مفهوم ثقافة الصمت
تعتبر الحكمة المعروفة للجميع “إذا كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب” من الأقوال المأثورة، وهذه الفلسفة أو الحكمة تمثل نهجًا يتبعه الكثيرون من الفلاسفة والأدباء والمفكرينوأفراد الشعب. ومفهوم ثقافة الصمت وتعريفه يختلف من شخص لآخر .
معنى الصمت في اللغة
إن كلمة الصمت في اللغة والتي تعتبر مصدر الفعل يصمت تُعنى السكوت أو التوقف عن الكلام لأي سبب ، حيث يُشار إلى الشخص غير الناطق سواء برغبته أو رغمًا عنه بأنه ( شخص صامت ) ، واصطلاحًا ؛ أشار بعض علماء اللغة إلى أن الصمت يُعني سقوط النطق وكتم الحق وانقطاع اللسان عن التعبير أو الإبداء بالرأي تجاه بعض أمور وعوارض الحياة .
ثقافة الصمت
تعد ثقافة الصمت من ضمن الثقافات الرفيعة، لأنها تعتبر تجنبا للثرثرة والجدال الذي لا فائدة منه، ويعتبر الشعوب المتقدمة هي التي تقدمت عندما توقفت عن الكلام وبدأت في العمل، وبالتالي، يعد الانخراط في الثرثرة والجدال الغير المفيد والذي لا يعود بأي شكل إيجابي على أي شخص، ضررا يعاني منه بعض الشعوب ويجب عليها التخلص منه .
ينقسم العلماء والأدباء والمفكرون إلى فئتين، فمنهم من لم يتمكن من اتباع تلك الثقافة الراقية جدًا، ومنهم من استطاع بالفعل التحلي بثقافة الصمت الراقي التي تضع صاحبها في موضع الاحترام والتوقير دائمًا .
أنواع الصمت
يوجد أنواع مختلفة من الصمت، حيث يمكن أن يكون الصمت سببه علَّة مرضية أو إعاقة، وقد يكون ناتجًا عن عدم الرغبة في التحدث والأمراض النفسية .
قد يكون الصمت ضروريًا في حالات الفتنة التي تتطلب عدم استمرار الأشخاص في نشر الأحاديث والأكاذيب وغيرها، وبعض الحكماء يرون أن الصمت هو الرد البليغ على العديد من المواقف والأحداث التي قد لا يكون الحديث فيها مفيدًا مهما كانت درجة بلاغته .
في حين أن هناك ثقافة أخرى تنتمي إلى أنواع الصمت أيضًا، وهي ثقافة الإسكات، التي تفرض بعض الأنظمة الحاكمة بها قيودًا محددة على الشعوب وتحظر الحديث في أمور معينة لمنع انتشار الفتن والاضطراب والإرهاب .
الفرق بين السكوت والصمت
الصمت والسكوت كلاهما وجهان لعملة واحدة، ولكن هناك فروق بسيطة بينهما، وذلك كما يلي:
يعبر السكوت عدم الكلام من قبل شخص قادر على التحدث، في حين يشمل الصمت كل المتعلقين، حيث يمكن أن يكون التوقف عن الكلام ناتجًا عن رغبة الشخص نفسه أو عدم القدرة على الكلام لأسباب صحية أو سياسية أو غيرها .
تسمى الفواصل القصيرة بين الحديث والحديث بـ `لحظات الصمت`، وأما إذا استمر الصمت لفترة زمنية طويلة تتجاوز اليوم، فإنه يسمى `فترة الصمت` .
السكوت يعني أن الإنسان يتوقف عن الكلام متى شاء، سواء كان صادقًا أو باطلاً، بينما الصمت يعني الامتناع عن الكلام بشأن الباطل دون الكلام عن الحق .
فوائد ثقافة الصمت
تعتبر ثقافة الصمت واحدة من أهم الثقافات التي يتعين على الشعوب تبنيها بشكل متوازن قدر المستطاع، لأنها تساعد على تحقيق عدد كبير من الفوائد الهامة جدًا، مثل:
يتمثل التوقف الحقيقي للإنسان في التحدث فيما يهمه فقط، وبالتالي التوقف عن نشر المعلومات والأخبار والشائعات الزائفة .
تُساعد عملالأعمال بشكل أكبر وتزيد من معدل الإنتاجية عندما يتم توفير فرصة ووقت أكبر لإتمام الأعمال بدلاً من الاشتغال في مناقشات طويلة وصراعات كلامية لا جدوى منها .
في بعض الأحيان، يؤدي السكوت عن الإهانة وعدم الرد على الإساءة، وخصوصًا الإساءة اللفظية، إلى احترام أكبر للشخص في مجتمعه .
-وكما نعرف جميعًا الحكمة الشهيرة والمعروفة التي تقول : ( من طال صمته طال حديث قلبه ) ؛ أي أن الصمت يُعطي الإنسان فرصة طوال الوقت لمراجعة أعماله وأفعاله والتفكير مليًا في الوصول إلى حلول للمشكلات المختلفة ؛ في حين أن كثرة الثرثرة تُميت القلب ، وبالتالي ؛ فإن ثقافة الصمت تعتبر عامل هام جدًا وأساسي في تنمية المجتمع بطريقة إيجابية .
الصمت في ضوء الإسلام
أشاد الدين الإسلامي بأهمية تجنب الجدل غير المجدِّي والثرثرة غير النافعة، وقد ورد ذلك في القرآن والسنة في عدد كبير من المواضع، مثل:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: `من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت` بحسب ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه .
وقد روي عن سيدنا علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه – أيضا قوله: `إذا تم العقل نقص الكلام` .
-وعن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : { رَحِمَ اللَّهُ امْرَءًا تَكَلَّمَ فَغَنِمَ ، أَوْ سَكَتَ فَسَلِمَ } .
-وقد ورد عن خليفة المسلمين عمر بن عبد العزيز قوله : { مَنْ لَمْ يَعُدَّ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ كَثُرَتْ خَطَايَاهُ } .
وقد ذكر إبراهيم بن ادم أيضًا أنه : { كان يقال ليس شيء أشد على إبليس من العالم الحليم ، إن تكلم تكلم بعلم وإن سكت سكت بحلم .
وبالتالي إن دل ذلك على شيئ ؛ فإنه يدل على أن التحلي بالفهم الجيد لأهمية ثقافة الصمت والحديث والقدرة دائمًا على التفكير جيدًا في أي كلمات قبل أن يتفوه بها صاحبها بحيث تكون كلمات ذو هدف راقي مُحدد خالية من الابتذال أو التجريح أو الكذب أو تشجيع الباطل هي أهم ما أشارت إليه تعاليم الدين الإسلامي الحنيف .
الفرق بين الصمت والخوف
ومن جهة أخرى ؛ فإن بعض الأشخاص قد يخلطون خطئًا بين الصمت والهيبة وبين الرهبة والخوف من الإبداء بالاراء تجاه أي موضوع أو قضية ، في حين أنه يوجد فرق كبير من الصمت العاقل والحكيم وبين الخوف ؛ حيث أن العديد من المواقف الحياتية المختلفة ؛ قد تُجبر بعض الأشخاص على التوقف عن الكلام من أجل إنهاء صراع أو الحفاظ على وِد أو غيرها من أسباب الصمت الأخرى وهي لا تكون نابعة عن الخوف ؛ وإنما تكون ناتجة عن قوة بصيرة ورغبة في تدارك الأمر دون ذكر حديث قد يُفسد العلاقات الاجتماعية المختلفة .
يعتبر السكوت في أوقات الفتن وعدم التعبير عن الآراء التي قد تؤدي إلى تفكك المجتمع وزعزعة الأمن والاستقرار بين الناس، من أهم أنواع الصمت؛ وبالتالي، يكون الصمت هنا ناتجًا عن الشعور بتحمل المسؤولية والحرص على المساهمة بشكل إيجابي في المجتمع .
الشخص الحكيم والعاقل هو الذي يدرك جيدا الوقت المناسب للحديث والوقت المناسب للصمت. بالتالي، اعتماد ثقافة الصمت لا يعني السكوت تماما وعدم التحدث إلا في حالات الضرورة، بل يعني التصرف بحكمة والتعرف على أوقات الكلام المفيد فقط .