ما سبب ازدهار الحركه الفكريه في الدوله العباسيه
بداية ونهاية العصر العباسي
اشتهرت فترة الدولة العباسية باسم العصر الذهبي للإسلام، إذ شهدت الحضارة الإسلامية ازدهارا كبيرا في جميع مجالات الحضارة الإنسانية مثل العلوم والصحة والفلك والأدب والشعر والعمارة والترجمة، وذلك في الفترة التي عانت فيها أوروبا من عصور مظلمة.
تم تقسيم الدولة العباسية في التاريخ إلى فترتين، وهما:
- العصر العباسي الأول (تأسس عام 750 م حتى عام 847 م).
- يشير العصر العباسي الثاني إلى الفترة الممتدة من عام 847 م إلى سقوط الدولة العباسية في عام 946 م.
أهم سمات الحياة الفكرية في العصر العباسي
شهدت الدولة الإسلامية خلال العصر العباسي الأول بداية جديدة في حياتها العلمية والفكرية، وهذا يعد نتيجة طبيعية لشكل الحياة في هذا العصر.
وقد كان من أهم سمات العصر العباسي من الناحية الفكرية هو تمييز العلوم، فخلال عصر الخلفاء الراشدين والعصر الأموي كان العلماء والفقهاء يتحدثون في أمور عدة لكن كان أبرزها هو العلم الديني ومع ذلك لم يكن هناك علم مستقل اسمه علم الفقه أو علم التفسير، فقد كانت العلوم كتلة واحدة ممتزجة.
في بداية القرن الثاني للهجرة وخلال العصر الأموي، بدأت حركة توثيق الحديث والفقه والتفسير وتصنيفها بشكل منفصل. لذلك، كانت معظم العلوم في العصر الأموي تركز على العلوم الدينية أو العلوم المتعلقة بالقرآن الكريم والحديث الشريف.
في العصر العباسي، استمرت تلك العلوم في تشكيل نواة العلوم، ولكنها تفرعت وتحوّلت إلى بحوث أخرى، وبدأت تنظم بشكل أكثر ترتيبًا، وظهرت طرق جديدة في البحث العلمي. وهذه الطرق أسست لعصر النهضة في أوروبا .
لذلك، يمكننا أن نرى الفلاسفة الغربيين الكثير منهم يمدحون الدولة الإسلامية وعلمائها وخاصة العلماء والعلوم التي ظهرت خلال العصر العباسي، فمثلا، يذكر ويل ديورانت، الفيلسوف الفرنسي، في كتابه “حضارة العرب” أن العرب هم من قادوا أوروبا إلى حضارة اليونان القديمة، وأن الترجمات العربية التي تمت في العصر العباسي هي التي تشكلت على أساسها المواد التي تدرس في الجامعات الأوروبية لعدة قرون.
اسباب ازدهار الحياة الفكرية في العصر العباسي
- ازدهار الحياة الاقتصادية في الدولة العباسية
أدرك الخلفاء في العصر العباسي أهمية الاقتصاد وتنمية موارد الدولة في تطوير الدولة والحفاظ على قوتها، لذا تم وضع أسس ونظم اقتصادية لإدارة موارد الدولة التي توسعت بشكل كبير. تم وضع أسس جديدة لجمع الضرائب، وتم توثيق هذه النظم في كتاب الخراج الذي ألفه أبو يوسف بطلب من الخليفة العباسي الأشهر هارون الرشيد. أدى ذلك إلى تدفق الأموال على خزينة الدولة، ورفع مستوى معيشة الأفراد الذين يعيشون داخل الدولة، وهذا عامل مهم جدا في دعم الفكر والبحث والتعليم.
كما كانت الحياة الاجتماعية في العراق، عاصمة الدولة العباسية، مختلفة عن الحياة في الشام، حيث تم تنظيم الري في نهر دجلة بشكل مختلف عن الشام، مما أدى إلى ظهور أنواع مختلفة من العلوم لتلبية احتياجات الدولة وموقعها الجغرافي.
- العوامل الدينية
تأثرت الحركات العلمية في فترة الدولة الأموية بالعوامل الدينية، حيث كان الدين والعقيدة هما المحرك الرئيسي لهذه الحركات. وفي العصر العباسي، درس معظم العلماء الفقه والقرآن والحديث، وكانوا يبحثون في تفسير الأحاديث والقرآن الكريم والمسائل الغامضة التي لم يفهموها من قبل، وذلك دفعهم لدراسة الطب والكيمياء واللغة، إذ كانوا يؤمنون بصدق بحقيقة القرآن الكريم والحديث الشريف الذي يحث على العلم والبحث والتفكير.
- ازدهار حركة الترجمة في العصر العباسي
شهد العصر العباسي الأول حركة ترجمة واسعة لم يشهدها العالم من قبل، حيث ترجم العلماء العباسيون أولًا فلسفة اليونانية بكافة فروعها، وتمت ترجمة الرياضيات الهندية، وكذلك تمت ترجمة تاريخ الأمم من الفرس والروم واليونانيين وغيرهم.
كان العلماء في عصر العباسيين يتناقشون مع أصحاب الديانات الأخرى مثل اليهود والنصارى والمجوس باستخدام الأدلة العقلانية المنطقية، وهذه الأدلة انطلقت في الأساس من دراسة وتفسير القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
كان حنين بن إسحاق واحدا من أشهر مترجمي العصر العباسي، وعلى الرغم من كونه نصرانيا، كان عالما يجيد أربع لغات، ولذلك حظي بدعم كبير من الدولة العباسية حتى أصبح ترجمان الخلفاء وطبيبهم الخاص. كما ترأس بيت الحكمة في زمن الخليفة المتوكل وترجم العديد من العلوم الإغريقية والسورية، بما في ذلك كتاب الماجسطي لبطليموس، الذي يعتبر أهم ترجمة لهذا الكتاب الهام الذي يتناول مجالات الفلك والرياضيات بشكل شامل.
أسس ابن إسحاق مدرسة للترجمة، حيخرج منها مجموعة من المترجمين العظماء فيما بعد، حيث عملوا على جمع الكتب والمخطوطات من شتى أنحاء العالم وترجمتها إلى اللغة العربية. وقد أثرت هذه الترجمات بشكل كبير على الحركة العلمية والفكرية في العالم بأسره بعد ذلك.
- امتزاج الثقافات في العصر العباسي
كان كثير من العلماء الذين اشتهروا في الدولة العباسية من العرب المسلمين وكان هناك الكثيرين أيضًا من المسلمين من غير العرب من الشعوب التي دخلت الإسلام مثل الفرس والروم والمصريين وبلاد الهند الذين توجه كثير من منهم لعاصمة الدولة الإسلامية لتلقي العلم ونشره وتنقلوا كثيرًا بين الأمصار والأقطار للبحث والتقصى.
بالإضافة إلى ذلك، كما فعل الخلفاء العباسيون، دعموا العلماء غير المسلمين مثل ابن إسحاق. وفي عصر الدولة العباسية، قام الخلفاء بدعم مدرسة الطب جنديسابور في منطقة شمال فارس، والتي كانت تخضع للدولة الإسلامية. وقدموا المساعدة للناسطرة، الذين كانوا من النصارى وكانوا ينتمون لبطريرك القسطنطينة وعاشوا في شمال العراق، وكذلك قدموا المساعدة لبعض اليهود .
وكان للإسلام أثر كبير في من دخلوا فيه من الشعوب الأخرى، حيث أنهم كانوا يرون أن ينهم لا يكتمل إلا بالعلم وقراءة القرآن ودراسته، فكان ذلك يدعوها إلى تعلم اللغة العربية وإجادتها، فجمعوا بين ثقافتهم الأصلية للعربية، وقاموا بمزج الثقافتين والنقل منها وأنتجوا ثقافة جديدة مبنية على تعاليم الإسلام وتقدير العلم .
وبالتالي، نجد أن بين أبرز رواد الحركة العلمية في العصر العباسي، مجموعة من العلماء الذين كانوا من أصول غير عربية، مثل الخوارزمي الذي ينحدر من منطقة خوارزم في إقليم خراسان، والذي كان شهيرا كرياضي وجغرافي وعالم فلك، وهو مؤسس علم الجبر الذي ما زال موجودا حتى الآن، كما عمل على رسم خريطة للأرض بناء على طلب من الخليفة المأمون.
كان أبو بكر الرازي، الذي يعد من أعظم أطباء الإنسانية، من أصل فارسي، وكان أيضا رياضيا وعالم فلك وفيلسوف. هذا كان أيضا واحدا من مظاهر الحضارة والحياة الفكرية في العصر العباسي، حيث انتشر العلماء الموسوعيون الذين لم يقتصروا على جانب واحد من العلم، بل اهتموا بدراسة شتى مجالات العلوم الدينية مع العلوم الأخرى واتقنوها جميعا.
- اهتمام الخلفاء العباسيين بالعلم
كان هناك جانب شخصي أثر في العلوم والحياة الفكرية في العصر العباسي، فقد كان الخلفاء العباسيون مهتمين بالعلوم المختلفة والبحث والاستكشاف، وكل العوامل السابقة ساعدتهم على ذلك. ولأسباب شخصية، كان بعضهم يبدي اهتمامًا خاصًا ببعض العلوم.
مثال على ذلك هو الخليفة أبو جعفر المنصور الذي كان يعاني من مشاكل في معدته، فذلك جعله يستدعي الأطفال بانتظام ويشجعهم على المشاركة ويستمع إلى نصائحهم، ويحفزهم على البحث والتأليف في مجال الطب.
كان أبو جعفر مهتمًا بالنجوم وكان يروج للفكرة بأن هناك ارتباطًا بين حركة النجوم وما يحدث على الأرض.