من الذي بنى قبة الصخرة
يعد مسجد قبة الصخرة واحدا من المعالم الشهيرة في مدينة القدس، وهو بناء إسلامي جميل يتميز بقبته الذهبية والزخارف الفريدة، وقد تم بدء بنائه في نهاية العام السادس والستين للهجرة والانتهاء منه في عام السابع والعشرين للهجرة .
عبد الملك بن مروان باني قبة الصخرة
قام عبد الملك بن الحكم بن أبي العاص، المعروف بلقب أبو الوليد، ببناء قبة الصخرة. ولد في السنة 26 للهجرة، وقبل توليه الخلافة، كان معروفا بتفانيه في العبادة والزهد، وكان يرتبط بالمساجد. في عهده، شهدت الدولة الإسلامية صراعات سياسية متعددة، وتمكن من إزاحة عبد الله بن الزبير عن الخلافة، وقاد حروبا ضد الخوارج وتصدي للثورات الداخلية المتعددة. في عصره، حدثت العديد من الفتوحات الإسلامية، وكان الحجاج الثقفي من بين أبرز أعوانه .
لم يستطيع العلماء تحديد سبب معين وراء بناء عبد الله بن مروان لقبة الصخرة، فالبعض يقول أن السبب يرجع إلى تعظيم بيت الله المسجد الأقصى، والبعض الآخر يرى أن بناءه كان لهدف سياسي وهو صد الناس عن بيعة عبد الله بن الزبير في مكة، إلا أنه قام بالتعبير عن فكرته تجاه هذا البناء بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلَّا إلى ثلاثةِ مساجِدَ : المسجِدِ الحرامِ والمسجِدِ الأقصى ومسجدي هذا ” .
مراحل بناء وإعادة إعمار قبة الصخرة
قبة الصخرة قد مرت بمراحل مختلفة على مر التاريخ لتظهر أمامنا بالشكل الذي نراه الآن. في البداية، تم بناؤها، ثم تم إعادة إعمارها منذ العهد الأموي، واستمر ذلك على مر العصور الإسلامية .
مرحلة تأسيس قبة الصخرة
تم بناء قبة الصخرة والمسجد القبلي في العهد الأموي، حيث بدأ مهندسو الدولة الأموية في بناءها في عام 66 للهجرة، واستمرت عملية البناء لست سنوات حتى انتهت في العام الثاني والسبعين للهجرة. هناك العديد من القصص المختلفة عن قبة الصخرة، حيث يقول البعض إنها تشع بالنور، ويقول البعض الآخر إنها معلقة في السماء، ويقول آخرون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم زارها خلال رحلته في الإسراء .
تعد هذه القصص جميعها خرافات لا أساس لها من الصحة، وذلك وفقا لأقوال الباحثين. فقبة الصخرة ليست سوى صخرة طبيعية كانت في السابق قبلة أنبياء بني إسرائيل، وكما أنها الصخرة التي عرج منها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى السماء، ويوجد بها تجويف طبيعي يعرف باسم مغارة الأرواح، وهي ظاهرة مرئية للعيان حتى الوقت الحالي .
مرحلة إعادة إعمار قبة الصخرة
شهدت مدينة القدس العديد من الأحداث الطبيعية عبر تاريخها، ولذلك كانت الصيانة الدورية ضرورية، فقد تعرضت المدينة لزلزالين في العهد العباسي، ولذلك قام الخلفاء بإعادة ترميم المسجد وقبة الصخرة التي تضررت، كما حدث زلزالين آخرين في العهد الفاطمي وأدى ذلك إلى انهيار القبة، لذلك تم إعادة ترميمها في ذلك الوقت، وخلال الاحتلال الصليبي حاول الصليبيون تدنيس قبة الصخرة وتزييفها بمعالم صليبية، ولكن الناصر صلاح الدين الأيوبي استعاد هيبتها الإسلامية بعد تحرير القدس .
خلال العصور المملوكية والعثمانية، تزين قبة الصخرة بأجمل لوحات الفسيفساء الثمينة، وتم تجديدها وإصلاح ما تضرر على مر السنين. أما في العصر الحديث، فقد تعرضت قبة الصخرة للعديد من المحاولات التي استهدفت تدمير وطمس معالمها الإسلامية من قبل الاحتلال الصهيوني، وتعمل السلطات الأردنية على تنفيذ عمليات ترميم للقبة بشكل مستمر .
اهتمام المسلمين بقبة الصخرة
وصف كتاب ” مثير الغرام بفضائل القدس والشام ” للكاتب محمد بن سرور الشافعي مدى اهتمام المسلمين بقبة الصخرة وتعظيمهم لها، فعندما تم بناءها كانوا يقومون بطحن الزعفران ومزجه بالمسك والعنبر والماورد ويتركون هذا المزيج حتى يتخمر خلال الليل، وفي الغداة كانوا يأمرون الخدام ليدخلوا الحمام ويغتسلون ويتطهرون ويقومون بارتداء الثياب النظيفة ثم يأتون إلى مسجد الصخرة ومعهم المزيج الذي تم تخميره بالأمس .
كان الخدم يقومون بغسل الصخرة ثم يجلبون مجامر من الذهب والفضة التي تحتوي على العود والند وتمزج بالمسك والعنبر، ثم يلفون الستور حول الأعمدة كلها ويمشون بالبخور حول الصخرة، وينادي المنادي في صف البزازين لإعلان فتح الصخرة للجميع للصلاة عليها، وكان هناك عشر حجب على كل باب من أبواب المسجد، ويشم كل من يدخل المسجد رائحة البخور والمسك والعنبر .