من هو أبو دلامة ؟ .. وأجمل طرائفه
زند بن الجون هو شاعر ساخر عاش في العصر العباسي، وكان مملوكا لرجل من أهل الرقة من بني أسد، ويرجع اختلاف المؤرخين حول اسمه لشهرته بكنيته دون اسمه، وعاشر الثلاثة خلفاء الأوائل من بني عباس، وهم السفاح، والمنصور، والمهدي، وكان شاعرهم الخاص، وكان دائما موجودا معهم، وتميز بحسه الفكاهي وأسلوبه الممتع في الرواية .
سبب تسميته بأبو دلامة
يعتقد البعض أن الجبل الذي يطل على الحجون في مكة، والذي يتميز بصخور سوداء، هو السبب وراء تسمية أبو دلامة، في حين يختلف البعض الآخر حول ذلك ويرجعون السبب إلى ابنهم الذي يحمل نفس الاسم. كان هذا المكان هو المكان الذي كان يستخدمه الرجال في العصر الجاهلي لإخفاء بناتهم، وسموه أبو دلامة لأنه كان طويلا وأسود مثل الجبل .
نسبه ومولده
والده كان قصاص بن لاحق وكان عبدا لأحد رجال بني أسد من أهل الرقة، ثم انتقل إلى الكوفة مع مولاه، وتربى أبو دلامة فيها، وكان وفاؤه لبني أسد. لا توجد تفاصيل واضحة عن مولده، ولكنه عاش في الدولة الأموية لمدة أكثر من عشرين عاما، مما يجعل البعض يعتقد أنه ولد في عام 100 أو 110 هجرية، وذكرت بعض الروايات أنه توفي كشيخ كبير في عام 160 هجرية .
طرائف أبو دلامة
ذكر أبو دلامة قصة دخوله إلى جلسة أبي جعفر المنصور، حيث كان لديه ولدان، جعفر والمهدي، وابن عمه عيسى بن موسى. وقال المنصور لأبو دلامة: “عاهدت نفسي إن لم تهجو أحدا في المجلس، فسأقطع لسانك”. ونظر أبو دلامة إلى أفراد المجلس ووجد الخليفة وأولاده وابن عمه موجودين، وكانوا يشيران إليه بإصبعهم إذا تخطى أحدهم. وأدرك أنه إذا هجوت أحدهم فإنه سيموت. ولم يجد أحدا من الخدم ليهاجمه، ففكر في الحلف على أحد في المجلس. وقال في نفسه: “أنا واحد من أفراد المجلس، فإذا لم أهاجم أحدا، فسأهاجم نفسي
لا أبلغ إليك أبا دلامة فليس من الكرام ولا كرامه
عندما يرتدي القرد العمامة يصبح، وعندما يخلع الخنزير العمامة يكون
جمعت ذمامة وجمعت لؤما، كذلك اللؤم يتبعه الذمام
إذا كنت قد أصبت بنعيم الدنيا فلا تفرح، فقد اقتربت القيامة
ضحك المنصور حتى استلقى وأمرني بجائزة .
-من خلال مواقفه، دعا الأمير الكوفي روح بن حاتم المهلبي للنزول إلى ساحة القتال مرة واحدة أمام أحد الفرسان. ولكن أبو دلامة رفض ذلك بسبب جهله بأمور القتال والطعن والتصفيق، وأظهر الخوف والشك عليه. لكن الأمير أبدى إصراره، فعندما رأى أبو دلامة إصرار الأمير، قال: أنا جائع، فأطعمني. فقدم الأمير له الخبز واللحم، وتقدم الرجل وتناولهما. ثم قال له أبو دلامة: اصبر يا رجل، هل تعتبرني محاربا؟ ثم قال: هل تعرفني؟ فأجاب الفارس: لا. فسأله أبو دلامة: فهل أعرفك؟ فأجاب الفرس: لا. فقال أبو دلامة: إذا لا يوجد أحمق منا في العالم ودعاه لتناول الطعام. ثم تناولا الطعام معا وانفصلا. سأله الأمير روح عما حدث، فحكى القصة وضحك، ودعا له. ثم سأله عن القصة فقال
إنّي أعوذ بروحٍ أن يقدّمني إلى القتال فتُخزى بي بنو أسد
آل المهلّب حبُّ الموت ورثكم إذ لا أورث حبَّ الموتِ عن أحد
– ومن طرائفه كذلك أنه كان يستغل دائما أوقات صفاء الخلفاء لتلبية حاجاته، وكان يختار الوقت بعناية ودقة بالغة، وكان السفاح يستمع له، فكان واقفا معه في أحد الأيام فقال له سلني حاجتك، فقال أبو دلامة أريد كلب صيد، فأمر الخليفة بإعطائه، وقال أبو دلامة وأريد دابة تصطاد عليها، فقال الخليفة أعطوه إياها، وقال أبو دلامة وغلام يقود الكلب ويصطاد به، فقال الخليفة أعطوه غلاما، وقال وجارية تصلح الصيد وتطعمنا منه، فأمر الخليفة بجارية، فقال أبو دلامة يا أمير المؤمنين هؤلاء عبيدك لابد لهم من دار يسكنونها، فقال الخليفة أعطوهم دارا تجمعهم، فقال أبو دلامة وإن لم تكن لهم ضيعة فمن أين يعيشون؟ فقال الخليفة قد أقطعتك عشر ضياع عامرة، وهكذا استغل أبو دلامة الموقف واستغل الفرص كأنه قناص يصطاد الفريسة .
– وفي موقفه مع الخليفة أبو جعفر المنصور فقد كان ينسى الخليفة هيبته أمام الناس ، عندما فاجأه أبو دلامه بإحدى نوادره ، حتى عند موت زوجته ، فقد ماتت زوجته حمادة بن عيسى وكانت ابنة عمه وأبدى مظاهر الحزن عليها أمام أقاربها من بني عمومته ، فوقف المنصور ينتظر مجئ الجنازة ومعه أبو دلامة ، وأراد أبو جعفر المنصور أن يرتدي زي الواعظ لأبي دلامة فسأله عن رؤوس الأشهاد يا أبا دلامة ما أعددت لهذه الحفرة ؟ وأشار للقبر ، فما كان من أبي دلامة إلا أن قال : ” أعددتُ لها بنت عم أمير المؤمنين حمّادة بنت عيسى، فضحك المنصورُ وضحك الناس، وقال له المنصور ويحك فضحتنا بين الناس” .
في إحدى المرات، علم الخليفة أن أبو دلامة خرج من عنده وشرب حتى سكر، فقام الخليفة باعتقاله وهو في حالة سكر، وأمر السجان بوضعه في حظيرة الدجاج في السجن، وعندما استفاق وعلم بالأمر، كتب للخليفة قصيدة تقول:
أميرُ المؤمنين فَدَتك نفسي ففيمَ حبستني وخرقتَ ساجي
أقيدت بغير ذنب إلى السجون، كأنني بعض عمال الخراج
إذا كنت معهم، لكان وجدي أصبح أخف، ولكنني أصبحت مع الدجاج