فوائد الالتزام باداب الطريق
ما هي آداب الطريق
يعتمد دين الإسلام في رسالته على مبدأ حفظ الحقوق، سواء الحقوق الخاصة أو العامة، ولم يترك حتى الحقوق الصغيرة دون الحديث عنها، وأعطى كل شخص حقه. ولذلك، يعد حفظ حقوق الطريق من الحقوق المقدسة في الإسلام. وفي هذا الصدد، قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “إياكم والجلوس بالطرقات”، فقالوا: يا رسول الله، ماذا نفعل إذا لم يكن لنا خيار سوى الجلوس في الطريق؟ فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا لم تجدوا مجلسا آخر، فأعطوا الطريق حقه”، فقالوا: وما هو حق الطريق؟ فأجاب النبي: “غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر
يمكن لهذا الحديث أن يمنحنا فهمًا لحقوق الطريق وآدابه، ويساعدنا على الالتزام بهذه الحقوق والامتثال لأوامر الدين الإسلامي التي تحرم الإيذاء بأي شكل من الأشكال، وتتضمن آداب الطريق في الإسلام ما يلي:
- غض البصر
يحث الإسلام على عدم الجلوس في الطرقات، وإذا كان لا بد من وجود مجلس في الطريق فعلينا أن نلتزم بالحدود والآداب التي وضعها الدين الإسلامي لنا. ومن أهم هذه الآداب هو غض البصر، وهذا الأمر ينطبق على الرجل والمرأة على حد سواء، وذلك لأن النظر إلى ما حرمه الله من الأشياء يعد من أعظم الذنوب، فإنه يؤثر على القلب ويدفعنا لارتكاب المعاصي. قال الله تعالى في كتابه الكريم: `قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم، ذلك أزكى لهم. إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن`
- كف الأذى
لديك واجب تجاه الناس لعدم إيذائهم، سواء في الشوارع أو في منزلك أو في مكان عملك. لا ينبغي أن تتسبب في إيذاء شخص ما بأي طريقة، سواء بالكلام أو الأفعال أو المال أو حتى النظر إليهم. ومن أمثلة الإيذاء في الشوارع أن تستخدم سيارتك أو دراجتك بطرق تؤذي الآخرين، مثل تشغيل الصوت العالي عبر السماعات الخارجية، أو رمي القمامة والفوضى في الطريق، أو التحرش بالنساء بأي وسيلة، سواء كانت كلامية أو بالأفعال أو النظر.
- رد السلام
رد السلام واجب عليك إذا استمعت له، فهو من الأشياء التي حث عليها الدين الإسلامي في أحاديث ومواضع قرآنية كثيرة، وإلقاء السلام سنة مستحبة في حين أن الرد واجب فقد أمر الرّسول الكريم -صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه بردّ السّلام وجعله حقًا وواجبًا عليهم، لحديث أبي هريرة، رضي الله عنه: قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: “خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ علَى أخِيهِ: رَدُّ السَّلامِ، وتَشْمِيتُ العاطِسِ، وإجابَةُ الدَّعْوَةِ، وعِيادَةُ المَرِيضِ، واتِّباعُ الجَنائِزِ”، ولقوله تعالى في كتابه الكريم: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا}.
ولقد قال النووي: قول الرسول: `أفشوا السلام بينكم` يحث بشدة على إفشاء السلام وتقديمه لجميع المسلمين، سواء كانوا معروفين لنا أم لم يعرفوا، فالسلام هو أساس التآلف ومفتاح جلب المحبة. من خلال نشره، يتم تعزيز الترابط بين المسلمين وإظهار علامتهم المميزة لهم عن غيرهم من الأديان. بالإضافة إلى ذلك، يحتوي ذلك على تنمية النفس والتواضع وتكريم حرمات المسلمين.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
من أداب الطريق التي ذكرت في الحديث الشريف هو توجيه الناس للخير ومنعهم عن الشر، وهذا واجب ودليله قوله تعالى في القرآن الكريم: `كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله`. وجاءت هذه الآية لتبين لنا فضل وأهمية توجيه الناس للخير ومنعهم عن الشر، والتأثير الإيجابي الذي ينعكس على المجتمع وسلامة الطرق، وقمع أهل الباطل ورفض الفساد، ولتحقيق الأمن والسلام. ومن يتجاهل هذا الأمر سيعاقب بسبب تقصيره الشديد في أمر الله، وذلك ما ورد في حديث أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، الذي قال: `إن الناس إذا رأوا الشر ولم يتغيروا عنه، يكاد الله أن يعمهم بعقابه`
- إماطة الأذى عن الطريق
يتمتع الطريق بحق عام لا يختص بأحد دون الآخر، لذلك فإن آداب الطريق تهمنا جميعا، ولهذا السبب حرص الدين الإسلامي على تعظيم هذا الأمر وجعله جزءا من الإيمان، وذلك بناء على قول النبي صلى الله عليه وسلم: “الإيمان بضع وسبعون شعبة، أفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان”. وقد شرح الإمام النووي رحمه الله هذا الحديث، فأوضح أن “إماطة الأذى” تعني إبعاد كل ما يؤذي الناس مثل القاذورات والحجارة والمدر والشوك وغيرها، وقد أجرى الشرع الحنيف ثوابا على رفع الأذى من الطريق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “رجل يمشي بطريق فوجد غصن شوك على الطريق فأخره، فشكر الله له فغفر له
ما هي فوائد الالتزام بآداب الطريق
بعد أن قمنا بتناول الحديث عن آداب الطريق تفصيلًا علينا أن ندرك أن في هذا الأمر حكمة بالغة، كما أن له أثر هام علينا، فهذا الأمر ليس فقط عبادة بل هو شيء أمرنا الله به لأجل الصالح العام، ومن فوائد الالتزام بآداب الطريق كما يأتي:
- يتحلى الإنسانُ بحسنِ الخلقِ الذي أمرَنا اللهُ تعالى بهِ في مجموعةِ آدابِ الطريقِ، وفي ذلك يكمنُ تهذيبٌ لأخلاقِهِ ولكي يكونَ قدوةً حسنةً لمن حولَهُ.
- من يلتزم بآداب الطريق يثاب على ذلك، ويعاقب تاركها.
- يتطلب توفير الأمن والسلامة في مجتماعنا الالتزام بآداب الطريق، بمنع الغضَّ عن النظر عند القياد، وبتحريم المنكر وتشجيع المعروف، وبتجنب إلحاق الأذى بالآخرين.
- يساهم رد السلام في زيادة المحبة والتآلف بين الناس، وهذا يتضح جليًا.
- يسهم احترام الناس لجميع حقوق الطريق وآدابه في جعل مجتمعنا مكانًا أكثر تقدمًا وحضارة ورقيًا.
هل إرشاد السبيل من آداب الطريق
هناك العديد من الروايات للصحابة حول هذا الحديث، وعلى الرغم من تنوع بعضها في الصياغة، فإن إدلال السائل هو أحد الأمور التي حثنا عليها الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن بين الروايات الأكثر صحة هي ما يلي:
- في حديث أبي سعيد المتقدم خمسة حقوق وهي: (غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ)
- وفي رواية عند أحمد: قَالُوا: وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ: ” رُدُّوا السَّلَامَ، وَغُضُّوا الْبَصَرَ، وَأَرْشِدُوا السَّائِلَ، وَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ” ففيه وَأَرْشِدُوا السَّائِلَ بدل كَفُّ الأَذَى؛ فهذه سادسة لها شاهد من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النَّبِيَّ نَهَى عَنِ الْمَجَالِسِ بِالصُّعُدَاتِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، لَيَشُقُّ عَلَيْنَا الْجُلُوسُ فِي بُيُوتِنَا، قَالَ: ” فَإِنْ جَلَسْتُمْ فَأَعْطُوا الْمَجَالِسَ حَقَّهَا، قَالُوا: وَمَا حَقُّهَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: “إِدْلالُ السَّائِلِ، وَرَدُّ السَّلامِ، وَغَضُّ الأَبْصَارِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ ” رواه البخاري في (الأدب المفرد)
- ورواه أبو يعلى ابن حبان والحاكم بلفظ: نهى رسول الله عن أن تجلسوا بأفنية الصعدات، قالوا: يا رسول الله إنا لا نستطيع ذلك ولا نطيقه؛ قال: “إِمَّا لاَ، فَأَدُّوا حَقَّهَا قالوا: وما حقها يا رسول الله؟ قال: “رَدُّ التَّحِيَّةِ، وَتَشْمِيت الْعَاطِسِ إِذَا حَمِدَ الله، وَغَضُّ الْبَصَرِ، وَإِرْشَاد السَّبِيل” فزاد: “وَتَشْمِيت الْعَاطِسِ إِذَا حَمِدَ الله وَإِرْشَاد السَّبِيل” وروى أبو داود بعد حديث أبي سعيد المتقدم بإسناده عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ: “وَإِرْشَادُ السَّبِيلِ”
أهمية آداب الطريق
الالتزام بآداب الطريق له ثواب وفضل عظيم، وبالتأكيد، أعظم فائدة يمكن أن يسعى إليها الإنسان من أفعاله هي أن يجعل أفعاله خالصة لله تعالى ومطابقة لأوامره، وهذا الأمر بالتأكيد يعود على المجتمع بالخير والبركة والتآلف، ويجعل الشارع مكانا آمنا ومطمئنا للناس، ويعمل على زيادة الاستقرار، وبالتالي، فإن هذا الأمر واجب على كل شخص سواء كان مسلما أم لا تجاه مجتمعه، لكي يعود النفع على الجميع