اسلاميات

ما هي دلائل التسليم للوحي

مسألة العقل في التفكر بالله

العقل لا يملك مشروعية كاملة لوجوده ولا معنى لذاتيته دون وجود الأطر اللازمة، وهي الوحي والكون والفطرة، ونحن بحاجة للشريعة للتحكم في هذه الأطر الثلاثة، لأن العقل قد يضل في بعض الأحيان ولا يدرك الطريق الصحيح، والفطرة قد تحل مكانها حب الدنيا، وقد يكون الكون بعيدا عن فهمنا لحقائقه

يقول الشاطبي: عندما يتفق النقل والعقل في المسائل الشرعية، فإنه يجب على النقل أن يسبق ويتبوأ المكانة الأولى، وعلى العقل أن يتبع، ولا يجب أن يتجاوز العقل حدود النقل في النظر والتفكير

وإذا لم يكن للمسلمين أن يختلفوا في أمور النقل والعقل، لولا وجود العلمانيين وأفكارهم الغريبة، إذ قد حسم القرآن الكريم هذه المسألة وأوضح أن النص هو مصدر المعرفة ومنبع الإيمان، وأن العقل يأتي بعد وهو وارث للوحي، ونتوصل إلى ذلك من خلال قوله تعالى `يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم` في سورة الحجرات، أي لا يجب أن نتقدم بالقول قبل الله ورسوله، والقول الأصلي هو الوحي

التسليم للوحي هو السبيل الأساسي للايمان

يقول الله تعالى في سورة يونس: “فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ۚ لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين”. وهذا الخطاب موجه للناس عموما، فإذا كان الناس غير مقتنعين بالإسلام، فلا يمكنهم الوصول للحقيقة بمجرد استخدام العقل، لأن ذلك لن يفيدهم بشيء، بل الطريقة الوحيدة للوصول للحقيقة هي بالتسليم للوحي السماوي، وذلك لأن اليقين بوجود الله عز وجل لا يمكن تحقيقه إلا بالتسليم للوحي.

وقمة العقلية هي الإيمان والاستسلام لله عز وجل، وليس استخدام العقل لمعرفة الله، قد قال تعالى `وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون` (سورة يونس)، وهذا يوضح أن الإيمان والاقتناع بوجود الله عز وجل يأتي بتوفيق منه، والأشخاص الذين لا يقبلون الوحي قد ضلوا الطريق السوي.

اهمية التسليم بالوحي في الايمان

التسليم بالوحي اهم من إعمال العقل وذلك لقوله تعالى (قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ) يونس 101، وحتى لا يفكر الشخص بان اعمال العقل هو السبيل الاساسي للوصول للإيمان يتبع الله عز وجل القسم الأول من الآية بالقسم الثاني الذي يرى ان الذين لم يكونوا آمنوا بالله وسلموا بوحيه لا يمكن ان يكون عقلهم دليلهم للوصول للإيمان، ورفض ابن خلدون منهج علماء الكلام الذين ارادوا إثبات العقائد الإيمانية بالحجج العقلية، لان هذه العقائد تستمد صحتها من الشرع.

مهمة المسلمين اليوم هي دعوة الناس للايمان بالله عز وجل ، وهذا يمكن تحقيقه عن طريق إقناعهم بصدق الأنبياء فيما قالوه عن الله عز وجل. ولا يمكن لهم إقناع الناس بوجود الله عقليا أو منطقيا ، وعادة ما يتعب الأشخاص الذين يفكرون في هذه المسألة ؛ لأن الإيمان لا يتحقق من خلال العقل بل يأتي كهدية من الله عز وجل. وقال تعالى في سورة الحج (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) وفي سورة هود (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون)

اي ان النظر العقلي لا ينفع في الايمان واقترن الايمان بالله بالصدر ولم يقترن بالعقل، واما الجدال فهو معروف بأنه ليس مجدي في الإيمان، وعندما جادل الكفار الانبياء رفض الانبياء الجدل لانه غير مجدي في مسأله الايمان، إنما اوكلوا الايمان بالله تعالى إلى رحمته التي لا علاقة للعقل بها

دلائل التسليم للوحي

  • الإيمان واليقين بالله

إن النظر لكتاب الله وسنة رسطوله دون هوى او مجادلة فيما نزل عن الله عز وجل ونبيه، يعد نموذج على التسليم بالوحي، يجب ايضًا الإيمان بان الله تعالى وحده هو خالق الانسان والعالم وهو يدرك ما يحقق للإنسان المنفعة والسعادة في الدنيا والآخرة، وقد دعا الإسلام لإعمال العقل في التفكر بخلق الله شريطة ان يكون التسليم للوحي هو السابق وليس العقل

قال تعالى (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ۚ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ۗ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ، وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ، وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) سورة يونس

  • التصديق الجازم والمطلق بمقررات الوحي

من دلائل التسليم للوحي هو التسليم المطلق لما جاء من عند الله تعالى ورسوله، حيث قال تعالى: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت، ويسلموا تسليما. سورة النساء

يعني التسليم المطلق لما نزل من عند الله عز وجل مفهوم العقيدة، وهو جوهر الإيمان بالله، والشك بهذه المبادئ الثابتة واللجوء إلى مصادر بشرية أخرى هو تدمير للدين الإسلامي

  • التسليم بكفاية الوحي

إحدى علامات الإيمان بالوحي هي الإيمان والالتزام بأن دين الله وكلمته والقرآن الكريم وما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم يحقق العدالة، وهو كامل من حيث تغطية قضايا الدنيا وصحة القرآن الكريم، والإيمان بأن دين الله ووحيه شامل بحيث يلبي حاجة الإنسان دون الحاجة لدين آخر، وقد قال الله تعالى: “أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم، إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون” (سورة العنكبوت، الآية 51)

دور العقل في الإيمان بالله

ليس الهدف من هذا المقال هو إلغاء دور العقل والتفكر بمخلوقات الله في الإيمان، وإنما يجب معرفة ان العقل تابع لليقين بالله عز وجل، والعقل له دور كبير في الاطر التي تناسبه ويبدع بها، اما في الامور الدينية الاساسية فالأمر موكول للوحي، واسمى واجبات الانسان هي معرفة الله تعالى

لا يمكن الوصول إلى الله تعالى ومعرفته من خلال أشياء محدودة مثل العقل، لأن العقل ضعيف بالتأكيد أمام الخالق، بسبب قدراته المحدودة في معرفة الله العزيز الغير محدود، وبالتالي لا يوجد وسيلة لمعرفة الله العزيز إلا من خلال تعريف الله لذاته وهذا يمكن استنتاجه من القرآن الكريم، والله تعالى يعلم أن الإنسان ضعيف ولديه قدرات محدودة، ولذلك أرسل الرسل والأنبياء وأنزل الوحي ليوضح الطريق الوحيد لمعرفة الله العزيز وهو التسليم للوحي، لأن العقل البشري لا يملك القدرة على معرفة الله تعالى بدون وحي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى