اسلاميات

كيف يسبب الله الأسباب ؟.. والفرق بين السبب والمسبب

كيف يسبب الله تعالى الأسباب

الله تعالى هو الذي جعل الأسباب وهو الذي يسبب الأحداث، وهو الذي خلق العوامل التي تؤدي إلى حدوث تلك الأحداث، فجعل البذور هي السبب لنمو النباتات، وجعل شرب الماء سببا لسقي العطشى، والطعام سببا للشبع، وغيرها من الأسباب التي تؤدي إلى حدوث تلك الأحداث، والمسلمون والكافرون، والأشخاص الأمناء والأشخاص الفاسدون، يتساوون في استخدام تلك الأسباب، فالشخص الذي يشرب يروي عطشه، والشخص الذي يعمل يحقق هدفه، وهكذا.

تلك الأسباب والمسببات جميعها من صنع الله عز وجل، فإنه هو الذي وضعها وجعلها أسبابا بعلمه العظيم وحكمته الواسعة ليسهل الكون على أساسها، ولذا يجب على المؤمن بالله أن يلتزم بتلك الأسباب، ويجب أن نعلم أنه إذا خلق الله هذا الكون بدون نظام وقوانين تتبع، لكانت السماوات والأرض تفسد ومن عليهما، إذ قال عز وجل: {ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن} [المؤمنون: 71]، وقال تعالى: {خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار} [سورة الزمر: 5]، وكذلك قال سبحانه وتعالى: {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ۚ ما خلق الله ذٰلك إلا بالحق ۚ يفصل الآيات لقوم يعلمون} [يونس: 5].

الله هو المسبب للأسباب، أي أنه الذي يجعلها بحكمته أسبابًا تؤدي إلى نتائج. وبالنسبة لسؤال كيف يسبب الله تعالى الأسباب، فإن إجابة الشيخ ابن تيمية توضح ذلك، حيث يوحي الله عباده بما يدعون به، ثم يستجيب لدعائهم ويسهل عليهم العمل، وهذا ما أوضحه الشيخ

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: هو الله سبحانه، الحي الفعال، الذي يفعل ما يشاء، العليم القدير الحكيم، الخبير الرحيم الودود. لا إله إلا هو، وكل ما عداه فقير إليه، وهو غني عن غيره. لا يحتاج إلى أحد، ولا يستعين بأحد في فعله. العباد لا يستطيعون الإفادة أو الإضرار به، وإنما هو الخالق للأسباب والمسببات، وهو الذي يلهم عبده الدعاء، ثم يجيبه وييسر له العمل، ثم يثيبه ويوحي إليه بالتوبة، ويحبه ويفرح بتوبته. وهو الذي يستخدم المؤمنين فيما يرضيه، ويرضى عنهم، ولا يحتاج في فعله إلى شيء غيره، فهو الذي خلق حركات العباد التي يحبها ويرضاها، وهو الذي خلق ما لا يحبه ولا يرضاه من أعمالهم، لأسباب حكيمة يحبها ويرضاها. (وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الدنيا والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون) [القصص: 70]، ولا إله إلا هو (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) [الأنبياء: 22]. انتهى.

العلاقة بين السبب والمسبب

الله تعالى هو من جعل الأسباب، وهي خاصة فقط بالله عز وجل، أما المسببات فهي تقوم على الأسباب، والعلاقة بينهما تتمثل في أنه إذا اكتمل السبب شيئا فشيئا، اكتمل مسببه، كالطعام والشراب فهما سببان في الشبع والارتواء، فكلما تناول الشخص لقمة تم جزءا من الشبع، ولا تتم المسببات إلا بعد تمام الأسباب وليس معها، وفي التالي توضيح ما هي الأسباب والمسببات

ما الأسباب

الأسباب هي الوسائل التي يتم من خلالها تحقيق الشيء المطلوب، ويمكن أن يُعرف السبب في القاموس على أنه “الحبل وما يستخدم لتحقيق شيء آخر.

معنى مسبب

أما المسببات تتمثل في أنها: يجب الإيمان بأن الله هو المسبب الحقيقي للأسباب التي تؤدي إلى النتائج، وأن المذاكرة مثلا لا تجعل الشخص ناجحا بمفردها، بل هي مجرد سبب فقط، ولذلك يجب علينا الاعتماد على الله في كل أمر.

العلاقة بين الدعاء والأسباب والمسببات

يتمثل العلاقة بين الدعاء والأسباب والمسببات في أن الدعاء يعد واحدًا من الأسباب التي تؤدي إلى حدوث المسببات، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الأمر في كتاباته

الدعاء في اقتضائه الإجابة تشبه الأعمال الصالحة في اقتضائها الثواب، وتشبه الأسباب في اقتضائها النتائج، ومن يقول: إن الدعاء هو علامة وإشارة فقط على تحقيق الطلب المطلوب، وليس له أي تأثير في حدوث الطلب سواء كان موجودا أو غير موجود؛ فإن هذين القولين ضعيفين؛ فإن الله يربط الإجابة بالدعاء تماما كما يربط النتيجة بالسبب، كما قال: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60]، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من مسلم يدعو الله بدعاء ليس فيه إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل له الدعاء، وإما أن يدخر له مثله من الخير، وإما أن يصرف عنه مثله من الشر»، قالوا: يا رسول الله إذا كثرت الدعوات، قال: «الله أكثر»، فالعطايا متوقفة على الدعاء تماما مثل الوعد والجزاء متوقفة على العمل المفروض به، وقال عمر بن الخطاب: “إني لا أهتم بالإجابة، بل أهتم بالدعاء، فإذا ألهمت في الدعاء، فإن الإجابة معه”، وهناك العديد من الأمثلة على ذلك، وأيضا الواقع المشاهد يدل على ذلك ويوضحه تماما كما يدل على ذلك في جميع الأسباب.” اه.

ما هي الأسباب والمسببات في القرآن

يحدث قدر الله ما هو حق ونافذ لنا، ويتم ذلك عن طريق السنن التي وضعها الله كنظام للكون، حيث جعل الله الأسباب وشرعها، وتعد هذه الأسباب جزءا لا يتجزأ من قدره العزيز الجليل. ومن الجدير بالذكر أن القرآن الكريم يحتوي على العديد من الآيات التي تشجع المسلمين على اتباع الأسباب في حياتهم والعمل بتوجيهاتها لتحقيق أهدافهم. ومن الأمثلة القرآنية على ذلك ما يلي:

  • قول الله عز وجل: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ورباط الخيل لترهبوا بها عدو الله وعدوكم، وآخرين من دونهم الذين قد لا تعرفونهم، إن الله يعلمهم، وما تنفقون في سبيل الله يعوضه عليكم، ولن تظلموا أي شخص بأي شكل من الأشكال.” (الأنفال: 60) يتطلب دين الإسلام وجود جميع أنواع القوى لتمكينه، ولذلك كان القرآن الكريم يحث المؤمنين على اتخاذ أسباب القوة.
  • وقوله: يعني التعبير القرآني “{مَّا اسْتَطَعْتُم}” أي “مهما يكن بإمكانكم”، ويشير إلى حدود قوة الشخص التي لا يجب عليه التوقف عند أي سبب من أسباب القوة والطاقة، ويعني القوة هنا ما يساعد على الحصول على الطاقة.

آيات الأخذ بالأسباب في القرآن

إن الله هو الخالق لجميع الأشياء، وما يريده يحصل، وما لم يرده لن يحدث، وخلق الله الأسباب التي تؤدي إلى حدوث الأمور، بما في ذلك المسببات التي يمكن أن تؤدي إلى حدوثها، كما ذكر الله في آيات الأخذ بالأسباب الموجودة في القرآن

{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف: 57]، فالسحاب هو السبب في نزول الماء، والماء هو السبب في الثمرات.

وقال تعالى: يا أهل الكتاب! لقد بعث إليكم رسولنا يوضح لكم الكثير مما كنتم تخفون من الكتاب، ويعفو عن الكثير. قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين” [المائدة: 15]. هذا هو السبب. ثم قال الله تعالى: “إنما يهدي به الله من يتبع رضوانه سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه، ويهديهم إلى صراط مستقيم” [المائدة: 16]. وهذا هو المسبب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى