نماذج من حياة الصحابة في تربية الأبناء
نجح أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم في بناء ثقة أبنائهم بأنفسهم ومسؤوليتهم منذ الصغر، وعلموهم كيفية تحمل مسؤولية أفعالهم، وجعلوهم قادرين على اتخاذ القرارات بثقة وإدارة الحوارات بكفاءة، وتأثيرهم على الآخرين، وكل هذه المفاهيم الإيجابية التي زرعها الصحابة رضي الله عنهم في أبنائهم.
نماذج تربية أبناء الصحابة
عبد الله بن الزبير
يتضمن تربية الأبناء موقف سيدنا عبد الله بن الزبير ابن الصحابي الزبير بن العوام رضي الله عنه، والذي يعد أحد النماذج الشهيرة، إذ كان عبد الله بن الزبير طفلا صغيرا لم يتجاوز خمس سنوات، يلعب مع أصدقائه في الطريق ويجري ويمارس الألعاب المعتادة بين الأطفال.
ظهر سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في بداية الطريق الذي يلعب فيه الأطفال، ومن المعروف عن سيدنا عمر قوة هيبته وهيكله الضخم، حيث كان يحترمه الرجال الكبار قبل الصغار. عندما رأى الأطفال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، تفرقوا، ولكن الوحيد الذي بقي بدون حراك هو سيدنا عبد الله بن الزبير.
لم يستغرب سيدنا عمر تفرق الأطفال، إذ إنه كان عادة متعودا عليها، ولكنه استغرب استقرار عبد الله الذي لم يكن يعتاد على ذلك، وعندها سأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لماذا لم يحدث ما حدث للأطفال؟ فأجاب عبد الله قائلا: لماذا أحدث؟ أنا لم أفعل شيئا يستحق أن أخافك، وهذا يدل على مدى الثقة التي يتمتع بها سيدنا عبد الله بن الزبير، والذي لم يتجاوز سنه الخامسة، ومدى الثقة العالية في النفس التي يمتلكها.
عبد الله بن عمر بن الخطاب
عبد الله بن عمر صادف طفلا يعمل كراعي لأغنام لا يملكها، وعرض عليه عمر بن الخطاب أن يشتري شاة من الشاة التي يرعى الطفل، ولكن الطفل رد بأن الشاة ليست ملكه وإنما يرعاها لصاحبها، فاقترح عليه عبد الله بن عمر أن يأخذ المال ويأخذ هو الشاة ويزعم بأن الذئب قتلها، فرد الطفل قائلا: “فأين الله في ذلك
ويروى أيضا أن سيدنا عمر بن الخطاب أخذ معه عبد الله بن عمر، وهو شاب صغير السن، إلى إحدى جلسات الرسول صلى الله عليه وسلم، وسأل الرسول في تلك الجلسة سؤالا عن الشجرة التي تشبه المسلم، تأكل ثمارها في كل وقت ولا تسقط أوراقها.
سكت الجميع وتبادر إلى أذهان سيدنا عمر وسيدنا أبي عبيدة بن الجراح وسيدنا أبي بكر أنها شجرة البوادي، ولكن الرسول كان يقصد النخلة، وبعدما انفض المجلس قال عبد الله لأبيه والله قد وقعت في نفسي أنها النخلة، فقال له سيدنا عمر لماذا لم تقل؟ لو قلت لكان عندي هذا الفضل الكبير
في التربية والنشأة، ينبغي تعليم الطفل عدم كتمان ما بداخله، بل يشجع على السؤال والإجابة، طالما أنه ليس على خطأ، وإذا أخطأ فسيتعلم من أخطائه في المرة القادمة.
رأى عبد الله بن عمر رضي الله عنه مرة أنه كان يحمل قطعة من إستبرق بيده ويتجول بها في الجنة، ولكن جاء شخصان يريدان أن يأخذاه إلى النار، فبدأ يستغيث بالله ويتعوذ من النار.
– حين استفاق، أخبر حفصة أخته بذلك، وروى لها هذا الحلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: `نعم، هو رجل صالح، لو كان يصلي في الليل بكثرة`. ومنذ ذلك اليوم، بدأ عبد الله يقوم بأداء الصلاة في الليل بانتظام ويسافر، حتى توفاه الله.
عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص
يجب أيضا تعليم الأبناء قبول العقاب في حال ارتكابهم أخطاء، بغض النظر عن مكانة الأبناء أو الآباء، فالحق يظل حقا. ومن القصص المعروفة أن عمر بن الخطاب كان أمير المؤمنين وكان عمرو بن العاص واليا على مصر.
في أحد الأيام، أتى رجل من مصر وشكا إلى ابن عمرو بن العاص بأن آخر يشتمه، لذلك قام ابن عمرو بن العاص بضربه بالسوط وأخبره أنه هو ابن الأكرمين.
– أمر عمر رضي الله عنه بعمرو بن العاص وابنه أن يأتيا، فعندما قدما إليه أمر بالمصري فأعطاه سوطا، وقال له اضرب ابن الأكرمين، فضربه حتى أخذ حقه منه، وبعدها أعطاه السوط وأمره أن يضرب عمرو بن العاص إلّا أنه أبى ذلك، وحينها قال رضي الله عنه مقولته الشهيرة متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.