من هم الزنادقة
الزندقة هي مصطلح عام يطلق على عدة حالات، ويعتقد أنه تم إطلاقه لأول مرة في التاريخ من قبل الإسلام واستخدم لوصف متبعي الديانات الوثنية والمانوية، وكذلك المدعين للنبوة والدجالين والمعتقدين بوجود قوتين في العالم وهما الظلام والنور. ولكن بدأ المصطلح يستخدم تدريجيا على أصحاب البدع والملحدين، ويطلق على كل من يخالف مبادئ الدين الإسلامي وكتابه وشعرائه، وتم استخدام مصطلح الزنديق من قبل البعض للإشارة إلى كل من يقوم بالمخالفة لمبادئ الدين الإسلامي.
تعد فكرة ظهور حركة الزندقة في وقت الإسلام من الموضوعات الغامضة التي لم يتم تسليط الضوء عليها ولم تنل اهتماما من المؤرخين، على الرغم من كون تلك الحركة قديمة وتعود بالكاد إلى العصر العباسي. وهناك العديد من كتب التاريخ التي تناولت هذا الموضوع، ولكن بشكل سطحي، إذ تحدثت عن أشهر الزنادقة وما تعرضوا له من محاربة شديدة في عهد خلافة أبي عبد الله محمد المهدي. ومن تابع تلك الفترة الزمنية وجد أن الزندقة أصبحت تهمة يتهم بها كل من خالف الآراء السائدة في عصره بدون النظر في الرأي بشكل جوهري.
أصل كلمة زندقة
يعتقد بعض الناس أن كلمة `زنديق` ذات أصول فارسية تعني الإلحاد أو نفي الإيمان، وبالتالي يتم تعريف الزنديق عادة بأنه الشخص الذي يتبنى الكفر ويعبر عنه فيما يسمح له الفرح، ولكنه في حالة الكشف عنه لا يخجل من إنكاره، وهذا هو ما يميز الزندقة عن النفاق، والمنافق كما تعرفه علماء المسلمين هو الشخص الذي يخفي الكفر في داخله.
يعتقد البعض أن هناك تشابها كبيرا بين المنافق والزنديق. يتم تعريف الزنديق بطريقة مشابهة للمنافق، وأحدهم ابن تيمية الذي وصف الزنديق كشخص منافق يكتم الكفر ويظهر الإسلام. هناك آخرون يرون أن الزندقة هي مصطلح فارسي يعني الشخص الذي يتبع الزند، أي الشروحات القديمة للأفستا التي كتبها زرادشت والذي أسس الديانة الزرادشية.
كبار الزنادقة
– بالإستناد إلى كتاب الفهرست لإبن النديم، والذي تناول فيه موضوع الزندقة وتحديدا أنواع الزنادقة ومنهم طائفة المانويون وهم من كانوا مؤمنين بالمانوية بشكل صادق، وطائفة المتكلمين وهم المقصود بهم المشككين الذين خاضوا المناقشات الدينية ومن أشهرهم أبو عيسى الوراق وصالح بن عبد القدوس ونعمان بن أبي العوجا، وطائفة الأدباء وأشهرهم بشار بن برد.
وفي قصيدة لبشار بن برد يقرب تعريف الزندقة من الزرادشتية حيث يقول
إبليسُ أفضلُ من أبيكم آدم فتبينوا يا معشر الفجار
النارُ عنصره وآدم طينة والطين لا يسمو سمو النارِ
هناك قصيدة أخرى يظهر فيها الزندقة كما لو كانت مطابقة تمامًا للنفاق ، فيقول فيها:
وإنني في الصلاة أحضرها ضحكة أهل الصلاة إن شهدوا
أقعدُ في الصلاة إذا ركعوا وارفع الرأس إن هم سجدوا
ولستُ أدري إذا إمامهم سلم كم كان ذلك العددُ
وفقا لكتاب تاريخ الإلحاد في الإسلام للكاتب عبد الرحمن بدوي، يتواجد الزنادقة في العديد من الأماكن مثل حلب وبغداد والبصرة ومكة والكوفة، وتشمل اتهاماتهم الشائعة الابتعاد عن فروض الإسلام مثل الصلاة والصيام والحج، أو ادعائهم أنهم قادرون على كتابة نصوص أفضل من القرآن الكريم.
ابن المقفع وتهمة الزندقة
ولد عبد الله بن المبارك، المعروف أيضا باسم ابن المقفع، في عام 106 هجريا في خرسان. وكان عالما بالثقافة الهندية والفارسية واليونانية، بالإضافة إلى إتقانه للغة العربية. ويعتبر كتاب كليلة ودمنة واحدا من أشهر وأهم الكتب التي كتبها ابن المقفع.
يعتقد الكثيرون أنه تم اتهامه بتهمة الزندقة كنتيجة لخلافات سياسية في الأسرة العباسية. ولكن بعض الآخرين يرون أنه في بعض كتاباته، وخاصة في باب برزويه من كتاب كليلة ودمنة، قد أشار إلى الإلحاد. يقول: `وجدت الأديان والملل كثيرة من أقوام ورثوها عن آبائهم وآخرين مجبرون عليها وآخرون يسعون بها للحصول على المكاسب الدنيوية والمراكز الاجتماعية. فقررت أن أستشير علماء كل ديانة لأعرف الحقيقة من الباطل. قمت بذلك وبحثت ولم أجد أحدا منهم يقدم عدلا وصدقا يمكن للعقل أن يقبله ويقتنع به.
واستنادا إلى كتاب الجاحظ بعنوان المعلمين، وصف ابن المقفع على النحو التالي: `من الممكن أن يتفوق الرجل في فن وتقنية العلم ويعتقد في نفسه في ذلك الوقت أنه كما أصاب الخليل بن أحمد بعد اتقانه للنحو والعروض، إذا ادعى العلم في الكلام وأوزان الأغاني، فإنه يخرج من الجهل إلى مستوى لا يصل إليه إلا بتخلى الله تعالى عنه.
ذُكِر في كتاب ابن بابويه القمي “التوحيد” رواية تُنسب إلى ابن المقفع، حيث يقول إن الأشخاص الذين يؤدون الطواف حول الكعبة هم “رعا” وبهائم” في يوم من الأيام.