وأن الشجاعة بشكل عام هي إحدى صفات الرجل المثالي.

الالتزام بالمواعيد

يبقى الالتزام بالمواعيد من أولويات الشخص المثالي، وإذا تأخر عن موعده لسببٍ أو لآخر، فإنه ينزعج جداً، ويرى أنه لن يكون هناك نجاحٌ دون تنظيم الوقت والالتزام.

التعاطف

الشخص المثالي يتميز بقوته ولكنه أيضا شخص ودود ومتعاطف ومقرب من الناس. يحييهم بالتحية كل صباح ويمنحهم ابتسامة مشرقة يوميا. يتمتع بالقدرة على فهم مشاعر الآخرين والتشارك معهم في مشاعرهم واحتياجاتهم، ويكون مفتوحا للتعامل مع أشخاص مختلفين من ثقافات متعددة، ويسعى لتلبية احتياجاتهم العاجلة. “التعاطف يجعل العالم مكانا أفضل.” ومن أسرار النجاح أن يكون لديه القدرة على فهم وجهات نظر الآخرين ورؤية الأشياء من وجهات نظرهم.

القيادة

يعد حسن القيادة من أولويات الرجل المثالي، حيث ينظم المجموعات ويقودها بدقة واحترافية، ويكون قائدًا في المقام الأول، ويتمتع بالعزم للعمل بجدية وزيادة جودة الإنتاج مع الفريق.

الحدس

يتمثل الحدس في القدرة على فهم وإدراك الأمور بسرعة، دون الحاجة إلى التفكير الواعي، ومن سمات الشخص المثالي أنه يمتلك الحدس، أي الانفتاح على الأعمال الغامضة بالنسبة لأي رجل عادي، ومن خلال الحدس يستطيع إيجاد الحلول الشاملة للمشكلات، يمنح الأفكار الرائعة والجديدة، ويلعب الحدس دورًا قويًا في اتخاذ الشخص المثالي للقرارات الحاسمة.

الإبداع

الرجل المثالي مبدع، حيث أنه يستخدم الخيال ولا سيما في إنتاج الأعمال الفنية، مصدر الإبداع هو الخيال، عند البدء في العمل، يقوم بتجميع جميع الأفكار التي أخذها من عدد لا يحصى من المصادر، وبطريقة سحرية يتم وضع كل هذه المدخلات في مكانها الصحيح ، مما يؤدي إلى تكوين وحدة متماسكة. هذا هو الإبداع في العمل، وكل أشكال الإبداع تأتي من الارتجال، سواء بتصميم تجارب أو صور، أو عند العمل على خشبة مسرح، أو الكتابة الإبداعية، أو القيام يوصفة جديدة، الشخص المبدع قادر على ربط التجارب التى مر بها وتوليف أمور جديدة.

الاستمرارية في التعلم

اكتساب المعرفة ومواصلة صقل المهارات، سواء عن طريق التجربة أو الدراسة أو التعليم، هما من أهم الأمور بالنسبة للشخص المثالي، لأن الحصول على الدافع والقدرة على التطور والنمو هي ميزات حياة سريعة التغير بسرعة. يمكن التعلم عن طريق القراءة والتفكير العميق، ومن خلال تجربة الحياة بأكملها، وكذلك من خلال طرح الأسئلة والسعي لإيجاد الحلول الخاصة بها، وأخيرا التعلم من الأخطاء الشخصية، والتي لا يعتبرها الشخص المثالي أخطاء بقدر ما هي مجرد فكرة جديدة يتعلم منها.

صفات الشخصية المثالية غير الصحية

في الواقع، لا يوجد شخص مثالي، حتى المثاليون لديهم عيوبهم الخاصة، وهي كالتالي:

  • يتخلفون عن الالتزام بالقواعد إذا وجدوا أن تلك القوانين تحد من إبداعهم الخاص، وهذا يسبب لهم مشكلات مع مسؤولي العمل.
  • التسلُّق للحصول على الثقافة المفرطة بدون تحقيق إنتاجية عالية.
  • لا يتأثرون بحقائق الحياة القاسية.
  • يشعر البعض من الانعزال الاجتماعي ويفضلون الخصوصية للتواصل بشكل أفضل مع أفكارهم ومشاريعهم المثالية.
  • ينجذب الأشخاص المثاليون بسرعة إلى اليأس العميق بعد أي فشل يحدث لهم، ويصعب عليهم الخروج من هذه الحالة بسهولة، لأنهم يعتقدون أنه لا يمكن القيام بأي شيء بدون ارتكاب الخطأ أو الفشل.
  • يجب أن يكون الشخص المثالي في حالة عصبية وضغط دائم لتفادي الوقوع في أي فشل أو خطأ، لأن الخطأ يعد كارثة بالنسبة له.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى