من هو صاحب سر الرسول
صاحب سر النبي
اسمه الكامل حذيفة بن اليمان العبسي الغطفاني القيسي، وهو من نجباء أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم، كان والده حسيل بن جابر بن عمرو اليمان
حسيل بن جابر بن عمرو اليمان كان ساكنا في مكة، وهو من قبيلة عبس. سميت قبيلته `اليمان` بسبب حلفه مع اليمانية، وهم الأنصار. استقر في المدينة المنورة وأصبح حليفا لبني الأشهل وتزوج من قبيلة (حليف لبني عبد الأشهل من الأنصار). لحسيل كان له ابن يدعى حذيفة. في النهاية، تم رفع القيود عن عودته إلى مكة وأصبح حرا في التنقل بين مكة والمدينة، ولكنه لا يزال يبقى في المدينة المنورة بشكل أكبر وله ارتباط أعمق بها.
عن حياة حذيفة بن اليمان
حذيفة بن اليمان ولد في مكة ونشأ في بيت مسلم، وتعلم من والدته ووالده اللذين كانا من أوائل المسلمين في المدينة، ولذلك أسلم قبل لقاء النبي. وكان حذيفة يشتاق للقاء الرسول وكان يراقب حياة الرسول منذ صغره. وفي يوم من الأيام ذهب إلى مكة متعمدا لرؤية الرسول، وكلما سمع عن صفات الرسول زاد حبه وشوقه لرؤيته
بعد لقاء حذيفة بن اليمان بالرسول (صلى الله عليه وسلم)، سأل الرسول إذا كان يعتبره الآن من المهاجرين أو الأنصار، فأجابه الرسول (صلى الله عليه وسلم) بأنه يعتبره من الاثنين معا
تعد واحدة من صفات الرسول العظيمة هي القدرة على اكتشاف الطاقات الإبداعية والابتكارية لأصحابه، فجعل كل صحابي يعمل على خدمة الفكرة التي آمن بها، وذلك بأعلى درجات الفعالية الفردية والتنظيمية
لماذا سمي بن اليمان صاحب سر الرسول
لأن حذيفة بن اليمان كان من الأشخاص الذين يتقنون كتم السر، فقد وكله الرسول الله بأسماء المنافقين الذين كانوا يرغبون في إيذاء الرسول الله في غزوة تبوك
من بين أخطر المشاكل التي واجهها المسلمون في المدينة هو وجود المنافقين في وسطهم، وخاصة المنافقين من اليهود وحلفائهم. على الرغم من إعلان العديد منهم قبولهم للإسلام، إلا أن التغيير كان سطحيا واستمروا في التآمر والمكيدة ضد النبي والمسلمين. وبفضل قدرة حذيفة بن اليمان على الكتمان، كشف الرسول له أسماء المنافقين، وهو سر كبير لم يكشفه النبي لأحد من أصحابه. وكلف النبي حذيفة بمراقبة حركات المنافقين ومتابعة نشاطهم، وحماية المسلمين من الخطر الشرير.
كان على حذيفة بن اليمان مسؤولية كبيرة، حيث إن المنافقين كانوا يشكلون خطرا على المجتمع أكبر من العداء الصريح للكفار، وذلك بسبب سريتهم ومعرفتهم بتطورات وخطط المسلمين من الداخل
بدءا من ذلك الوقت، أطلق على حذيفة بن اليمان لقب `صاحب سر رسول الله`، وظل خلال حياته وفي فترة حكمه يحتفظ بسرية أسماء المنافقين، وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، كان الخليفة عمر رضي الله عنه يتوجه إليه كثيرا لطلب نصائحه حول تحركاتهم وأنشطتهم، ولكنه كان يحتفظ بالصمت ويتحلى بالحذر
سماحة حذيفة بن اليمان
لم يزعج حذيفة بن اليمان النبي (صلى الله عليه وسلم) في صلاته ، فانتظره حتى ينتهي من أداء عبادته ، حيث كان يتبع مبدأ أنه عندما نرى الناس يصلون ويؤدون الذكر ثم يكملونه ، وإذا توقفنا أمامهم وأعلمناهم أننا ننتظرهم فلن يتمكنوا من القيام بذلك بشكل صحيح
شخصية حذيفة بن اليمان وصفاته النبيلة
لحذيفة بن اليمان ثلاث صفات أثرت بشكل خاص على النبي، وهي
- كان ذكاءه الفريد هو ما استخدمه في التعامل مع المواقف الصعبة .
- سرعة ذكائه واستجابته التلقائية لنداء العمل .
- يتمتع بقدرته على الحفاظ على السر حتى في ظل الاستجواب المستمر
لم يخف شيء في حياته عن الرسول ولا في ذاته الداخلية، كان صادقا وجديرا بالثقة وكان يحب الأقوياء في البر ويكره غير الصريحين، أي المنافقين والضالين.
معارك شارك بها حذيفة بن اليمان
في المدينة المنورة، بعد الهجرة، ارتبط حذيفة بن اليمان بالنبي (صلى الله عليه وسلم) بشدة، وكانت إحدى صفاته التي جعلته محبوبا من النبي (صلى الله عليه وسلم) هي قلقه من مواجهة الشرور والاستعجال في محاربتها، ثم شارك في جميع المعارك ما عدا معركة بدر بسبب حادثة طريفة تظهر مدى وفاء الرسول لعهده مع أعدائه وأصدقائه على حد سواء
حذيفة بن اليمان أوضح للرسول سبب عدم مشاركته في معركة بدر
(حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ قَالَ مَا مَنَعَنِى أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلاَّ أَنِّى خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِى(حُسَيْلٌ) قَالَ فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ قَالُوا إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا فَقُلْنَا مَا نُرِيدُهُ مَا نُرِيدُ إِلاَّ الْمَدِينَةَ. فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلاَ نُقَاتِلُ مَعَهُ فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ فَقَالَ انْصَرِفَا نَفِى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِم) .
حذيفة بن اليمان في معركة أحد
شارك حذيفة في معركة أحد مع والده، تعرض حذيفة لضغط كبير خلال المعركة، لكنه تصرف ببراعة وخرج سالما، ولكن كان لوالده مصيرا مختلفا نوعا ما في انتظاره.
في تلك الحرب التي أراد الله سبحانه وتعالى من خلالها تربية نفوس الصحابة على الطاعة التامة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وتعليمهم الأخلاق الحميدة الأخرى .
تعرض حذيفة بن اليمان لمحنة كبيرة، إذ عاد إلى البيت سالما، لكن والده استشهد بسيف المسلمين أنفسهم وليس المشركين، حيث كان هناك الكثير من الفوضى بعد عودة المشركين إلى ساحة المعركة. وكما يقال بمجرد أن تبدأ العجلة في التدحرج يصعب إيقافها، فقد هاجم المسلمون والد حذيفة بالخطأ، ورغم أن حذيفة حاول إيقافهم، إلا أنه لم يستطع ذلك، ولذلك قتل والد حذيفة بن اليمان بالخطأ بسيوف إخوته في الإيمان. وعبر حذيفة عن حزنه لهم بقوله: “غفر الله لكم لأنه أرحم من يرحمهم
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله : شهد اليمان وابنه حذيفة أُحُدًا، واستشهد يومئذ بسبب خطأ قتله بعض الصحابة الذين لم يعرفوه، لأن الجيش يختفون في أماكن الحرب ويسترون وجوههم، وإذا لم يكن لهم علامة بينة فقد يحدث أن يقتل الأخ أخاه دون أن يدركوا ذلك .
حذيفة بن اليمان في معركة الخندق
كان من صفات الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن يبرز صفات وقوى كل رفيق له ويستخدمها، ويكون حريصا على اختيار الرجل المناسب للمهمة المناسبة، وهذا ما فعله مع حذيفة بن اليمان، حيث كانت إحدى أكثر المناسبات اختبارا، والتي تطلب استخدام ذكاء حذيفة وحضوره الذهني، خلال معركة الخندق، حيث كان المسلمون محاصرون بالأعداء، وكان الحصار قد استمر لفترة طويلة. وكان الضغط شديدا على المسلمين لدرجة أن البعض بدأ في اليأس، في حين لم تكن قريش وحلفاؤها في أفضل حالاتها، إذ تم استنزاف قوتهم وتصميمهم وتدمير معسكراتهم بفعل الرياح العاتية والعواصف الرملية. وفي مثل هذه اللحظات الحاسمة في تاريخ الحرب، يكون الجانب الخاسر هو الذي ييأس أولا، والجانب الذي يستمر لفترة أطول هو الذي يفوز
غالبًا ما يثبت دور استخبارات الجيش في مثل هذه المواقف أنه عامل حاسم في تحديد نتيجة المعركة، في هذه المرحلة من المواجهة ، شعر الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنه يستطيع استخدام مواهب وخبرة وذكاء حذيفة بن اليمان حيث قرر إرسال حذيفة إلى وسط مواقع العدو تحت جنح الظلام ليطلعه على آخر المعلومات عن أوضاعهم ومعنوياتهم قبل أن يقرر خطوته التالية.
هذا لا يعني أن إيمان الصحابة الآخرين لم يكن مثل إيمان حذيفة بن يمان، حيث إنهم كانوا بشرًا، وأحيانًا يكون بعض الأشياء صعبة لبعض الناس وقد يعتقدون أن الآخرين قد يكونون قادرين على القيام بالعمل بشكل أفضل منهم
ما حدث لحذيفة بن اليمان في تلك الليلة كان مذهلا، حيث تقدم بسرعة بين الجيشين واخترق محيط معسكر أعداء قريش. وكانت الرياح العاتية قد أطفأت الحرائق في المخيم، حتى أصبح المكان مظلما. ثم انتقل حذيفة بن اليمان إلى موقعه في وسط صفوف المقاتلين. كان أمير قريش، أبو سفيان، يخشى أن يفاجئهم الظلام بكشافة المعسكر الإسلامي، فوقف ليحذر جيشه .
وفاة حذيفة بن اليمان
في يوم من أيام السنة 36 هـ في المدائن، وفي إطار استعداده للرحيل الأخير، جاء بعض رفاق حذيفة بن اليمان لزيارته. سألهم قائلا: `هل جئتم بكفن؟` أجابوا بنعم، فطلب منهم أن يريه. عندما رآه، وجد أن الكفن كان جديدا وطويلا جدا. فرسم ابتسامة ساخرة على شفتيه، وقال: `ليس هناك حاجة لكفن باهظ الثمن، فإن كنت بخير، فسيستبدله الله بكفن أفضل، وإن لم أكن بخير في نظر الله، فسيخلصني الله من كفن جسدي.` ثم صلى إلى الله. قبل وفاته، قال حذيفة بن اليمان: `مرحبا بالموت، أيها الحبيب الذي أتى بلهفة، لا ينفع الندم فيمن لا ينجو.