من الصحابي الذي بنى مدينة القيروان
بناء مدينة القيروان
تم تشييد مدينة القيروان في الخمس والخمسين هجرية، ولكن الفكرة نشأت في ذهن مؤسسها في الخمس والخمسين هجرية، وكانت الفكرة في ذهن أحد القادة البارزين في الفتوحات الإسلامية، وهو أحد أصحاب النبي والقائد الصحابي عقبة بن نافع – رضي الله عنه. كان عقبة بن نافع – رضي الله عنه – يعتقد أن الأراضي الأفريقية بحاجة إلى مدينة إسلامية، تنشر العقيدة في قلوب أهلها الذين اعتنقوا الإسلام، وتأسس دولة إسلامية قوية، وتثبت أهلها في الإسلام.
لقد كان يخشى عقبة بن نافع رضي الله عنه إن هو ترك أهل بلاد أفريقية أن يرتدوا مرة أخرى، تاركين الإسلام ، وهو ما كانت بالفعل قد تعرضت له بعض فتوحات المسلمين، فقد كان يرى أن طباع البربر التحول والتغير، لذا كان يهدف ليس فقط دخول أهلها الإسلام، أو ضم بلاد أفريقية إلى الفتوحات الإسلامية وإنما كان هدفه أبعد من ذلك كان يهدف إلى جعل إسلام من فيها حقيقي بتحقيق دعائم الدولة داخلها من تعلم اللغة العربية ، لغة القرآن ، ومن بناء مظاهر الإسلام مثل المسجد مجاور لدار الحكم كما هو شأن كل الفتوحات السابقة للمسلمين.
اختار الموقع المعروف الآن للقيروان وهي إحدى مدن تونس الحالية كبديل عن الموقع السابق الذي كان لها من قبل، وعندما اختار المكان الذي يرغب في بناء دولته فيه، كان المكان مسكونا بالدواب والحيوانات والوحوش والأفاعي، والذي يستحيل معايشته ولا يصلح لبناء دولة، وكان المكان الذي اختاره عقبة بن نافع رضي الله عنه بعيدا عن ما يريده، ولم يكن يتوقع أن يتمكن من بناء دولة أو العيش في هذه البقعة من الأرض
يعرف عن عقبة بن نافع رضي الله عنه أنه مستجيب للدعاء، فدعا ربه فهرب كل ما كان في المكان من دواب وحيوانات ووحوش، حتى أن من رأى ذلك من جند البربر وأهلهم أسلموا في ذلك الوقت، ويحكى أيضا أن الذين كانوا معه شاهدوا كيف كانت الحيوانات تهرب وهي تحمل صغارها دون أن يدروا من أين تظهر أو تختفي، ثم أمر ببناء القيروان على النمط الإسلامي، حيث بني جامع القيروان بجانب دار الحكم وساحات كبيرة تقسم للقبائل، وأسلم من كان في القيروان بعد أن شاهدوا هروب الوحوش بفعل دعاء القائد عقبة بن نافع رضي الله عنه، وهذا ما رأوه بأم أعينهم
الصحابي الذي بنى مدينة القيروان
عقبة بن نافع بن عبد القيس هو من أسرة مدينة القيروان، ولد عقبة رضي الله عنه قبل دخول المسلمين للمدينة بعام واحد، لذا يعتبر صحابيا لأنه التقى بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته. أظهر عقبة بن نافع شجاعته واشتهر اسمه بين صفوف الصحابة والمسلمين عندما أعطاه القائد عمرو بن العاص رضي الله عنه فرصة الانضمام لجيش فتح مصر.
منذ ذلك الحين، فتحت له أبواب البطولات والانتصارات ودعم الإسلام، وكان عمر بن العاص رضي الله عنه يثق في قدرة عقبة بن نافع رضي الله عنه على قيادة الجيش، فأمره بفتح بلاد النوبة التي لم تستقبله بالترحاب كما توقع، بل واجه تحديا تماما، وتولى قيادة حامية برقة بعدما أمن عمرو بن العاص رضي الله عنه فتح مصر وغادرها، وترك عقبة بن نافع رضي الله عنه في قيادة برق.
على مر الزمان، تولى عدة حكام حكم مصر متتابعين، وفي كل مرة كان الحاكم يتعاقب على تعيين عقبة بن نافع رضي الله عنه كقائد لمدينة برقة.
ظهرت بطولات عقبة بن نافع رضي الله عنه في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم استمر وجوده في الجيوش الإسلامية في عهد كلا من عثمان بن عفان رضي الله عنه، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان دائما هدف القائد عقبة بن نافع رضي الله عنه أن يدخل البربر إلى الإسلام، وأن ينشر الدين في أفريقية ، وأن يفتحها ويثبت أهلها على الإيمان باللغة العربية و بالطراز الإسلامي في كل تفاصيلها.
وبهدف جعل مصر آمنة في حدودها، كان عقبة بن نافع (رضي الله عنه) يخشى الروم وهجماتهم وتعاون البربر معهم. وقد قاد عقبة بن نافع حملات لصد هجمات الروم، حيث كان يتفوق عليهم في مهارات الحرب والكر والفر في الصحراء، وبذلك دافعهم عن أراضي المسلمين. وتعامل عقبة بن نافع (رضي الله عنه) مع البربر ومع القبائل والبلاد التي انقلبت عن الإسلام بعد أن فتحها المسلمون وتأثرت بالفتن التي وقعت في عهد الصحابي عثمان بن عفان (رضي الله عنه) وعلي بن أبي طالب (رضي الله عنه). وكان يواجه البلاد المرتدة والقبائل المنحرفة، ويجدر بالذكر أنه كان يسعى للجهاد فقط ولم يكن جزءا من تلك الفتنة.
كان القائد العظيم والصحابي الجليل رضي الله عنه لا يواجه صعوبة في فتح البلدان، ولا يقف أمامه أي عائق مهما كانت شدته، ومهما صمد العدو فإنه سوف ينهزم بعد وقت قصير ويتراجع الروم والبربر أكثر.
أسباب اختيار مدينة القيروان
- اختيار مدينة القيروان يعود إلى موقعها الذي يسمح بالزراعة، وهو ما يحتاجه المجاهدون
- كانت الحياة العربية تتميز عن غيرها، حيث إن العرب كانوا يعيشون على الشواطئ ويهتمون بتربية الإبل، لذلك كانت حياتهم تشبه ذلك.
- لا يوجد فاصل أو عائق بين معقل القيادة الإسلامية في مصر والقيروان عن طريق البر دون استخدام البحار أو الأنهار.
- تعتمد مدينة القيروان على مياه الأمطار المخزنة، مما جعل الأمر صعبا في البداية، ولكن تلاشت المشكلة مع مرور الوقت بفضل الأجواء المميزة التي تتمتع بها تونس
استشهاد القائد عقبة بن نافع
كان هدف القائد العظيم والصحابي الجليل عقبة بن نافع رضي الله عنه، أن يفتح أفريقية ويجعل القيروان مدينة إسلامية خالصة ، ليس فقط بخضوع حكمها للمسلمين ، بل بإسلام أهلها عن عقيدة إسلام حقيقيا، وإيمان فلما فتحها ،ووصل إلى أقصى المغرب ولم يعد بينه وبين الانطلاق في ربوع الأرض كلها لنشر الإسلام ومحاربة الكفر لم يعد أمامه سوى البحر، وهو ما كان يفصله عن الانطلاق.
وقف عقبة بن نافع رضي الله عنه على فرسه في الماء، وهو يشهد بأنه قد بذل كل ما في وسعه من جهد لنشر الإسلام. ومع ذلك، حجبت المحيطات استمراره في السير. لذلك، عاد عقبة بن نافع رضي الله عنه إلى القيروان مرة أخرى وطلب من جنود الجيش أن يدخلوا القيروان تدريجيا بدلا من دخولهم جميعا في وقت واحد. ودخل هو وعدد قليل من جيش المسلمين إلى مدينة تهوذة، حيث كان عددهم يقارب 300 جندي. وحاصرهم الروم والبربر، استغلالا لقلة عددهم وخيانة منهم. قاتل عقبة بن نافع رضي الله عنه أعداءه الروم والبربر القلة الذين حاصروهم، واستشهد في هذه المعركة القائد العظيم، واستشهد معه كل الجنود المسلمين الذين شاركوا في المعركة.