ترتبط إملشيل، الموجودة بين أحضان جبال الأطلس الكبير الشرقية في المغرب، بموسم الخطوبة السنوي وأسطورة العشق `إيسلي` و`تسليت`. تعيش هذه المنطقة في عزلة شبه تامة عن باقي المناطق، بسبب ضعف الطرق، خاصة في فصل الشتاء، بالإضافة إلى التهميش الذي تعرضت له المنطقة لسنوات طويلة، وصعوبة الظروف الطبيعية والمناخية.

ويعتبر موسم الخطوبة والزواج الجماعي في إملشيل أو أرض العشاق إحياء لعادات قديمة لقبيلة تسمى ايت حديدو في المغرب. يشجع الشباب على الزواج ويمثل مهرجان إملشيل للخطوبة فرصة للسياح الذين يزورون المنطقة لاستكشافها واكتشاف معالمها وتعرف على طقوسها وتقاليدها. لنتعرف على موسم الخطوبة وأرض العشاق من خلال هذا المقال.

أين تقع جماعة إملشيل

تعني كلمة `إملشيل` في اللغة الأمازيغية المكان المخصص لتخزين الحبوب، وهذا هو الاسم الذي لا يزال المنطقة تحتفظ به حتى اليوم. تقع جماعة إملشيل في المغرب، وهي منطقة جبلية في جبال الأطلس الكبير على ارتفاع 2300 متر فوق سطح البحر. يسكنها الأمازيغ، وتحديدا قبائل آيت حديدو التي استقروا هناك في القرن السابع عشر وفقا للمؤرخين. يعتمد سكان المنطقة على الزراعة وتربية المواشي كمصدر رئيسي للدخل، وتعتبر إملشيل جزءا من إقليم ميدل.

يعتبر مناخ المدينة والطرق المؤدية إليها في غاية السوء بسبب موقعها الجبلي مما يجعلها منعزلة عن باقي المدن، و على الرغم من ذلك يتوافد عليها العديد من السياح من داخل المغرب و خارجه للاستمتاع بالطبيعة الخلابة و المناظر الجبلية الرائعة، كما تشتهر إملشيل بموسم خطوبة إمشليل و موسم أحمد المغني و السوق العام.

السوق العام في إملشيل

بموازاة مع عقد قران العرسان في الخيمة الكبيرة، بموسم الزفاف الجماعي بدوار أيت عمر بساحة سيدي أحمد أولمعني، على بعد حوالي 26 كلم من مركز إملشيل، يوجد سوق عام ينعش المنطقة اقتصاديا، وهو سوق يقام مرة في السنة بعد انتهاء الموسم الزراعي أي بعد حصاد القمح الذي يميز باقي المحاصيل في إملشيل، هذا بالإضافة إلى موسم جز الصوف، لذا يقام سوق سنوي يعرض فيه سكان المدينة منتجاتهم من السجاد اليدوي والمحاصيل الزراعية و المنتجات والحرف اليدوية بالإضافة إلى أحلى الأزياء التقليدية التي تتميز بها المنطقة من محايك “تسبنيت” و”تحنديرت”و حلي فضية، كما يتوافد عليه عدد كبير من تجار التوابل و الملابس و مربي الماشية، إضافة إلى بائعي الخضروات و اللحوم و الفواكه الجافة والأواني الخزفية و الأفرشة المنسوجة من صوف الغنم و الماعز.

موسم سيدي أحمد المغني

يدفن الولي الصالح في قرية أيت عامر بجماعة بوزمو دائرة املشيل تمامًا كما يمتنونه أهل المنطقة، وقد حظي بمكانة كبيرة في قلوبهم لأنه كان يحل النزاعات بين العائلات في المنطقة، ويشار إلى السوق هناك باسم سوق أو موسم سيدي أحمد المغني، الذي يمنح المنطقة بعدًا ثقافيًا هامًا.

تشتهر إملشيل بموسم الزواج الجماعي وهو عبارة عن حفلات قديمة تعكس التراث اللامادي الغني لهذه الجماعة الذي دأبت عليه قبائل المنطقة منذ أكثر من 45 عاما، حيث يعمل سكان المنطقة طوال العام بجد ونشاط لضمان قوت أسرهم باستثناء شهر سبتمبر الذي يعتبر استراحة من الأعمال الشاقة وموسما للقاءات العاطفية، حيث يبحث الشباب في هذا الشهر عن زواج محتمل، وتشجعهم القبيلة على ذلك بالأهازيج والرقصات التقليدية المستوحاة من التراث الأمازيغي في ختام الموسم، بالإضافة إلى الوجبات التقليدية والثياب والحلي والقلادات.

يتم ترتيب الموسم في شهر سبتمبر `أيلول` حيث يقوم العريس باختيار عروسه قبل بدء الموسم الذي يتم خلاله احتفالات شعبية كبيرة في إطار حفل زفاف جماعي بعد عقد الكثير من الزيجات، ويقوم العريس بتقبيل يد عروسه كنوع من التقدير والاحترام لها، ويتميز بداية الموسم بعرض الفرق الفلكلورية المحلية التي تعكس الخصائص الثقافية والتراثية للمنطقة، وتقام خيمة بربرية، ويأتي العرسان بملابسهم التقليدية للزفاف، وتنظم ليالي ومسابقات لتجويد القرآن الكريم.

يتداول اعتقادان شائعان حول هذا السوق، الأول هو اعتقاد خاطئ يفيد بأن سكان المدينة يعرضون فتياتهم للزواج في هذا السوق، أما الاعتقاد الآخر فيشاع بأن هناك قصة حب بين شخصين من قبيلتين متخاصمتين وهما قبيلة آيت إبراهيم وقبيلة آيت يعزو، وذلك بسبب النزاع على منابع المياه والأراضي الزراعية

تقول الأسطورة أنه كان هناك فتى يدعى موحى وفتاة تدعى حادة، التقيا تحت أشجار الخروب في تلك المنطقة لاتخاذ قرار الزواج. قررت القبيلتان معاقبتهما ومنع لقاءهما، فشعرت حادة بالحزن واحتجزت نفسها في غرفتها، ثم قررت الانتحار بالقفز في البحيرة. عندما علم موحى بذلك، قفز هو أيضا في البحيرة المجاورة ليخلد قصة حبهما. وتم تسمية البحيرتين بأسماء إيسلي وتسليت، وتعنيان “العروس” و”العريس” على التوالي. ولكي يكفر القبيلتان عن خطئهما في رفض زواج العاشقين، قررت القبيلة تنظيم هذا الموسم الذي يحمل العديد من الدلالات التاريخية والرمزية المرتبطة بالنهرين المذكورين. بعد تلاشي العداوة بين القبيلتين، قررت القبيلتان أن تربطهما علاقة مصاهرة دائمة، وأصبحت قصة حب موحى وحادة ذكرى سنوية في موسم إملشي.

تدخلت الأساطير الشعبية في قصة العشاق وتحولت قصة حبهما إلى أسطورة تاريخية،  حيث يشاع أن حادة و موحى كانا يذرفان الدموع إلى أن شكلت سيلا من الدموع، كان سببا في ولادة النهرين التوأمين الشهيرين “إسلي” ‘العريس’ و”تيسلت” ‘العروسة’، ثم قاما بالانتحار غرقاً وألقيا نفسهما في البحيرة التي تكونت من دموعهما.

ومع ذلك، هناك تفسير علمي وفقًا لفريق من علماء كلية ابن زهر في مدينة أكادير، أكد أن البحيرتين تشكلتا بسبب سقوط نيزك على الأرض قبل 40 ألف عام، والسبب وراء وجود بحيرتين متجاورتين هو أن النيزك تقسم قبل اصطدامه بالغلاف الجوي مباشرة.

على الرغم من بساطة هذه العادات، فهي تجذب الناس من مختلف الأماكن داخل المغرب وخارجه. التقليد المعتاد سنويا في شهر سبتمبر هو عرس جماعي ضخم لشباب وفتيات المنطقة. يختار الشاب عروسه قبل بداية الموسم كما ذكرنا، ويعتقد أن القران يتم عقده قبل العرس بشهر. ومن بين التقاليد، يقوم والدا العريس بزيارة منزل العروس وهم يحملون الحناء واللوز والسكر ومجموعة من الهدايا. ثم يقوم فرد من عائلة العريس بتوزيع التمر على قبيلته، ويفعل الشخص نفسه من أسرة العروس ذلك أيضا. يحدث ذلك بعد الاتفاق بين أهل العروسين، ومن ثم يجتمع نساء القبائل لطحن القمح الكافي لصنع الخبز خلال حفلة الزفاف التي تستمر ثلاثة أيام. وخلال الحفل، يقوم أهل العريس بصنع خبز يسمى “أبادير” لأطفال عائلة العروس، وتقوم عائلة العريس بطهي الطعام للمدعوين.

يُعتبر هذا الموسم موسمًا تجاريًا بامتياز، حيث تُعرض فيه الكثير من المنتجات والصناعات المحلية، مثل النسيج التقليدي الذي يحظى باهتمام كبير من الزوار الأجانب والمغاربة على حد سواء.

مهرجان موسيقى الأعالي بإملشيل

يتم تنظيم مهرجان موسيقى الأعالي في إقليم ميدلت بمشاركة الجماعة القروية لإملشيل وعمالة إقليم ميدلت والمجلس الإقليمي، ويشمل هذا المهرجان عددا من الأمسيات الفنية التي تتضمن مشاركة فرق موسيقية أمازيغية محلية وجهوية ووطنية، بالإضافة إلى العديد من الأنشطة الفنية والثقافية. يهدف هذا المهرجان الفريد من نوعه إلى إبراز التراث الموسيقي المغربي وتقديم عروض موسيقية لفنانين محليين مشهورين.