رغم أن لفظ السياحة كان يطلق بشكل دائم على كل ما يبعث السرور في النفس مثل السفر والتنزه وزيارة البلدان للتمتع بمشاهدة المناظر الطبيعية الخلابة فيها، على العكس من ذلك تماما يطلق مصطلح السياحة السوداء على كل ما هو مؤلم ومحزن في مجال السياحة. ففور سماع هذا المصطلح، تتبادر إلى الذهن تلك المناطق المرتبطة بالحروب أو الموت بشكل عام. ومؤخرا، تم استخدام هذا المصطلح لوصف تلك الأماكن التي شهدت بعض حوادث الموت أو القتل المؤسفة بها، بهدف التذكير بتلك الحوادث أو زيارة مواقعها. ومن الغريب زيادة عدد السياح الذين يزورون تلك الأماكن المختلفة في جميع أنحاء العالم، حسبما أكدت الدراسات التي اهتمت بالسياحة السوداء .
السياحة السوداء
تم العمل على دراسة تلك النوع من السياحة مؤخرا بشكل أوسع، بهدف إحياء ذكرى تلك الحوادث المأساوية التي ارتبطت بالقتل والفقد. وعلى الرغم من اختلاف أسبابها وأماكنها، فإن الخسائر تكمن في فقدان العديد من الأشخاص بسبب تلك الحوادث. وأصبحت تلك المناطق من بين أهم الوجهات السياحية في البلاد التي وقعت بها تلك الحوادث، وأصبحت أيضا مناطق جاذبة للسياح، سواء لغرض التعرف على تفاصيل تلك الحوادث عن قرب أو لالتقاط الصور التذكارية في موقع الحادث نفسه. وتم تخليد ذكرى تلك الحوادث المأساوية في العديد من الدول، بهدف الحد من حدوثها مرة أخرى وتذكير الجميع بشناعة التسبب في مقتل أو قتل إنسان آخر بلا ذنب .
لم يتم إجراء بحث ودراسة لمعرفة عدد السياح المشاركين في هذا النوع من السياحة، ولكن تم تجميع البيانات حول المواقع المرتبطة بهذه الحوادث، ووصل عدد تلك المواقع إلى 122 إلى 900 موقع. صرح فيليب ستون، المدير التنفيذي لمعهد أبحاث السياحة المظلمة في جامعة سنترال لانكاشير في إنجلترا، أنه يشهد اهتماما متزايدا بشكل كبير في هذا النوع من السياحة مؤخرا مقارنة بالسنوات السابقة، ويرجع ذلك إلى أسباب سياسية أو ثقافية. وأكد أيضا أن جميع الراغبين في زيارة تلك المواقع يسعون لاسترجاع تلك الذكريات المؤلمة، سواء كان سبب تلك الحوادث طبيعيا أو بشريا
كما أرجع بعض المهتمين بدراسة ذلك النوع من السياحة إلى أن الزيادة الملحوظة لمناطق السياحة السوداء ترجع إلى الطبيعة البشرية ، التي تحركهم بشوق إلى تذكر المواقف المؤلمة لبعض البشر ، وأغلب من يريدون الذهاب إلى تلك المناطق يعلمون جيدا تاريخ ذلك المكان كذلك يريدون التفكير بشكل أعمق في أمور الشر التي كان الإنسان سببا في حدوثها عبر العصور المختلفة التي تتمثل في حوادث القتل والإبادة للرجال والنساء وكذلك الأطفال الأبرياء دون أي ذنب ، ذلك النوع من البشر يسيطر الشر عليهم بشكل كامل مقارنة بغيرهم من الاسوياء الذين يعيشون في حالة متوازنة من الخير والشر على حد سواء .
نتيجة لهذا الإقبال، أصبحت هذه الوجهات السياحية من بين الأماكن التي تساهم في زيادة الدخل الاقتصادي للبلاد. وتستقطب العديد من السياح من جميع أنحاء العالم، خاصة المهتمين بالسياحة الداكنة
أهم وجهات السياحة السوداء
هناك العديد من الوجهات السياحية والمواقع التي ارتبطت بحوادث مأساوية، ومنها:
النصب التذكاري لذكرى 11 سبتمبر
تلك الكارثة المأساوية التي وقعت في هذا التاريخ في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث فقد 2977 شخصا حياتهم في عام 2001. يحتفظ هذا الموقع أيضا بذكرى ستة أشخاص آخرين الذين فقدوا حياتهم في التفجير الذي وقع في مركز التجارة العالمي. اشتهر هذا الحادث عالميا وانتشرت مشاهده تفجير البرجين في جميع أنحاء العالم، كتكريم لذكرى ضحايا هذه الكارثة الأليمة
النصب التذكاري لمتحف اوشفيتز بيركيناو
كان هذا المكان هو أكبر معتقل عسكري للنازيين الألمان في زمن أدولف هتلر، الذي كان يقوم بقتل المعتقلين بشكل مستمر، لذلك ارتبط هذا المكان بالإرهاب والقتل بشكل كبير، حيث فقد 1.1 مليون شخص حياتهم جراء هذا الحادث المؤسف، كما أن الناجين من هذا الحادث لم يسلموا من الآثار النفسية والاجتماعية السلبية، وتم بناء هذا النصب التذكاري خصيصا للحد من وقوع حوادث مماثلة في المستقبل
متحف هيروشيما التذكاري للسلام
يتم بناء هذا المتحف لتذكيرنا بحادث هيروشيما الياباني، حيث انفجرت القنبلة التي أدت إلى فقدان الكثير من الأشخاص حياتهم، وكان ذلك الانفجار بمثابة صافرة إنذار لبدء الحرب العالمية الثانية. يحتوي المتحف على العديد من الأعمال الفنية التي تم إعدادها بعناية لتذكيرنا بتفاصيل هذا الحادث الأليم
تشيرنوبيل
يقع هذا المنطقة في أوكرانيا، حيث وقع الحادث بين الخامس والعشرين والسادس والعشرين من إبريل عام 1986، عندما انفجر المفاعل النووي. تسبب الانفجار في تلوث المنطقة بشدة، مما جعلها غير صالحة للزراعة لمدة 20,000 عام حتى تصبح صالحة مرة أخرى .
نصب مورامبي للإبادة الجماعية التذكاري
يقع ذلك الموقع في دولة رواندا ويعتبره البعض من أصعب حوادث الإبادة الجماعية التي حدثت عبر التاريخ بسبب فقدان أرواح بشرية كثيرة جراء ذلك الحدث الوحشي، حيث تم قتل وذبح ما يقرب من 50,000 شخص من الرجال والنساء على حد سواء، وكان من المؤلم أيضا قتل الأطفال الأبرياء دون أي ذنب يرتكبونه، وكأن تلك المليشيات خلعت من قلوبها كل أنواع الرحمة، وتعرف تلك المليشيات باسم مليشيات إنتراهماموي وكانوا يتفقون مع الحكومات التي ساهمت في عمليات القتل، وبعد ذلك تم البحث عن جثث المفقودين لاستخراج ما يقرب من 800 شخص ليتم حفظ تلك الجثث في الجير لتكون ذكرى لذلك الحادث الأليم
سجن الكاتراز الفيدرالي
يقع هذا السجن في جزيرة الكاتراز بولاية سان فرانسيسكو الأمريكية، ولقد أصبح من أشهر الأماكن التي يتم زيارتها من قبل الناس في جميع أنحاء العالم، ويعتبر هذا السجن واحدا من أكثر السجون تعذيبا للسجناء، حيث يتم التعامل مع السجناء بشكل صارم، وكان هذا المكان هو موطن أفراد عائلة أل كابوني، وكانت إحدى أكثر طرق التعذيب في هذا المكان هي عرض السجناء على الناس في الخارج وهم يقضون حياتهم اليومية، ولم يتم استخدام هذا النوع من التعذيب في أي سجن آخر
اطلال بومبي
يحمل هذا المكان ذكرى سيئة لسكان إيطاليا، وتختلف تلك الحادثة عن الحوادث الأخرى بأن سببها يرجع إلى الطبيعة وليس البشر، حيث تسبب البركان في إبادة مدينة بومبي الرومانية بأكملها، وتم تصنيف هذا المكان ضمن أنواع السياحة السوداء لتذكير الناس بهذه الكارثة التي أدت إلى خسارة المدينة بأكملها