من هم ” الصعاليك ” و سبب تسميتهم
يطلق اسم الصعاليك على جماعة من الناس العرب القدماء، حيث عاشوا في الجاهلية قبل الإسلام وذاع صيتهم في الجزيرة العربية بأكملها، وهم من قبائل مختلفة من العرب، خرج كل واحد منهم عن سلطة القبيلة، ورفض عاداتها وواجباتها واختار العراء سكنا له خاصة بعد طردهم من قبائلهم لمعارضتهم لحكم القبيلة، حيث كان معظم صعاليك الجاهلية شعراء مجيدين كتبوا العديد من القصائد من أعيان الشعر العربي، ومن أهم شعراء الصعاليك الشنفري، السليك بن سلكة، عروة بن الورد، وتأبط شرا
خصائص شعر الصعاليك
كان شعراء الصعاليك من أبطال الجاهلية، حيث كان الشاعر يعكس حياته ويكتب عن تجربته وواقعه الذي يعيشه، وهذا ليس غريبا على خصائص شعرهم، فقد عاشوا حياة قاسية في البرية، مبتعدين ومعرضين لمختلف أنواع الأخطار ومطاردين من قبائل ومقاتلي القبائل، ولذلك كان لهم تأثير كبير في شعرهم، ويجب أن ينعكس ذلك على ألفاظهم ومواضيعهم وقصصهم التي كانوا يسردها ويكتبونها بالشعر، فكان شعر الصعاليك تعبيرا عن حياتهم التي كانوا يعيشونها وعن شخصياتهم ونفوسهم وبطولاتهم وشجاعتهم.
كان شعر وأدب الصعاليك عبارة عن مرآة تعكس الحالة الشعورية النفسية التي تسيطر عليهم من جراء الحزن والألم الذي يسببه الحياة الصعبة والقاسية، وهذا الأمر دفعهم لاختيار الكلمات الوعرة والخشنة لتوضيح شدة تلك الحالة النفسية التي اضطروا إليها دون اختيارهم.
مفهوم الصعلكة
يأتي مصطلح الصعلكة من تصعلك الإبل، وهو عندما تخرج أوبارها وتفقد جلدها الخارجي، ويعني الفقر والتجرد من المال والانسلاخ من الجلد البشري والدخول في جلد الحيوانات المفترسة. وكان هذا التعريف مرتبط بالفقر، ولكن في الاستخدام الإنساني، لا يعني الصعلكة بالضرورة الضعف، فهناك فئات من الصعاليك تمردت على سلطة القبيلة وثارت على الظلم والقمع والاستبداد الذي تمارسه القبيلة على بعض أفرادها، وأطلق عليهم اسم ذؤبان العرب، مشبهين إياهم بالذئاب.
هناك العديد من العوامل الجغرافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي أدت إلى بروز ظاهرة الصعلكة في الصحراء العربية أثناء العصر الجاهلي، وكان العامل البيئي له دور كبير في بروز تلك الفئة، نظرا لقسوة الصحراء وشحها بالطعام إلى درجة الجوع الذي يهدد الإنسان بالموت.
فئات الصعاليك
يعني كلمة “الصعلوك” في المعجم الفقير الذي لا يملك مالا يساعده على العيش، ويطلق هذا اللقب في بعض الأحيان على قطاع الطرق الذين يمارسون أعمال السلب والنهب. ولكن في القدم، تم استخدام اللقب للإشارة إلى اللامباليين المتمردين الذين أشهروا شعار الرفض في وجه قبائلهم، ولم يمتثلوا لتعاليم القبيلة وتقاليدهم وتم طردهم، وكان معظمهم من شعراء الجاهلية المميزين واشتهر شعرهم بشكل كبير لأن معظمه كان يردد صيحات الفقر والجوع ويندد بالأغنياء الأشحا.
اشتُهِرت الصعاليك بقوتهم في إطلاق الأسهم وصبرهم وسرعتهم في التحرك ضد العدو، وتنقسم فئات الصعاليك إلى .
يطلق على فئة الخلعاء اسم فئة الشذاذ، وهم الأشخاص الذين يخالفون أعراف القبيلة التي ينتمون إليها، وتقوم القبيلة بطردهم خارج حدودها.
تشمل فئة السود أبناء الحبشيات الذين لم يعترف بهم آباؤهم.
الملتحقون بالصعاليك هم الفئة التي اختارت اتباع طريق الصعلكة واحترافها كجزء من الفروسية.
أبرز شعراء الصعاليك
تميزت فترة الصعاليك بتعدد شعرائهم المشهورين، ومن بينهم:
عروة بن الورد، من سكان نجد وكان من الشجعان والأبطال المشهورين في العرب، وكان لقبه أمير الصعاليك، إذ كان أحد أهم وأعظم شعراء الجاهلية. كان هو الشخص الذي غير نظرة العالم تجاه تلك الفئة المهمشة، وانتمى إليهم بارادته وقادهم في الكثير من المعارك للهجوم على القبائل ومساعدة الفقراء وتقديم المساعدة لهم، وتوفي مقتولا في إحدى تلك المعارك.
حاجز بن عوف الأزدي هو شاعر جاهلي كان حليفًا لبني مخزوم، واشتهر بسرعته في مواجهة العدو، وكان يعرف كيفية التعامل مع الخيول في المعارك، وتركّز شعره على المواضيع القوية.
الشنفري هو شاعر من شعراء الجاهلية، ينتمي إلى عشيرة العدنانية التي تبرأت منه بسبب مواقفه المعادية لشيخ القبيلة وتحريضه للناس عليه، وتنسب له لامية العرب التي تعد من أهم ما قيل في الشعر العربي العري، وانضم إلى الصعاليك في غاراتهم، وكان معاديا وفتاكا للعرب، وقتل بعد أن هاجم قبيلة سلامان وسب شيوخها.
تأبط شرا، هو ثابت بن جابر من قبيلة الفهمي التابعة لأهل تهامة، وقد حصل على لقبه بسبب عادته الدائمة لوضع سيفه تحت إبطه عندما يخرج للغزو. قد قالت أمه في إحدى المرات لمن سأل عنه: `لقد تأبط شرا وخرج`. وانضم تأبط شرا إلى الصعاليك لأن أمه كانت حبشية ولم يعترف به والده بأنهم من نسلها.
كان قيس الحدادية الخزاعي شاعرًا شجاعًا يهاجم من يعاديه أو يخالفه، وتبرأت قبيلته منه في سوق عكاظ، وانضم إلى الصعاليك، حيث يقال إن الحدادية هي أمه واختار أن يُسمى باسمها.
شعر الصعاليك من الناحية الفنية
يمثل شعر الصعاليك تحولا فنيا جذريا عن نمطية بنية القصيدة العربية الثلاثية، حيث إن معظم قصائدهم هي مقطوعات قصيرة وليست قصائد كاملة. واستغنوا في قصائدهم البسيطة عن الغزل الحسي ووصف الناقة، حيث يحل الحوار مع الزوجة حول حياة المغامرة محل النسيب التقليدي في بعض تلك القصائد. وتعكس نظرتهم المتفردة إلى المرأة موقفا يتعدى حسية العصر الجاهلي الذي يركز على جمال الجسد، ويتجاوزه ليرى جمال المرأة في الرحمة والنفسية والخلق.
رغم أن شعر الصعاليك كان يهدف إلى وصف حياتهم وتجربتهم في الإغارة والثورة ضد الأغنياء والسماح بالسرقة والنهب، إلا أنهم اهتموا بمشاكل فئة محددة في تلك الفترة، حيث رصدوا واقعهم وأعربوا عن همومهم ومشاكلهم، ونقلوا ثورتهم النفسية العنيفة بسبب الظلم الاجتماعي.