تذكر مديرة الاشراف الاجتماعي في المدينة المنورة وتبوك أن هناك العديد من الأئمة والفقهاء الذين نقلوا إلينا الأحاديث الشريفة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والتعاليم الإسلامية السامية التي أمرنا بها الرسول وكان يوصي بها الصحابة دائما، ومن بين هؤلاء الأئمة الإمام الفقيه مالك بن أنس – رضي الله عنه – الذي كان له فضل كبير وعظيم على كافة المسلمين حتى عصرنا الحالي.
الإمام الفقيه مالك بن أنس
يعتبر الإمام الفقيه مالك بن أنس – رضي الله عنه – من أئمة الحديث فهو واحد من الأئمة الأربعة تحديدا الإمام الثاني الذين كان لهم دور بارز في نقل الأحاديث النبوية الشريفة عن رسول الله سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – ويعتبر من رجال العلم العظماء الذين اجتهدوا لوضع تفسيرات عديدة للكثير من العلم والتعاليم الإسلامية .
ولقب الناس الإمام الفقيه مالك بن أنس – رضي الله عنه – بحجة الأمة وإمام دار الهجرة، فهو صاحب المذهب المالكي عند أهل السنة والجماعة كما أنه من المحدثين المسلمين والفقهاء العظماء، فأسمه كاملا أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي الحميري المدني، حتى قال فيه الإمام الشافعي: «ما بعد كتاب الله تعالى كتابٌ أكثرُ صواباً من موطأ مالك».
نشأة وتعليم الإمام مالك بن أنس
الإمام الفقيه مالك بن أنس، إمام جليل يمني الأصل، ولد في الثالث والتسعين من العام الهجري، ونشأ وتربى في المدينة المنورة، ومن عائلة مشهورة حول العالم، وتعرف والدته باسم العالية الأزدية، وحفظ القرآن الكريم بالكامل في سن مبكرة، ثم اتجه إلى حفظ الأحاديث النبوية الشريفة، وتعلم الفقه الإسلامي، ولذلك رافق فقيه المدينة المنورة، ابن هرمز، لمدة سبع سنوات، حتى تعلم من علمه الغزير الكثير من التعاليم الإسلامية والأصول، كما تعلم من عدد من العلماء مثل نافع مولى ابن عمر، وابن شهاب الزهري.
وقد اعتمد الإمام مالك في فتواه على عدة مصادر تشريعية هي: تعتمد الشريعة الإسلامية على مصادر رئيسية هي: القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، وعمل أهل المدينة، والقياس، والمصالح المرسلة، والاستحسان، والعرف والعادات، وسد الذرائع، والاستصحاب.
صفات الفقيه مالك بن أنس
اشتُهر الإمام الفقيه مالك بن أنس، رضي الله عنه، بالحكمة والوقار والسكينة والاحترام، وبصبره الطويل، وقوة ذاكرته، وعلمه الغزير والكبير، وإبداعه في إتقان الحديث وحفظه، كما اشتُهر بالذكاء الكبير الواضح والصبر الشديد، بالإضافة إلى حميد الأخلاق واللسان الطيب.
وشهد له ما يقارب من سبعون شيخاً من أهل العلم أنه جدير بنقل العلم والتعاليم الإسلامية، اتخذ له مجلساً في المسجد النبوي للدرس والإفتاء وكان يتردد عليه الكثير من الناس، وكان معروف دائما بتلك المقولة: «إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه».
وفاة الإمام مالك بن أنس
توفي الإمام الفقيه مالك بن أنس – رحمه الله – في سنة 179 هـ بعد مرض دام لمدة تقارب الـ 22 يومًا، وأدى أمير المدينة عبد الله بن محمد بن إبراهيم صلاة الجنازة عليه، ثم دُفن في البقيع.
وقيل عن بكر بن سليم الصراف قال: دخلنا على المالك في الليلة التي استلم فيها، وسألناه: `يا أبا عبد الله، كيف تجد وضعك؟` فقال: `لا أعلم ماذا أقول لكم، إنكم سترون غدا من فضل الله ما لم يكن لكم في الحسبة.` ثم قال: `لم نغادر حتى أغمضنا عينيه، وتوفي رحمه الله يوم الأحد، العاشر من ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومئة.
مؤلفات الإمام الفقيه مالك بن أنس – رضي الله عنه –
ترك الإمام الفقيه مالك بن أنس العديد من الكتب والمؤلفات الغزيرة بالعلم والتعاليم الإسلامية والأحاديث النبوية الصحيحة، من بينها:
كتاب الموطّأ
يعتبر كتاب الموطأ من أهم وأعظم الكتب والمؤلفات للإمام الفقيه مالك بن أنس – رضي الله عنه – حيث قام بتأليفه في القرن الثاني من الهجرة وتم نشره عام 2007 م، قال فيه الإمام الشافعي: «ما بعد كتاب الله تعالى كتابٌ أكثرُ صواباً من موطأ مالك» لما فيه من تعاليم إسلامية سامية وسليمة .
ويرجع سبب كتابته إلى لجوء الخليفة أبي جعفر في موسم الحج إلى الإمام مالك من أجل تأليف كتاب يعمل على تنظيم المواد المؤلفة تحت معايير علمية دقيقة بحيث أن يجمع المؤلف الشتات ، وروى الإمام مالك من خلال هذا الكتاب عن الكثير من الرواة منهم علي بن زياد، ويحيى بن يحيى، والصوري، وابن غفير، وابن بكير، ومحمد بن الحسن الشيباني، ومعن بن عيسى.[1]
النجوم وحساب مدار الزمان ومنازل القمر
يعتبر كتاب مالك بن أنس في النجوم وحساب مدار الزمان ومنازل القمر أحد الكتب الأكثر فائدة، حيث يحتوي على معلومات كثيرة وقيمة في هذا المجال.
رسالة في الأقضية
كتب الإمام الفقيه مالك بن أنس في الأقضية للعديد من القضاة في مصر وهي حوالي ما يقارب من عشرة أجزاء، رواها عنه عبد الله بن عبد الجليل، وتضمن رسالته إلى أبي غسان محمد بن مطرف في الفتوى، ويرويها عنه خالد بن نزار ومحمد بن مطرف، ونقل العديد العلماء الآخرون من أقوال الإمام مالك في هذا الكتاب مثل: إسحاق بن سعيد .
رسالة إلى هارون الرشيد في الآداب والمواعظ
الإمام مالك بن أنس أصبح معروفا برسالته إلى هارون الرشيد، التي تميزت بالآداب والمواعظ والتعاليم. قد قام العديد من القضاة والآخرين بتعليقات على هذه الرسالة، ومن بينهم القاضي عياض الذي أعرب عن رأيه قائلا: بعض مشايخنا ينكرون صحة هذه الرسالة، مثل إسماعيل القاضي والأبهري وأبو محمد بن أبي زيد. قالوا إنها غير صحيحة وطريقها لمالك ضعيف، وتحتوي على أحاديث غير معروفة، وعلى حد قول الأبهري: تحتوي على أحاديث لو سمعها مالك من شخص يحدث بها لأدبه، وتحتوي على أحاديث مرفوضة تتعارض مع الأصول.
تفسير غريب القرآن للإمام مالك
لدى الإمام الفقيه مالك بن أنس – رضي الله عنه – كتاب في التفسير لغريب القرآن، ويُروى عنه خالد بن عبد الرحمن المخزومي.
أقواله الإمام مالك المأثورة
- قول: العلم ليس بكثرة الحديث، بل هو نور يضعه الله في القلوب.
- وقال: طلب العلم هو خير لمن رُزق به، والعلم هو نصيب من الله، ولكن يجب التحقق مما يلزمك من الواجبات اليومية حتى المساء، والالتزام بها.
- وقال: العلم يشع نورا في قلب التقي المتواضع.
- وقال: ينبغي للرجل الذي يحصل على المعرفة ويصبح مرموقًا بحيث يُشار إليه باحترام بأن يضع ترابًا على رأسه، ويكره نفسه إذا انتزعت به الغرور، ولا يفرح بالحصول على المناصب العليا، لأنه عندما يُدفن في قبره ويُغطى بالتراب، سيسوء ذلك كله بالنسبة له.
- وقال لابن وهب: ينبغي تقوى الله والاقتصار على العلم الذي تملكه، فلم يستغنِ أحدٌ عن علمه إلا بالنفع والتعلم. إذا كنت تسعى لشيءٍ لا يمكن الحصول عليه إلا من خلال الله، فقد وجدت ما ينفعك، وإذا كنت تسعى لشيءٍ في هذه الحياة، فلا يمكنك تحقيق ذلك إلا بالله.
- قوله: إذا كنت تريد أن يُفتح لك فُرجة في قلبك، فليكن عملك في السر أفضل منه في العلانية.
- وقال: الزهد في الدنيا هو الربح الجيد وقصر الأمل.
- وقال: النقاء في الثوب وجمال الهمة وإظهار المروءة هي جزء من النبوة الأربعين.
- وقال: إذا كان لديك ما يكفي منها لتلبية احتياجاتك، فالعيش المتواضع يكفيك، والقليل بالتأكيد أفضل من الكثير والتشتت.