من بلاغات القران
القرآن الكريم قد تميز بدليله الكبير ووضوح بيانه، وإشارته المشرقة، وهو يشكل كالشمس التي يستنير بها المؤمنون ليستطيعوا توجيه حياتهم نحو الحق، حتى يصبح لديهم حجة قوية أمام الله عز وجل، وفي توضيح هذه الحقيقة يقول الله عز وجل: ﴿يا أيها الناس قد أتيناكم بدليل من ربكم ونزلنا إليكم نورا مبينا﴾ .
فضل تلاوة القرآن الكريم
حيث جاء الأمر من الله تعالى لنبيه وللمسلمين بتلاوة القرآن الكريم في القرآن نفسه، فقد قال لله تعالى: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)، وان الله عز وجل قد وعد أهل القرآن والمداومين على تلاوته أجورا عظيم سواء في الدنيا أو الآخرة، فقد قال الله لأهل قراءة القرآن: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ*لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)،ومن هذه الأجور والثمرات التي تمنح لأهل تلاوة القرآن ما يأتي:
يتجنبون الشر الذي يتحدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: (إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب)، وكذلك نبي الله يمدحهم بقوله: (مثل الذي يقرأ القرآن كالأترجة، طعمها طيب وريحها طيب).
إنهم يشعرون بالغبطة والحسد المحمود بين الناس، وفقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل).
بالإضافة إلى أنهم يحظون بتلاوتهم في الدنيا والآخرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين).
ويُرزَقون بالبركة في جميع أمورهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عليك بتلاوة القرآن وذكر الله؛ فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء).
إنهم يحصلون ببركة تلاوتهم على خير من الدنيا وما فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: `أي منكم يحب أن يذهب كل يوم إلى البطحان أو العقيق ويأتي بناقتين كوماوين، دون أي إثم أو قطيعة رحم؟` فقلنا: `يا رسول الله، نحب ذلك.` فقال: `أفلا يذهب أحدكم إلى المسجد ويتعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل؟ فإن ذلك خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل.
– ان أهل تلاوة القرآن في مقام القانتين إلى ربهم، فالنبي الكريم قال: (مَن حافظَ على هؤلاءِ الصَّلواتِ المَكْتوباتِ لم يُكن منَ الغافلينَ، ومن قرأَ في ليلةٍ مئةَ آيَّةٍ لم يُكْتب منَ الغافلينَ، أو كتبَ منَ القانتينَ)، وقد أمنوا من الغفلة كما أخبرنا النبي صل الله عليه وسلم في حديث آخر.
أمثلة على بلاغة القرآن الكريم
سنتحدث عن بلاغة العبارات القرآنية في التفاوت بين المصطلحات التي يتم استخدامها بشكل مترادف في بعض الأحيان، وسنقدم أمثلة توضح روعة الخيال الحسي والتصوير الفني في العبارات القرآنية.
لا ترادف في القرآن
يميل أهل البلاغة القرآنية إلى عدم وجود الترادف في القرآن، وذلك لأن التراكيب القرآنية التي تبدو مترادفة تحمل فروقا تخرجها عن معنى الترادف، ويتم فهم الترادف في اللغة عندما تتوالى كلمتان أو أكثر وتستخدم لإيضاح شيء واحد، ومن الأمثلة على الفروق البلاغية في القرآن ما يلي:
– الخشية والخوف: فعلى سبيل المثال، يمتلك الخشية والخوف دلالتان مختلفتان في التعبير القرآني، حيث يقول الله تعالى (ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب)، فالخشية تأتي من الله، والخوف من سوء الحساب، وتكون الخشية من المولى سبحانه، ويعبر الخوف عن ضعف الخائف من المخوف وهو سوء الحساب.
– العباد والعبيد: حيث ان العباد في القرآن الكريم لفظ له كرامة الصلة بالله تعالى بينما لفظ العبيد فهو يشمل البر والفاجر، وقد جاء الآيات الكريمة وفقا لهذا التفريق في المعنى ودلالة كل منه، ففي لفظ عباد قال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَـنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا)، وعندما تم استخدام لفظ عبيد قال سبحانه: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ).
التصوير الفني في القرآن
التصوير الفني في القرآن الكريم تعدد بعدة أنواع، وهي كالآتي: – التصوير الحسي المتسلسل
يجد المتدبر للنص القرآني في نهاية سورة مريم وصفا فريدا لمشهد من مشاهد الآخرة، يصوره القرآن بشكل حسي متسلسل، حيث سيجمع الله المؤمنين والشياطين حول النار جثيا، ثم سيختار الله من كل شيعة أشد عتيا على الرحمن.
التخييل الحسي
وهو يقصد به الحركة الحية التي يضفيها التصوير القرآني للمشهد فيقوم ببث الحياة فيه ، ويحوله في ذهن القارئ المتدبر إلى منظر مليء بالتفاعل والحركة، ومن أمثلة ذلك قول الله تعالى : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) حيث جاء التّعبير بـ “اهتزت” موح بالمشهد الذي أعاد للأرض بهاءها.