كيف واجه النبي المنافقين
يعني النفاق في اللغة بأن يظهر الشخص شيئا ويخفي شيئا آخر، ويعتبر المصطلح الشرعي للمنافق هو الشخص الذي يخفي الكفر ويظهر الإيمان، ويمكن تقسيم النفاق إلى نفاق أكبر والذي يشير إلى كفر الكفار الخالصين الذين يعبدون غير الله تعالى، ونفاق أصغر والذي يشير إلى الأشخاص الذين يؤمنون بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وبأصول الطاعات، لكنهم لا يؤدون جميع الطاعات، كمثال لمن يؤدي الطاعات الظاهرة ولا يؤدي الطاعات الخفية.
لذلك يعتبر مفهوم النفاق واسعا جدا، وهذا هو ما يجعل من النادر أن يتخلى أحد عن مراتبه، حيث يظهر نفاق الأخلاق ونفاق الأقوال، إلى درجة أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خشوا أن يكونوا من المنافقين وهم لا يعلمون، لذلك قال العلماء إن أي تغيير يحدث للشخص بين الغياب والحضور هو مؤشر لوجود النفاق.
المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
كان هناك ثلاثة أنواع من المنافقين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: منافقون من أهل المدينة، منافقون من حول المدينة، ومنافقون من أهل مكة. وتظهر الأمثلة الواضحة للمنافقين في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث أخفوا الإيمان بالإسلام ولكن قلوبهم مليئة بالغل والحقد والحسد، ودفعهم ذلك للتسلل إلى المجتمع المسلم ونشر سموم أفكارهم وحقدهم وغلهم على الرسول والدين الجديد وأتباعه. لذلك، انتشر نفاقهم في المجتمع المسلم كالسرطان الذي لا يوجد له علاج إلا بالقضاء عليه من جذوره.
ذكر القرآن الكريم الكفار وذكر صفاتهم، ومنها أنهم لا يصلون إلا وهم كسالى، وأجبن الناس في المواجهات والحروب والقتال والنزال، وينفقون في سبيل الله بكره ويراؤون الناس فيما ينفقون، ويستهزئون بالمتطوعين من المؤمنين في إعطاء الصدقات.
يشكل المنافق خطرا أكبر على الإسلام والمجتمع من الكافر، فهو عدو خفي وضرره أكبر وأكثر خطورة، لذلك جعل الله عقوبة المنافقين في الجهنم الأسفل كما ذكر في سورة النساء. ولكون النفاق والمنافقين خطرا، حذر الله منهم وحذر النبي عليه الصلاة والسلام منهم وأنزل الله سورة باسمهم وذكر فيها بعض صفاتهم اللعينة ومكرهم وخبثهم الشرير.
تعامل الرسول مع المنافقين
بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، دخل العديد من أهل المدينة وبدأ المسلمون يعدون قوة كبيرة، واجهوا عداء جديدا ليس كالعداء التقليدي الذي يواجهونه من اليهود الذين كانوا يعيشون في المدينة، وظهر نوعا جديدا من الحرب يتمثل في معسكر يتزعمه قادة جدد.
بعد أن انتصر المسلمين في موقعة بدر الكبرى، وتمكنهم من قتل صناديد كفار قريش ، ظهر على رأس هؤلاء المنافقين رأس النفاق والمنافق الأكبر عبد الله بن أبي بن سلول، الذي لم يسلم لله عز وجل ولم تطاوعه نفسه على الإيمان بالرسول وبدينه الذي يدعو له ، وذلك بسبب ما يكنه من حقد وغل على الرسول والدين الجديد وأصحابه، إضافة إلى أن الدين الجديد ساهم في إقرار العدل والمساواة بين الناس، فضاعت مكانة بن أبي بن سلول التي كان يتطلع إليها ويعمل على تأكيدها في مجتمع المدينة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها.
ذكر ابن هشام في كتابه السيرة النبوية أنه عندما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، كان سيد أهلها عبد الله بن أبي بن سلول العوفي، الذي لم يسبقه ولا يلحقه أحد في أن يكون زعيما للأوس والخزرج، وعندما أعلنوا الإسلام وتركوا زعيمهم وقائدهم ليدخلوا في دين الله ويؤمنوا بالإسلام، غضب بن أبي بن سلول على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأدرك أنه سلب منه زعامته وقيادته في مجتمع المدينة، وعندما فشل في إقناع قومه بالعودة إلى الكفر وتمسكوا بالدين الجديد ورسوله، انضم إلى الدين الجديد مستسلما، يحركه الضغينة والكراهية.
لم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم المنافقين إلا بسبب ما ظهروا به من النفاق، على الرغم من أن الله سبحانه وتعالى علمه بسرائرهم. ولكن الرسول الكريم حاول إصلاحهم وإعادتهم ليصبحوا جزءا صالحا في المجتمع. وقد ذكر ابن القيم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بقبول علانيتهم وترك سرائرهم لله، وجاهدهم بالعلم والحجة.
سلك النبي صلى الله عليه وسلم مع المنافقين طرق كثيرة كان من بينها التغاضي والعفو عن الأخطاء، وتقبل الأعذار التي كان أغلبها إن لم يكن جميعها واهية بسبب بنائها على الكذب، وكان بعض الصحابة يطالبونه بقتلهم، إلا أنه صلى الله عليه وسلم كان قابضا على التعامل معهم وفق منهج التجاوز والصفح.
نموذج من تعامل النبي عليه الصلاة والسلام مع المنافقين
في غزوة تبوك، بنى نفر مسجد الضرار، وكان الهدف من ذلك إثارة الفتنة والتفرقة بين المؤمنين، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتدمير المسجد.
قال ابن تيمية إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل المنافقين على الرغم من معرفته بهم وبشرورهم وأهميتهم في التخلص منهم، وذلك لأن القتل قد يكون سببًا للتشكيك في شخصية النبي واتهامه بقتل أصحابه.